الإرهاب ونطاقات الحركة في أفريقيا

في مناطق عدة من العالم يعود خطر الإرهاب تدريجياً مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بالأزمة الأوكرانية، فضلاً عن أن صراع الهيمنة والنفوذ الدائر بين القوى الكبرى في بعض المناطق يتسبب في إيجاد فجوة تتحرك فيها تنظيمات الإرهاب بشكل ملموس.
في أفريقيا، على سبيل المثال، نجد أن القوات الفرنسية قد انسحبت من مالي ومؤخراً من بوركينا فاسو، حيث تجري عملية إعادة بناء التحالفات بين بعض الدول الأفريقية والقوى الدولية، ويتقلص نفوذ دول ذات روابط قديمة مع أفريقيا لمصلحة دول أخرى مثل روسيا والصين.
نفوذ فرنسا التقليدي في غرب أفريقيا يتقلص في بعض الدول الأفريقية، لاسيما بعد انسحاب قوة “برخان” التي كانت تتمركز في غرب أفريقيا من دولتين حتى الآن، بناء على طلب البلدين وبضغط من شعور داخلي مناهض لفرنسا، ولكن لا يزال لباريس دور مهم في التصدي لخطر تكاثر تنظيمات الإرهاب في منطقة غرب أفريقيا والساحل بشكل عام.
◙ من الضروري أن ينتبه العالم إلى تنامي خطر الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، حيث يتطلب الأمر حشداً دولياً مكثّفاً لاستئصال تنظيمات الإرهاب المنتشرة في هذه المناطق
من أجل معالجة الرفض المتنامي لوجودها العسكري في بعض الدول الأفريقية، لجأت فرنسا إلى تغيير إستراتيجية عمل قواتها في منطقة غرب أفريقيا من التواجد العسكري المباشر إلى صيغ شراكة عسكرية مع الجيوش الوطنية لتلك الدول، من خلال دعم هذه الجيوش وتعزيز قدرتها على التصدي لخطر الإرهاب.
الواضح أن هناك حساسيات متنامية للوجود العسكري الغربي في الكثير من الدول الأفريقية، حيث بات الشعور المناهض لفرنسا في تلك البلدان أحد قضايا النقاش العام في تلك البلدان، بل تتحول العلاقات مع فرنسا إلى أحد أبرز الملفات المطروحة بين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية في بعض هذه الدول مثل السنغال وغيرها.
في منطقة غرب أفريقيا تتمركز عناصر تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” التابع لتنظيم “القاعدة” وهناك أيضاً تنظيم “داعش”، حيث تنتشر هذه العناصر في دول أفريقية عدة، وتتسبب في حالة من الفوضى وانعدام الأمن في هذه الدول، ولاسيما في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وغيرها.
ويرى الكثير من المتخصصين أن الأوضاع في ليبيا قد أسهمت بشكل كبير في تأجيج ظاهرة الإرهاب في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، التي تعتبرها بعض الدول “بؤرة إرهابية دولية” كما قال ميخائيل بوغدانوف المبعوث الرئاسي الروسي للشرق الأوسط، في مراجعته الخاصة بالوضع الأفريقي في نهاية عام 2022.
معضلة تفشي الإرهاب في أفريقيا قد تكون أكثر خطورة من مناطق جغرافية أخرى في ظل ارتباطها بظواهر إجرامية، مثل الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والأسلحة، وتزداد خطورتها في ظل البيئة الأمنية الرخوة التي توفر المجال المناسب لتكاثر هذه التنظيمات واتساع نفوذها، وخصوصاً في النزاعات العرقية وغياب نفوذ الدولة الوطنية في بعض الأحيان. وتزداد المعضلة السابقة في ظل الواقع القائل بأن بعض مناطق القارة الأفريقية تتحول إلى ملاذات لعصابات تهريب المخدرات الهاربة من الملاحقات الأمنية في أميركا الشمالية والجنوبية.
◙ نفوذ فرنسا التقليدي في غرب أفريقيا يتقلص في بعض الدول الأفريقية، لاسيما بعد انسحاب قوة “برخان” التي كانت تتمركز في غرب أفريقيا من دولتين حتى الآن، بناء على طلب البلدين
بلا شك أن تجارب العالم السابقة مع الإرهاب تؤكد أنه لا يمكن الصمت على تضخم خطر هذه الظاهرة في أيّ منطقة من العالم، لأن التطرف بمنزلة عدوى تتمدد وتنتشر جغرافياً عبر الحدود التقليدية والسيبرانية، وأن الجميع في العالم معرض للخطر في أي وقت في ظل تفشي الإرهاب مجدداً سواء في بعض مناطق أفريقيا أو غيرها، وبالتالي من الضروري أن ينتبه العالم إلى تنامي خطر الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، حيث يتطلب الأمر حشداً دولياً مكثّفاً لاستئصال تنظيمات الإرهاب المنتشرة في هذه المناطق.
الأهم من ذلك معالجة العوامل التي أدت إلى إيجاد بيئة حاضنة للفكر المتطرف، أو تمركز تنظيمات الإرهاب العابرة للجغرافيا في تلك المناطق، سواء كانت هذه العوامل سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو عسكرية أو فكرية أو غير ذلك.
يجب أن لا يتسبب الانقسام والصراع الدولي السائدان حاليا في ثغرات تنفذ منها تنظيمات الإرهاب، فالاستقطاب الحاصل بين روسيا والدول الغربية في أفريقيا يلعب دوراً كبيراً في إفساح المجال لتمدد تنظيمات الإرهاب وهذه حقيقة يدركها المتخصصون، وينبغي التعامل معها حتى لا يدفع الجميع فاتورة هذه الأخطاء الفادحة مستقبلاً.