الإرهاب الراهن صدى للغات القتل القديمة
بعد مضي عقد ونصف على ما يسمى “الحرب العالمية على الإرهاب”، لازال العنف ينتشر في اتجاهات متنوعة، تقوده التناقضات الأيديولوجية وصراعات المصالح ذات العباءات الدينية، ومعارك إثبات الوجود التي تبنتها تنظيمات إرهابية خلطت الدين بالسياسة وأصبحت قوة متغولة تكتسب مهارات متعددة في زلزلة الاستقرار والأمن وقتل الأبرياء، بعد أن حولت عناصرها لقنابل موقوتة تقودها فكرة التضحية بالنفس لأجل الدين، والتي تحاكي طقوس الحضارات القديمة وفكرة القربان المقدم لأجل الآلهة.
كانت التضحية بالنفس جزءاً من الخضوع والطاعة الكلية، وجعل الحياة الدنيوية أقل نفعاً وأهمية أمام ما ينتظر من حياة أفضل بجوار الآلهة. هذه الفكرة لم تتغير كثيراً في الديانات التوحيدية، إذ استمر ارتباط التديّن بالتضحية، وتحولت فكرة القربان إلى “الأضحية” كنوع من الطاعة يتقرب بها الشخص إلى الله. وقد ارتبطت العمليات الانتحارية بهذه الأضحية، وجرى استخدامها كعمل إرهابي منظم في القرن الأول ما بين سنة 66 و73 قبل الميلاد، أثناء مناهضة اليهود للرومان، حيث قامت جماعة يهودية متطرفة تدعى “السيكارى”، تحصنت في قلعة مسعدة “ماسادا” باعتماد أساليب غير معهودة في القتال من حرق المكتبات وهدم القصور وتدمير مصادر المياه، وارتكاب المجازر بحق سكان القرى المجاورة، واغتيال العديد من القادة بعمليات انتحارية.
أما إسلامياً فلم تكن العمليات الانتحارية جزءاً من مسيرة نشر الدعوة، ولم يجر استخدامها عبر التاريخ الإسلامي إلا من قبل فرقة “الحشاشين” التي تزعمها حسن الصباح واتخذ من قلعة ألموت حصناً له في القرن الحادي عشر ميلادي، وهي طائفة إسلامية شيعية استخدمت العمليات الانتحارية أو الإستشهادية ضد السلاطين المحليين.
ورغم مخالفة فعل الانتحار لكافة الشرائع السماوية إلا أن العمليات الانتحارية توالت، وتم استخدامها من قبل حزب الله اللبناني خلال حرب 1982 مع إسرائيل، فالقنابل البشرية أصبحت سلاحاً فتاكاً في الحروب الدائرة بين المتصارعين على اختلاف مشاربهم، وتوسع مفهومها ليستخدمها التكفيريون ضد مخالفيهم من المسلمين.
تحولت فكرة الانتحاريين في أنماط التدين الإسلامي الشائع إلى ثقافة يجري اتباعها من قبل معظم التنظيمات السياسية الدينية، تتمظهر في إعطاء الأولوية للدين على الإنسان، لتصل إلى التضحية بالحياة وقتل الآخرين من أجل الدين، وأصبحت جزءاً من مفردات المظاهر الإرهابية. فالانتحاريون هم نتاج عقلية لا تولي أي أهمية للإنسان، تقودهم إيديولوجية سوداوية، ومشاعر النقمة على الدولة والمجتمع، ويتم تسخيرهم وتربيتهم على احتقار الذات والآخر من قبل تنظيمات متطرفة عملت على استعادة مخزون العلاقات المتوترة بين الشرق والغرب، منذ الحروب الصليبية إلى ما تلاها من الاستعمار القديم والحديث، في محاولة لخلق الأعذار واستقطاب المهمشين، وقدمت نصوص الحروب والغزوات الأولى في الإسلام على أنها الدين كله، وأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ الأمة الإسلامية هي القوة والقدرة على القتل.
لغة القتل التي صاحبت الإنسان في كل الأزمنة، باتت تفتح أبواب الدم على كافة الاتجاهات في مسيرة نحو تصادم عالمي، فالحلول العسكرية لإيقاف الإرهاب الديني ستزيد من اتساع التطرف بدل الحد منه، والعالم مدعو للعمل على إيقاف الحروب بدل خوضها، والبحث عن حلول أكثر إبداعاً وجدوى لوضع حد للتطرف العنفي.
كاتبة ورسامة سورية