الإخوان لا يزالون عقبة تعكر التقارب بين القاهرة وأنقرة

لا يزال ملف الإخوان عقبة أمام التقارب بين تركيا ومصر، ففيما يتمسك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم القيادات المصرية من جماعة الإخوان المسلمين واستخدامها كورقة ضغط ضدّ خصومه، يتشبث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بوجوب ملاحقة تلك القيادات وإخضاعها للمحاسبة القانونية والتزام تركيا بعدم تجنيسهم وحمايتهم وتسليمهم للسلطات المصرية التي تدرك تداعيات هذا الملف على أمنها الإقليمي وانعكاساته على كافة الملفات الخلافية مع أنقرة.
القاهرة- كشفت بعض التطورات الأخيرة على مستوى العلاقات بين مصر وتركيا أن ملف جماعة الإخوان المسلمين ليس ثانويا بالنسبة إلى القاهرة، وتبين أنها متمسكة بإسقاط هذه الورقة ومنع توظيفها والمساومة بها.
وكشفت عودة عقدة الإخوان كمنغص للعلاقات بين البلدين كونها أولوية لمصر كوسيلة محورية للتحكم في بعض السياقات الخلافية، ليس فقط لأن أنقرة تصر على الإبقاء على الإخوان في حوزتها واللعب بهذه الورقة عند الضرورة، إنما للتضارب الواسع في المصالح والتناقض في الأهداف والسياسات بين الطرفين، ما يصعب من أي محاولات تقارب دون اختراق جذري لعنصر الخلاف الرئيسي شاملا التقييد التام لتحركات عناصر الجماعة في تركيا ووقف دعمهم إقليميا.
عقبة أمام التقارب
لم تثر تطورات اليومين الماضيين استغراب بعض الدوائر المصرية حيث لم تبتعد كثيرا عن توقعات بشأن استمرار ملف الإخوان كعقبة تعكر التقارب بين القاهرة وأنقرة، فقد أحيل مؤخرا 81 عنصرا من جماعة الإخوان بينهم ثمانية أتراك إلى محكمة الجنايات في مصر في القضية المعروفة بقضية التخابر مع تركيا، وتم نشر تفاصيل القضية بما يحرج تركيا ويشي بأن القاهرة غير راضية عما تحقق من تطورات حتى الآن.
وتم الكشف عن هذه القضية، دون تفاصيلها، في نوفمبر 2017 وتوجيه الاتهام لقادة نافذين في الإخوان بمصر وآخرين هاربين لتركيا بالتخابر لمصلحة دولة أجنبية بقصد الإضرار بمركز البلاد السياسي والاقتصادي ومصالحها عبر التواصل بين أعضاء الإخوان وعناصر أجنبية معادية.

أحمد سلطان: جماعة الإخوان ورقة ضغط يستخدمها أردوغان ضد خصومه
وبالتوازي مع نشر الاتهامات والتحقيقات ودلالات ذلك وجه الإعلام المصري انتقادات لتركيا على خلفية قضية تسريبات مزيفة بطلها يوتيوبر مقرب من الإخوان كشفت السلطات المصرية الاثنين تخطيطه مع آخرين لتزوير مكالمات هاتفية تشكك في مؤسسة الرئاسة وتشوه سمعتها، وظهور ملامح تصعيد جديد لإعلام الإخوان في تركيا ضد مصر والإعلان عن عودة إعلاميين سبق أن أوقفتهم أنقرة لنشاطهم مجددا.
ويربط مراقبون بين التعثر في خطط التقارب التركي مع مصر وعدم إحراز تقدم ملموس في ملف الإخوان، لأنه يمنع الانتقال الفعلي لمناقشة ملفات أخرى حيوية ويشتبك مع محاور مهمة، أبرزها الوضع الليبي، حيث تدفع القاهرة باتجاه مسار إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري بما يحد من نفوذ جماعة الإخوان المدعومة من أنقرة.
ويرجع عدم تعاون أنقرة للدفع باتجاه تسوية سياسية حقيقية وإتمام الانتخابات في ليبيا إلى علاقاتها القوية بجماعة الإخوان في ليبيا، ما يجعل إعادة صياغة العلاقة مع القاهرة أمرا صعبا.
ملف أولوي
أعادت مصر ملف الإخوان للأضواء بعد خفوته لقناعتها بأنه يمثل أولوية بالنسبة إليها كي لا تقع تحت ضغط مساومات والتلويح بمقايضات على حساب أمنها القومي بالنظر للتنازلات التي تطلبها أنقرة من القاهرة إقليميا.
ووصف أحمد سلطان الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ما جرى من تخفيف نبرة هجوم الإخوان الهاربين لتركيا بالضرورة التكتيكية لأنقرة، وأن جماعة الإخوان ورقة في يد الرئيس رجب طيب أردوغان يستخدمها في الضغط على خصومه ومنافسيه لتحقيق مصالحه وفق مقتضيات المرحلة وحسب الظروف.
وأوضح لـ”العرب” أن أردوغان يعمد لإظهار مدى قدرته على التحكم في ورقة الإخوان أمام خصومه بإصدار الأمر بوقف الهجوم تارة وتخفيف نبرته تارة أخرى، وإعادته إن اقتضت المصلحة، قاصدا توجيه رسائل بأنه مسيطر تماما على ورقته الرئيسية ووسيلته في الضغط والمناورة، ولا يعني هذا الإجراء أنه مستعد للتخلي عن الجماعة.
وتبدو مصر مرتاحة للتعامل مع الوجود التركي في ليبيا وتهديداتها في شرق المتوسط باعتبارهما قضايا دولية حيوية، وأن إتمام الانتخابات الليبية في موعدها وتشكيل قيادة تنظم علاقة الليبيين بالقوى الإقليمية والدولية أمر يهم هذه القوى التي تضغط لتحقيقه ولا يهم القاهرة وحدها.
وعلى أنقرة أن تتحمل ارتدادات ما تشكل إقليميا من منظومة تحالفات بنتها مصر في الأعوام الأخيرة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشرق المتوسط، وليس من حقها أن تطالب بتفكيكه أو تعديله على مقاس مصالحها، فقد اختارت منذ البداية التباعد والصراع والتصعيد الإعلامي والسياسي ضد القيادة المصرية مفرطة في أهمية القاهرة الإقليمية ومفضلة عليه تحالفها مع تيار الإسلام السياسي.

مصر أعادت ملف الإخوان للأضواء بعد خفوته لقناعتها بأنه يمثل أولوية بالنسبة إليها
وقد أثبتت الوقائع على الأرض صواب القراءة المصرية وترتيبها للأولويات خاصة مع الغموض الذي يكتنف مسألة الانتخابات في ليبيا، بالتوازي مع تحركات عسكرية من قبل ميليشيات مدعومة من الإخوان هدفت لإعاقة إجرائها إلا لو ضمنت فوز أحد المرشحين الداعمين لها بالرئاسة.
وقاربت القاهرة بين مطالبها كي تبدو حزمة واحدة وإن تدرج تنفيذها على مراحل وفي القلب منها وقف دعم جماعة الإخوان الذي يعني بالتبعية وقف دعم إخوان ليبيا وعدم التدخل في الشؤون العربية عن طريق الوكلاء في الداخل من الإخوان، بينما عمد الجانب التركي للمراوغة ولم يقدم الحد الأدنى للتكلفة المشتركة لمسار التقارب والتصالح.
وطلبت مصر من تركيا تسليم المدانين قضائيا في عمليات إرهاب وتحريض على العنف، وهم من الأسماء التي لا تزال تسبب قلقا وهاجسا للسلطات المصرية من الناحية الأمنية، منعت أنقرة تسليمهم بحجة أنهم يواجهون أحكاما بالإعدام أو جرى تجنيسهم، أما تخفيف نبرة الهجوم الإعلامي وإن كان مطلوبا فليس بتلك الأهمية مع تغيّر الأوضاع بالداخل المصري وزيادة الوعي الشعبي بالدولة الوطنية.
ولم تنسق القاهرة وراء مناورة تخفيف حدة الهجوم الإعلامي للإخوان عبر قنواتهم المحرضة، فهي تعلم أنه لا يزال هناك عمل على ما هو أخطر من ذلك من خلال تنسيق كامل بين الإخوان وحلفائهم والأجهزة التركية، ولا ينحصر ذلك فقط في نشاط عناصر الإخوان على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هناك مؤسسات ومراكز بحثية وهيئات تحمل عناوين ثقافية وفكرية تتناول القضايا من زاوية تؤثر في توجهات الرأي العام الدولي تجاه مصر وتخدم الرؤية والمصالح التركية.
يرجع عدم تعاون أنقرة للدفع باتجاه تسوية سياسية حقيقية وإتمام الانتخابات في ليبيا إلى علاقاتها القوية بجماعة الإخوان في ليبيا، ما يجعل إعادة صياغة العلاقة مع القاهرة أمرا صعبا
وتدرك الحكومة المصرية أنها لن تستفيد شيئا من تقارب منقوص تسعى فيه تركيا لتطبيع علاقات مجاني وهي تواصل القبض بقوة على ورقة الخلاف الرئيسية، أي دعم ورعاية تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان، التي وإن أظهرت وقف الهجوم المباشر والتحريض العلني على العنف، فلا تزال سياسيا وتنظيميا مؤثرة وفاعلة في ملفات تهم مصر.
وتعتبر السلطات المصرية أن هناك عقبات لا تزال تقف حائلا أمام تنقية الأجواء وتحقيق تقدم في العلاقة مع تركيا، أهمها عدم الأخذ بعين الاعتبار ما تريده وما تقوله بشأن دراسة أوضاع الأسماء المطلوبة ومراجعة طلبات التجنيس والإقامة المقدمة لقيادات الإخوان المطلوبين والناشطين من داخل تركيا والتشدد في مراقبة حركة تحويلاتهم المالية.