الإخوان المسلمون والتحالف الدولي
لطالما طالب الإخوان المسلمون بالتدخل العسكري لنصرة الثورة وإسقاط النظام السوري، وكان لهم دور أساسي في تثبيت هذه الفكرة في سياسة المجلس الوطني السوري. لكن كل ذلك تمّ لأن الإخوان كانوا القادة الفعليين لهذا المجلس. بعد الإعلان عن التحالف الدولي الآن بهدف محاربة تنظيم داعش، وحيث أصبح موقف الإخوان ضعيفا في الائتلاف الوطني الذي أقصى المجلس عن قيادة الثورة والعلاقات الدولية، فإنهم سارعوا للقول إن التحالف ضد الإسلام وأنه أخطر حملة توجه إليه، وطبعا فرقوا بين المسلمين وداعش، إلا أن موقفهم كان ليّنا، وكأنهم يدافعون عن داعش. الملفت أن تركيا ذاتها لم تتشجع لتأييد التحالف وكذلك قطر، وكأنهم يريدون أن يضمنوا أن التحالف سيأتي بالسلطة للإخوان وإلا فإنهم لن يمنحوه تأييدهم.
يشير الإخوان كذلك أن سبب تخوّفهم من التحالف، أنه لم يمتد بحملته لضرب مواقع حزب الله، وأن هذا التحالف سيُمكن إيران وربما النظام من السلطة في سوريا وإيران والعراق، حقيقة الأمر أن هذه النقطة فعلا مسألة مثارة، وهي كيف تُمنع إيران وحلفها من الاستفادة من اندحار داعش، وتكون نتيجة التحالف لصالح أنظمة جديدة في كل من سوريا والعراق، وتحجيم الهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا.
أن يرفض الإخوان التحالف والقول إنه ضد الإسلام، هو لعب سياسي، كي يعيدوا تأهيل دورهم في سوريا بعد أن تراجع كثيرا، سيما وأنهم يستخدمون الورقة الطائفية بالرد على التحالف، عبر الإشارة أنه ضد الإسلام (السنة) وستستفيد منه إيران. الحقيقة تقول إن الإخوان ينتهزون التحالف ليتجاوزوا تهميشهم في الائتلاف الوطني وكي يعيدوا لأنفسهم دورا مركزيا. الإخوان لم ينتبهوا هنا إلى إخفاق فروعهم الأخرى في مصر وجزئيا في تونس وفي ليبيا، وهم بذلك يوضحون أنهم لم يتعلموا الدرس أبدا، فهم لا زالوا يلعبون بالورقة الطائفية ويفهمون السياسة من زاوية الشمولية. أي إما أن تعطونا كل السلطة أو أنتم قادمون لاستباحة أرض المسلمين.
التحالف الدولي هو تحالف امبريالي وإقليمي لإعادة ترتيب شؤون الحكم في كامل المنطقة، وسيعمل على خلق أنظمة طائفية في كل من العراق وسوريا، ولن يكون فقط عمليات عسكرية من أجل إعادة تجديد النظام ذاته في هذين البلدين، وذلك لأنها أفلست نهائيا وأصبح استمرارها يهدد مصالح أميركا في المنطقة بثورات شعبية كما حدث تماما، وواحدة من أسباب عدم وقوف الأميركان إلى جانب الشعب السوري منذ بداية الثورة أنها ستكون ضد مصالحهم إن بقيت شعبية، وهذا ما لم يفهمه المجلس الوطني والائتلاف الوطني لاحقا.
دور السعودية أساسي في التحالف، وقد رفضت العلاقة بين الإخوان وأميركا، حيث كانت سياسة واشنطن تكمن في إيصال الإخوان إلى سدة الأنظمة، وبالتالي الممكن والمسموح به كنتائج للتحالف هو أنظمة ذات صبغة طائفية، ودور الإخوان ليس أساسيا فيها.
الخلاف السعودي القطري ربما في طريقه إلى الحل، وربما بدأت مؤشرات واضحة للافتراق بين الإخوان وقطر، وهذا سيؤثر على دور الإخوان في كامل المنطقة العربية، ولكن في حال ظل الموقف القطري داعما للإخوان، فإن عدم تغيير الإخوان لفهمهم لشكل النظام القادم، ومحاولتهم الوصول إلى الحكم والاستئثار فيه، سيؤدي إلى تراجع مكانتهم، وهو يعبر عن عقلية شمولية وفهما ضيقا لمسألة السلطة، فالأخيرة وبعد كل ما تراكم من مشكلات إما أن تكون سلطة ديمقراطية ومعبرة عن تحالف سياسي كبير، وإما ستكون معرضة للسقوط سريعا كما سقط إخوان مصر وكما تراجع دور النهضة في تونس وكما تراجع دور إخوان ليبيا وهكذا.
الإخوان تاريخيا ليسوا متعارضين مع الدول الامبريالية، وهناك احتضان بريطاني وأميركي لهم، وموقفهم من التحالف، موقفا انتهازيا وسرعان ما سيتراجعون عنه، لصالح تأييده والتوافق معه، ولكن ذلك لن يكون قبل أن يفهموا أن السياسة الأميركية القديمة، والتي كانت تعتبر الإخوان بديلا عن أنظمة انتهت كلية، وهي فكرة سابقة للثورات العربية، وبعدها، وتحديدا مع وصول السيسي للحكم في مصر، أصبح الموقف منهم لا يتعدى اعتبارهم حزبا سياسيا، ففي مصر تم استبعادهم وفي تونس استوعبوا الدرس وانخرطوا في اللعبة الديمقراطية.
يناور اتجاه أردوغان، وبسبب الحدود الطويلة لتركيا، لإعطاء دور رئيسي لشركائه (الإخوان)، وربما هذا سيعقّد موقف التحالف من سوريا، فالتحالف الدولي يركز في كافة لقاءاته في جدة وفي فرنسا، على دوره في العراق، وتُعطى سوريا هامشا صغيرا في النقاشات، ربما يكون هذا بسبب الموقف التركي الملتبس إزاء المشاركة في التحالف، والذي نراه مشروطا بالموقف من النظام السوري وليس فقط ضرب داعش في سوريا، وبإعطاء الإخوان دورا رئيسيا في أية عملية سياسية لاحقة عليه.
ما قلناه لا يستبعد موقفا استباقيا لدى الإخوان، ينطلق من أن داعش سيهزم لا محالة، وسيتم تصوير هزيمته وكأنها هزيمة للسنة، ووجود الإخوان في التحالف سيعني موقفا شعبيا رافضا لهم، وبالتالي يريد الإخوان، وبعد تراجع موقفهم وتقهقر الجهاديين أن يتقدموا مجددا وكأنهم هم من يمثل السنة فقط في أية عملية سياسية.
طبعا هذا واحد من تفسيرات موقف الإخوان، ولكن ما يعرفه السوريون جيدا أن الإخوان لم يكن موقفهم مع أهل الثورة إلا موقفا سياسيا، أي كل دعم بالإغاثة والمال والسلاح كان دعما مشروطا بالولاء. وكذلك ما هو معروف أن الإخوان لم يعارضوا الجهاديين، ولم يقدموا أي موقف مضاد لهم، رغم أن الأخيرين اتهموهم بالردة عن الإسلام وسواه.