الأوقاف المصرية تعلن الحرب على التطرف على الإنترنت

فتحت الأدوار المتنامية للبعض من المؤسسات الدينية في مصر لمواجهة الأفكار المتطرفة، الباب أمام دخولها إلى عالم الفضاء الإلكتروني لصدّ ما يبثه المتشددون من سموم فكرية، وإيقاف عمليات التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلن محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري أخيرا، إنشاء إدارة تختص بالدعوة الإلكترونية وتعيين مساعد له لإدارتها متخصص في علوم حاسبات ووسائل التواصل، بالتعاون مع عدد من الأئمة، مشددا على أنه سوف يعتمد على الكفاءات الشابة التي تجيد التعامل مع ما يتم بثه من أفكار عن طريق الإنترنت.
وعلمت “العرب” أن وزارة الأوقاف استعانت بخبرات خارجية للنجاح في مجال الدعوة الإلكترونية، بعد أن أطلقت، مطلع العام الجاري، مسابقة لاختيار أفضل 20 فكرة لمواجهة التطرف من خلال الدعاية على وسائل الإعلام المختلفة.
وهي الخطوة التي لجأت إليها الوزارة لتعويض غياب الأفكار المتطورة، ضمن خطط جديدة للتعامل مع الجماعات المتطرفة والتي كان من بينها مقترح سابق أثار ضجة مع هيئات دينية أخرى، ويتعلق بتطبيق الخطبة الموحدة.
وجاءت خطوة وزارة الأوقاف المصرية بعد فترة من إطلاق دار الإفتاء المصرية لمرصد الفتاوى التكفيرية والإسلاموفوبيا، يقوم على رصد كل ما تبثه التنظيمات المتطرفة ومتابعة كل ما ينشر عن الإسلام والمسلمين في العالم على مواقع الإنترنت، والتركيز على صفحات التواصل الاجتماعي، فضلا عن مراكز الدراسات والأبحاث المعنية بالتطرف والإرهاب.
وهي أيضا تأتي بعد نحو عامين من تدشين مؤسسة الأزهر لمرصد الأزهر للغات، الذي يرصد كل ما تبثه التنظيمات المتطرفة ويرد عليها إعلاميا من خلال لجان متخصصة، كما أنه يقوم بحملات دورية على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبع لغات مختلفة للترويج لأفكار وسطية.
التعامل مع التطرف في مصر يستهدف مواجهة السلفيين الذين هربوا من المساجد، إلى وسائل التواصل الاجتماعي
ولم تُجر حتى الآن دراسات تشير إلى نجاح التجربتين السابقتين في الحد من الانضمام إلى الجماعات المسلحة، في ما وجهت البعض من الانتقادات لعدم الوصول إلى منابع ترويج الأفكار المتطرفة والرد عليها، والاكتفاء بإصدار بيانات إعلامية يتم نشرها من خلال مواقعها الإلكترونية، وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي للرد على ما يتم ترويجه من أفكار.
ويشير البعض من المراقبين إلى أن تعامل المؤسسات الدينية في مصر مع وسائل الإعلام الحديثة لمواجهة الأفكار المتطرفة، بحاجة إلى المزيد من الطاقات الشابة التي تُجيد التواصل مع فئة الشباب، والتي تُعدّ أكثر الفئات تأثرا بالأفكار المتطرفة، كما أنها بحاجة للمزيد من التجديد في الأفكار التي تطرحها، من خلال خطابها الفكري للاقتناع بها وهو ما تعاني منه غالبية المؤسسات عقب فشلها في وضع أسس لخطاب ديني جديد يعبّر عن مقتضيات المرحلة الراهنة.
وتفتقد مواجهة الأفكار المتطرفة بشكل عام في المؤسسات الدينية المختلفة إلى مسايرة التطورات الحديثة، خاصة في نظم البرمجيات وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تجيد الجماعات المتطرفة التعامل معها.
وهو ما أكده خبير البرمجيات المتخصص في النظم الأمنية، كما أن تعامل الجماعات الإرهابية عبر المواقع المعتادة أصبح جزءاً من الماضي، بعد أن لجأت إلى استخدام برامج غير مرئية للوصول إلى الفئات التي تستهدفها، وهو أمر يجري استغلاله من خلال أجهزة المحمول الحديثة.
مالك صابر أضاف في تصريحات لـ“العرب”، أن تعامل المؤسسات الدينية مع الوسائل الإلكترونية الحديثة لا بد أن يتبعه تنسيق أمني يحدّد الأماكن التي يمكن خلالها بث الأفكار المتطرفة للتعامل معها، وهذا يحدث حاليا، وبالتالي فإن الكثير من الرسائل الإعلامية التي تبثها تلك المؤسسات لا تصيب أهدافها.
وبالرغم من إدراك المؤسسات الدينية أهمية التنسيق الدولي لمواجهة انتشار الأفكار المتطرفة، ووضوح ذلك من خلال البيانات التي تنشرها بشأن التعامل الدولي مع الجماعات الإرهابية عن طريق الإنترنت، إلا أن ذلك الإدراك لم تتم ترجمته حتى الآن ليمثل تنسيقا إعلاميا حقيقيا في الوصول إلي منابع الفكر المتطرف.
وفي ديسمبر 2015 نشر مرصد الأزهر للغات تقريرا بشأن تصريحات وزير الداخلية الإسباني خورخى فيرنانيث دياث، أشار خلالها إلى أن 80 بالمئة من عمليات التجنيد الآن تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بينما 20 بالمئة فقط تتم داخل السجون أو المساجد، وكانت هذه النسبة معكوسة عام 2012، حيث كان يتمّ تجنيد الجهاديين في السجون ودور العبادة بنسبة ثمانية أشخاص لكل عشرة.
وفي العام ذاته نشر تقرير أصدره معهد بروكينغز حول حضور تنظيم داعش في البعض من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، أكد أن الحسابات التي تدَّعي الانتماء إلى التنظيم أو تتعاطف معه تزيد على 46 ألف حساب، وأن الكثير منها في العراق وسوريا، أي أماكن وجود التنظيم ونفوذه.
يأخذ التعامل الإلكتروني مع الأفكار المتطرفة داخل مصر أبعادا سياسية أخرى، إذ يستهدف مواجهة السلفيين الذين هربوا من المساجد، بعد أن حاصرتهم وزارة الأوقاف بقراراتها التي تمنعهم من الخطابة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي لبث أفكارهم.
في هذا الصدد قالت ليلى عبدالمجيد، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، لـ”العرب”، إن إستراتيجية الحكومة المصرية لمواجهة التنظيمات المتطرفة من خلال الوسائل الإلكترونية بدأت تصحح أوضاعها، لكنها اختارت الأدوات الخاطئة لإنجاح خطتها، إذ أن تعامل المؤسسات الدينية مع الأمر لن يؤدي إلى نتائج إيجابية جيدة لعدم الثقة في ما تبثه من أفكار.
وأضافت أن الجماعات المتطرفة استطاعت تشويه علماء الدين الرسميين، وبالتالي فإن الأمر بحاجة إلى جذب عدد من الشباب من خارج تلك المؤسسات، على أن يتم تدريبهم بصورة سليمة لاختراق معاقل التطرف، كما أن الأمر لا ينبغي أن يتوقف على ما يتم بثه من بيانات، والمطلوب إجراء حوارات كاملة مع الشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وتنقسم آراء خبراء الإعلام حول الطريقة المثلى في مواجهة الجماعات المتطرفة على الإنترنت، فهناك من يرى ضرورة تدشين حملات مواجهة إلكترونية تقودها مجموعات مهمتها التصدي للأفكار التي تروّج لها التنظيمات الإرهابية على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين يرى آخرون أن الاستعانة بالمقاتلين الفارين من جحيم تلك التنظيمات يُعدّ أكثر الطرق فعالية.