الأوقاف المصرية تبحث عن التأثير المجتمعي خارج المساجد

الدفاع عن العقيدة بالعقل غائب عن المؤسسات الدينية في مصر.
الجمعة 2024/11/01
هل ينجح أسامة الأزهري في ما فشل فيه الوزراء السابقون

تبذل وزارة الأوقاف المصرية جهودا لتطوير الخطاب الديني الذي يعاني حالة من الجمود، بالتوازي مع ذلك تحرص الوزارة على تحسين علاقتها بمشيخة الأزهر، وجعلها علاقة تكاملية وليست تنافسية، كما كانت في السنوات الماضية.

القاهرة - نشطت وزارة الأوقاف المصرية في مسارات مختلفة نحو البحث عن تأثير مجتمعي يتجاوز أدوار أئمتها داخل المساجد، وتوظيف حالة التقارب بين الوزير أسامة الأزهري وشيخ الأزهر أحمد الطيب نحو التأكيد على أن ذلك يأتي في إطار التكامل وليس التنافس بين المؤسسات الدينية الأخرى، وهو ما يدفعها إلى اتخاذ خطوات إلى الأمام على طريق إحياء التفاعل بين شيوخها والمواطنين عبر وسائل التواصل المختلفة والبحث عن حضور خارجي لم يكن ضمن اهتماماتها سابقا.

وتستعد وزارة الأوقاف لتدشين منصة رقمية تفاعلية تضم خطبا دينية وكتبا وتتيح إجراء حوارات مباشرة بين أئمتها والمواطنين، تهدف إلى إنشاء “مقصد وسطي مستنير يأخذ بكل من العلم الديني والتكنولوجيا”، وتضم المنصة محرك بحث مدعوما بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتتيح اعتماد تطبيق على الهاتف المحمول للغرض ذاته.

وأطلقت الوزارة الأربعاء دورة تدريبية هي الأولى من نوعها لتدريب أئمتها على مهارات التواصل الإعلامية، وتعريفهم بكيفية توظيف هواتفهم في تقديم مواعظ دينية وخطب دعوية، لإعداد كوادر بشرية ذات مهارات متعددة تنعكس إيجابا على أدائهم وتفاعلهم مع التطورات والقضايا المجتمعية في ظل الرؤية الإصلاحية والمؤسسية للدولة.

ولا تنفصل هذه التحركات عن إستراتيجية أعلن عنها وزير الأوقاف أسامة الأزهري مؤخرا، تتضمن إعادة طرح قانون تجريم الفتوى لغير المختصين، بعد أن فشل البرلمان في تمريره من قبل إثر خلافات بين المؤسسات الدينية المصرية (الأزهر والأوقاف والإفتاء) حول هوية من يحق لهم الفتوى، فهناك لائحة موجودة لأئمة وزارة الأوقاف تتيح لهم الحق في الفتوى منذ ثمانينات القرن الماضي، غير أنها غير مفعلة.

عبدالغني هندي: الخلفية الأزهرية لوزير الأوقاف تساهم في نجاح خطواته
عبدالغني هندي: الخلفية الأزهرية لوزير الأوقاف تساهم في نجاح خطواته

وشدد الأزهري على أن وجود إدارات للفتوى داخل الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف إنما بغرض التنسيق وتغطية كافة الجوانب وتكامل الأدوار وليس التنافس، وسيتم عمل دورات للأئمة والخطباء في المساجد لتأهيلهم للفتاوى البسيطة التي يطرحها عليهم رواد المساجد في شتى ربوع مصر، وتأهيل الخطباء للفتاوى الإلكترونية وكيفية التعامل معها.

ويرى مراقبون أن وزارة الأوقاف تجد في التقارب الحالي بين المؤسسات الدينية بعد أن جرى الاستعانة بشخصيات محسوبة على مؤسسة الأزهر لقيادة دار الإفتاء ووزارة الأوقاف فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب المجتمعية للوزارة التي دخلت في خلافات كبيرة مع شيخ الأزهر منذ تولي الوزير السابق محمد مختار جمعة، غير أن ذلك يتطلب تحسين مستوى الخطباء والأئمة لتكون لديهم القدرة على التأثير، ويعد ذلك أبرز التحديات التي تعرقل خطط الأوقاف نحو الانفتاح مجتمعيا على نحو أكبر.

وعلى الأوقاف تحقيق السيطرة المطلوبة على المساجد في ظل المشكلات المتكررة بشأن قلة أعداد الأئمة، مقارنة بالمساجد، وتغلغل فلول تنظيم الإخوان والسلفيين في بعضها، وبالتالي فإن تحقيق التأثير المرجو على مستوى إقناع المواطنين الذين يأتون إلى المساجد يجب أن يكون سابقا لأي خطوات قد تؤثر سلبا على المهمة الرئيسية داخل المسجد، خاصة وأن الخطاب الموجه لمن اختاروا الذهاب إلى شيوخ الأوقاف للاستماع إليهم من المفترض أنه يختلف عن الخطاب الموجه للجمهور العام من المواطنين الذين يمكن أن يسعى الدعاة والمؤسسات الدينية للوصول إليهم.

وقد تحقق وزارة الأوقاف تأثيرا يتجاوز ما تحققه مؤسسات دينية أخرى، في حال ضاعفت عدد أئمتها ونشرتهم في الزوايا الصغيرة التي تعد منفذا مهما للوصول إلى فئات لا يصل إليها الخطاب الديني الوسطي، وهؤلاء يشكلون عصب المجتمع المصري ولهم اهتمام بالجوانب الدينية التي تسيطر على الجزء الأكبر من حياتهم.

لكن وزارة الأوقاف لديها رؤية، مفادها أن التواصل المباشر بين أئمتها وبين المواطنين في المساجد يتيح لها إمكانية التفاعل مع قدر أكبر من الجمهور، وشيوخها يملكون الخبرات التي تؤهلهم لذلك بسبب خبراتهم السابقة عبر تواجدهم المستمر في المساجد، وتؤمن بأن إحداث قدر من التكامل بين المؤسسات الدينية الثلاث يساهم في تقديم خطاب ديني متطور ويحظى بالتوافق بعيدا عن النبرة التنافسية السائدة.

وقال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (يتبع وزارة الأوقاف)، عبدالغني هندي إن الأوقاف ترى أن حضورها لا يجب أن يقتصر على المساجد وأن توظيف الإنترنت في الاستفادة من خبرات الأئمة أمر مطلوب في الوقت الحالي، وتنامي حضور الأفكار المتطرفة عبر مواقع التواصل يجب أن يُقابل بأفكار أخرى عبر وجوه تلقى قبولا لدى من يستمع إليها، وأن ما تحاول تحقيقه تأخر كثيرا وكان يجب أن تكون فاعلة مجتمعيا على نحو أكبر منذ سنوات طويلة.

سامح عيد: خطوات التجديد تدور في فلك الإجراءات الروتينية
سامح عيد: خطوات التجديد تدور في فلك الإجراءات الروتينية

وأشار هندي في تصريح لـ”العرب” إلى أن قدرة الوزارة على نجاح خططها تتوقف على مدى القدرة على توفير الأفكار الملائمة التي تصل بها إلى عموم الجمهور، بما يشكل عامل جذب للمتلقي وأن توفر التمويل اللازم من أجل التسويق لما تقدمه من محتويات وأفكار، وتتضمن خطط الوزارة توظيف الصفحات الشخصية لشيوخ الوزارة على مواقع التواصل كي تصبح منصة نحو التفاعل مع المجتمع المحيط بهم.

وأوضح أن المطالب بإيجاد منصة دينية تعبر عن جميع المؤسسات الدينية المصرية أمر ينادي به كثيرون منذ سنوات. ولفت في حديثه لـ”العرب” إلى أن الخلفية الأزهرية لوزير الأوقاف الحالي تساهم هذه المرة في نجاح خطواته، لكنه سيقابل على الجانب الآخر مجموعة من التحديات، أبرزها القدرة على التحول الرقمي، والتحدي الإداري عبر توفير الكفاءات وتحسين أوضاع خطباء المساجد على المستوى المادي، بما يجعلهم قادرين على القيام بمهمتهم الدعوية داخل المسجد وخارجه.

وتتعلق المشكلة الرئيسية التي تأتي كوعاء عام يمكن وضع تحتها جميع الصعوبات بوجود خطة لتطوير الخطاب الديني الذي يعاني حالة من الجمود، ويمكن القول إن الضغوط التي كانت تمارس على الأزهر في هذا المجال تراجعت على نحو كبير، بعد أن رأت دوائر رسمية أن الصدام لن يحقق المرجو منه ولا بد أن يكون نابعا من داخل المؤسسة الدينية الأكبر وبالتنسيق مع باقي المؤسسات، ما يفسر الاستعانة بقيادات أزهرية في مناصب مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف.

وشكك الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد في إمكانية إحداث تغيير شامل على مستوى خطابات المؤسسات الدينية المصرية، لأن نفوذ بقايا تنظيم الإخوان والجماعات السلفية داخل تلك المؤسسات، خاصة الأزهر، مازال حاضرا حتى الآن، وأن خطوات التجديد والتواجد على نحو أكبر على الساحة الإعلامية ومنصات التواصل هي جهود إيجابية يصُعب تقييمها حاليا، انتظارا للتعرف على هوية هذا الخطاب ونتائجه.

وأكد عيد في تصريح لـ”العرب” أن الدفاع عن العقيدة بالعقل وليس النقل غائب عن إستراتيجيات عمل المؤسسات الدينية المصرية، ما يجعل خطوات التجديد ومجابهة الأفكار المتطرفة تدور في فلك الإجراءات الروتينية التي لا تُحدث نقلات فكرية حقيقية.

7