الأوروبيون الشرقيون عادوا إلى أوطانهم: ماذا عن العرب؟

أوروبا أنقذت المهاجرين العرب من صراعات بلدانهم وفقرها.
الأحد 2020/12/13
من يوقف الحشود الهاربة من الموت

أعادت التغيرات السياسية والاقتصادية في أوروبا تسليط الضوء على المهاجرين العرب الذين لجأوا إليها منذ سبعينات القرن الماضي وثمانيناته هربا من الحروب والصراعات في بلدانهم الأصلية، وطرحت تساؤلات حول إمكانية عودتهم إلى أوطانهم من عدمها بعد تسجيل عودة كبيرة للأوروبيين الشرقيين إلى ديارهم، وهل يمكن أن يتكرر الأمر معهم في ظل تداعيات أزمة الوباء المستفحلة؟

لندن - فتحت العودة واسعة النطاق للأوروبيين الشرقيين من أوروبا الغربية باب التساؤلات بشأن عودة مماثلة للمهاجرين العرب في ضوء ما يتعرضون له من مشكلات سياسية واقتصادية ودينية، وتغيرات متلاحقة تعيشها القارة العجوز.

أدت كثافة الهجرة غير الشرعية إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط إلى ظهور سلسلة واسعة من المشكلات والتغيرات في القارة الأوروبية، وأضفت العديد من النقاشات في ظل تنامي التطرف والإرهاب، إضافة إلى وجود تعقيدات أخرى تتعلق بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي والآثار السلبية لأزمة كورونا المتفاقمة.

صباح المختار: أوضاع غالبية أوطان المهاجرين لا تشجع على التفكير في العودة

دفعت كل تلك التحولات الكثيرين من الأوروبيين الشرقيين إلى العودة إلى بلدانهم، وطرحت أسئلة بشأن عودة المهاجرين العرب، الذين لجأوا منذ سبعينات القرن الماضي وثمانيناته إلى أوروبا بحثا عن الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، المفقود في أوطانهم الأصلية.

وأعادت التطورات السياسية والاقتصادية في أوروبا طرح سؤال “البقاء من عدمه” في القارة التي تكافح للخروج من تداعيات كبيرة لأزمة الوباء، وهل فعلا يستطيع المهاجر العربي العودة إلى بلده؟ وهل انتهت تلك المشكلات التي دفعته للهجرة أول مرة؟

يقول أوغنيان جورجييف، وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه تم تسجيل عودة عشرات الآلاف من البلغار إلى ديارهم، كما عاد مئات الآلاف من الأوكرانيين، واجتاحت موجات مماثلة بقية المنطقة.

وسجل جورجييف، الذي عمل على تتبع عمليات العودة لآلاف المهاجرين الأوروبيين الشرقيين إلى بلدانهم الأصلية، عودة حوالي 550 ألف مواطن بلغاري إلى بلادهم في الفترة ما بين مارس ومايو 2020.

وأوضح في تقرير موسع نشر في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن السبب الأكثر شيوعا للعودة يكمن في “الرغبة في أن يكون المرء مع عائلته وأقاربه”، والسبب الثاني “فقدان الوظيفة”.

وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أعداد هجرة العودة تضاعفت في جميع أنحاء العالم، فقد عاد أكثر من 2.1 مليون هندي و600 ألف أفغاني إلى أوطانهم أثناء الوباء.

عودة صعبة

إما البقاء أو الهروب من تداعيات أزمة الوباء على القارة العجوز
إما البقاء أو الهروب من تداعيات أزمة الوباء على القارة العجوز

تسلط “العرب” الضوء على مشكلة المهاجرين العرب على وقع التغييرات الحاصلة في أوروبا، والتي دفعت بالآلاف من المهاجرين إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية، وكيف أثرت تلك التغييرات على مختلف مناحي الحياة بعد أن كانت تلك القارة منفذا ومنقذا للآلاف من المنطقة العربية ودول أوروبا الشرقية، التي عاشت أوضاعا صعبة في الماضي.

يقول مهاجرون عرب في تصريحات متنوعة لـ”العرب” إن الأسباب التي دفعت بالآلاف من المهاجرين الأوروبيين الشرقيين للعودة إلى بلدانهم مختلفة عن تلك الأسباب التي لجأ لأجلها العرب نحو أوروبا، وأن الحروب والنزاعات في مناطقهم كانت سببا رئيسيا وراء تلك الهجرة.

علي وجيه: مشروع الهجرة للقادم العربي سببه على الأغلب الهروب من مطاحن السياسة

ويجمع هؤلاء أن العودة صعبة إلى أوطانهم لارتباط الأمر بالوضع الأمني والسياسي الراهن الذي تعيشه جل البلدان العربية التي شهدت هجرة كبيرة نحو الغرب.

وقال المحامي صباح المختار، رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، إن “موضوع العودة بالنسبة إلى العرب المهاجرين ترتبط ارتباطا أساسيا وكبيرا بالوضع الأمني، السلامة والاقتصاد، في وطن الأصل وبالتالي لا يبدو أن هناك أملا في المستقبل القريب”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “المشكلة الكبرى هي مع الأعداد الهائلة من المهاجرين الجدد، حيث الظروف الصعبة التي قد تدفع البعض منهم للتفكير في العودة إذا ما توفر قدر معقول من الأمن وفرص العمل، إضافة إلى تشجيع بريطانيا مثلا على العودة الطوعية، وإعطائهم مبلغا من المال لقاء العودة”.

واعتبر أن “وجود هذه المجموعة البشرية في أوروبا يعطي عناصرها الفرصة لحماية أنفسهم مما أرادوا الهرب منه ويعطي البعض منهم فرصة اكتساب خبرات جديدة قد تكون مفيدة إن عاد إلى وطن الأصل.. ومن المؤكد أن وجودهم في أوروبا فيه فائدة لاقتصادها على خلاف ادعاءات المعادين للأجانب”.

وأوضح أن فرص عودة المهاجرين العرب “الأوائل” إلى أوطانهم الأصلية تكاد تصبح قليلة لمرور الزمن وكبر أعمار من بقي حيا منهم، حيث قيدت بريطانيا وبقية أوروبا الهجرة في العشرين سنة الماضية، مشيرا إلى أن أوضاع غالبية أوطان المهاجرين لا تشجع على التفكير في العودة.

ويرى أن عودة غير العرب إلى أوطانهم نتيجة الأوضاع القانونية لـ”بريكست” أو الاقتصادية في بريطانيا متوقعة لأن أوضاع أوطانهم الأصلية قد تكون أحسن أو على الأقل ليست أسوأ مما هم فيه.

وتشير المعطيات إلى أن اقتصادات أوروبا الشرقية قد تكون قادرة على استيعاب جزء من الموجة الجديدة في عودة المهاجرين على خلاف الدول العربية التي مازالت تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، وصراعات تؤثر على شتى مناحي الحياة.

أسباب مختلفة

هل المهاجرين تهديد لقيم أوروبا؟
هل المهاجرين تهديد لقيم أوروبا؟

يقول تقرير “فورين بوليسي” إنه بفضل ارتفاع مستويات المعيشة في الشرق وضيق هوة عدم المساواة بين شرق أوروبا وغربها، قرر الكثيرون العودة إلى أوطانهم.

ويشير التقرير إلى أن تسعة من أصل 11 عضوا في الاتحاد الأوروبي انخفض صافي الهجرة في هذه البلدان منذ 2010، وتراجعت الهجرة إلى المملكة المتحدة، التي تعد نقطة جذب رئيسية بالنسبة إلى أوروبا الشرقية، ستة أضعاف في 2017 مقارنة بالسنوات التي سبقتها.

ومازالت المنطقة العربية تعيش على وقع صراعات وحروب، وزادت تداعيات أزمة كورونا من استفحال الأزمات المتصلة بتعثر اقتصادات المنطقة، الأمر الذي يصعّب أيّ عودة محتملة للمهاجرين العرب إلى بلدانهم الأصلية.

وقال الدكتور علي وجيه، الرئيس التنفيذي لتلفزيون عراق 24، إن المهاجرين العرب هم في الغالب قادمون أو فارون من بلدان حروب أو صراعات دينية وانقسامات طائفية.

راجحة عبود: المهاجرون العرب بين نارين، نار التطرف ونار بلدانهم المشتعلة

واعتبر في تصريح لـ”العرب”، أن مشروع الهجرة للقادم العربي سببه على الأغلب هروب من مطاحن السياسة أو للخلاص من الظروف المعيشية الصعبة.

ورأى أن هناك صعوبة في مقارنة ظروف الهجرة بين المهاجرين القادمين من دول شرق أوروبا مع أقرانهم من المهاجرين العرب إلى المملكة المتحدة على سبيل المثال لسبب جوهري واحد يتعلق بسبب الهجرة وقرار الرحيل.

وقال إن “الأسباب التي تدفع المهاجر من دول شرق أوروبا إلى التوجه نحو المملكة المتحدة هي أسباب اقتصادية أو ظروف عمل أكثر صحية وأجود مع إمكانية تأسيس شركات تنافسية داخل بريطانيا فضلا عن وجود الاتحاد الأوروبي كمظلة قانونية توفر آليات انتقال عملية بين بلدان الاتحاد للأفراد وتأسيس الأعمال”.

وأوضح وجيه أن “العودة إلى البلدان العربية غالبا ما تكون مرهونة بالاستقرار أو استقبال إشارات جدية تضمن عودة مستقرة وبيئة مناسبة للأعمال أو حاضنة أجواء حتى على المستوى الاجتماعي والعائلي والنفسي”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه “خلال العقد الأخير لم تكن هناك إشارات مشجعة كثيرا” لتلك العودة.

وصعّد اليمين الأوروبي خلال السنوات الأخيرة من دعواته لطرد المهاجرين لتهديدهم قيم أوروبا وثقافتها بعد لجوء أعداد كبيرة إلى القارة العجوز خاصة خلال عامي 2011 و2012 في أوج صراعات المنطقة العربية نتيجة لما عرف بـ”الربيع العربي”.

ولاحقت المهاجرين العرب اتهامات عديدة بالوقوف وراء موجة التطرف والإرهاب، التي شهدتها أوروبا بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتهديده المباشر لأمن بلدان الاتحاد الأوروبي.

وتصاعدت دعوات واسعة بين اليمين المتطرف إلى الحد من تنامي “خطر” الجاليات العربية المسلمة على القيم الأوروبية، لكن الجاليات العربية أثبتت في العديد من المرات قدرتها على الاندماج رغم الحالات الشاذة التي تظهر بين الحين والآخر.

بين نارين

عرفان عرب: المهاجرون العرب في بريطانيا نقلوا معهم خلافاتهم السياسية والدينية

وقالت إن عودة المهاجرين العرب إلى بلدانهم “لا تغير شيئا ولن يكونوا فاعلين إذا كانت أوطانهم غير مستقرة ولا تتوفر فيها أبسط الحقوق والحريات الدينية والسياسية والاقتصادية”.ترى راجحة عبود، صحافية عراقية مقيمة في باريس، أن “المهاجرين العرب بين نارين، نار التطرف الذي انتشر في أوروبا والضغوطات النفسية التي يتعرّضون لها، ونار بلدانهم المشتعلة أو التي لا يتوفر فيها أدنى سبل العيش بكرامة”.

من جانبه اعتبر عرفان عرب، باحث فلسطيني مقيم في لندن، أن المهاجرين العرب الذين استقروا في بريطانيا نقلوا معهم خلافاتهم السياسية والدينية والمذهبية وازدادوا انقساما وتطرفا.

ووثق عرب، الذي عمل باحثا ثم مسؤولا للإعلام في مكتب جامعة الدول العربية في لندن، معلومات واسعة عن موجات الهجرة للمهاجرين العرب في بريطانيا التي بدأت قبل أربعمئة سنة مع وصول تجار سوريين عملوا في صناعة النسيج واستقروا في منطقة مانشستر شمال غرب إنجلترا، كما كانت أكبر موجات الهجرة لليمنيين من عدن والذين عملوا في صناعة السفن واستقروا في بيرمنغهام وكارديف وغيرها من مدن غرب بريطانيا.

وقال في تصريح لـ”العرب”، إن هناك موجة أخرى من هجرة العرب كانت في بداية السبعينات من القرن العشرين وتميزت بأنها هجرة المثقفين والصحافيين والأثرياء، وبعضهم معارضون سياسيون، ومع هذه الهجرة هاجرت الأموال والأدمغة العربية.

وأضاف أنه في فترة الثمانينات من القرن الماضي حدثت هجرة للاجئين والمعارضين السياسيين لنظم عربية ومنهم إسلاميون وإخوان من مختلف الدول العربية، وانضم إليهم المهاجرون الاقتصاديون الذين يبحثون عن حياة اقتصادية أفضل، مشيرا أيضا إلى أنه في مطلع العام 2011 تدفق المئات من اللاجئين والمهاجرين السياسيين العرب من معظم البلدان العربية مع اندلاع ما يسمى بـ”الربيع العربي”. 

مباركة العماري: المهاجرون لا يريدون العودة إلى بلدانهم خاصة أنهم هاربون من براثن الفقر

وعاشت بلدان أوروبية موجات متتالية من الهجرة القادمة من دول المتوسط الفقيرة، ولوحظ أن هناك إشكالات تتعلق بالاندماج في المجتمعات الغربية الجديدة. وشهدت البلدان الأوروبية تجاذبات عدة على صعيد حل معضلة اللاجئين في ضوء الأزمات العاصفة في سوريا والعراق وليبيا واليمن. وأثارت موجات الهجرة هواجس كثيرة تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب والاقتصاد.

وعلى الرغم من ذلك نجحت بلدان غربية في تحقيق التوازن بين حاجتها من اللاجئين والمهاجرين وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي لتقوية الاقتصاد ودعمه باليد العاملة.

وقالت مباركة العماري، وهي صحافية تونسية مقيمة في ألمانيا، إن أعدادا كبيرة من المهاجرين العرب تمكنت من التأقلم السريع مع المجتمع الألماني وسوق العمل.

وأضافت أنها لا تعتقد أن هؤلاء المهاجرين يرغبون في العودة إلى بلدانهم خاصة أنهم هاربون من براثن الفقر أو الحرب. ورأت أن عودتهم إلى بلدانهم حتما ستشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا، خاصة أن واقع هذه البلدان لم يتغير إلى الأحسن بل ظل على ما هو عليه أو استفحل سوءا.

وأوضحت أن “العدد الكبير من المهاجرين العرب حتى وإن استطاعت الدول الأوروبية استيعابه وخاصة منها ألمانيا.. فإن الدول العربية سوف تكون حتما عاجزة عن استيعابهم إما اجتماعيا أو اقتصاديا وهو ما يجعلهم عبئا إضافيا يضاف إلى أعبائها كدول نامية وفقيرة”.

 

7