الأنتلجنسيا العربية نكوص وتراجع

الأحد 2017/11/12

في الحديث عن تراجع العقل العربي ونكوص الأفكار ما يمكن أن نسمّيه تراجع القيم وعدم الإحساس بالمأساة وتبلّد الأحاسيس ولامبالاة المثقف بالخطر المحدق بمصير الأجيال والغموض الذي يكتنف مستقبلها، ولا توجد أمّة تعرضت إلى هذا الكم من المآسي والمحن والنكبات ولم تنتج فكرًا مغايرًا أو مقاومًا، مثل أمتنا العربية المستسلمة لمصيرها بطريقة بلهاء تبعث على الاستغراب والدهشة.

إنّ أولى مراحل العلاج هي الاعتراف بالمرض، وإذا كان المريض ينكر مرضه أو يتجاهله ولا يرغب حتى في الاعتراف به والتفكير بمأساته، فهو الدليل القاطع على تدهوره وقرب نهايته في الحقيقة.

يقول جورج دوبلن في معرض حديثه للألمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية “عليكم أن تقبعوا تحت الأنقاض لوقت طويل، وتدعوها تؤثر فيكم، وتشعروا بالألم والمصيبة”.

إنّ الاعتراف بالفشل والنكوص والهزيمة الحضارية والاقتصادية والاجتماعية بالنسبة إلى العرب هو الخطوة الأولى لتحديد مواطئ الخلل الفكري والمجتمعي، وبالنظر لأن المثقف كائن كوني افتراضاً، ليس من حيث الظرف التاريخي وحسب، بل بسبب رؤيته المتقدمة وسعيه الافتراضي للبحث عن الحقيقة، فإنّه بالتالي المؤشر الأبرز على انحدار الأمة، إذا ما أدركنا هبوطه للرؤى الشوفينية والعصبوية الطائفية.

إنّ نظرة بسيطة لحجم المساهمة العربية الحالية في الفكر الإنساني والتطور التكنولوجي والاقتصادي الحاصل تكشف لنا مدى تدهور مستوى الأنتلنجسيا العربية التي هي بالضرورة نتاج التردي المجتمعي الذي نعيشه قياسا بمستوى وحجم مساهمة الأمم الأخرى بهذا المنجز. لقد أعلنت نتائج جوائز نوبل للأدب والعلوم لتكشف لنا هي الأخرى مدى تأخرنا عن ركب الحضارة وانشغالنا بالتاريخ الملتبس الذي ما تمسكت به أمة من الأمم إلّا وتخاذلت مرتدّة على أعقابها.

ولعل المؤشر الأبرز في تلك النتائج هو فوز كل من مايكل روشبش بنوبل للطب مشاركة مع اثنين من زملائه عن أبحاثهم في علم الجينات، وحصول باري بارش وورانر ويس مع زميل آخر لهما على جائزة نوبل في الفيزياء عن اكتشافاتهم المتقدمة لعلم الجاذبية وفق نظرية المساحة والزمن التي تنبأ بها أنشتاين، بينما حصل ريتشارد ثالر على جائزة نوبل للاقتصاد عن أبحاثه في مجال علم الاقتصاد السلوكي والسلوك الاقتصادي غير العقلاني للبشر والتنبؤ بالتطورات الاقتصادية المثيرة للجدل.

إنّ ما يجمع هؤلاء العلماء الذين تركوا بصمتهم العميقة في تاريخ الإنسانية وأسهموا في تقليل معاناة البشر هو كونهم من اليهود، على الرغم من أن التوصيف الذي جاء في حيثيات الجائزة عدّهم من العلماء الأميركان، وهذا صحيح أيضًا، لكنه أمر يدعو للاستغراب في الحقيقة لجهة حجم نسبة فوز العلماء اليهود بالجائزة عبر تاريخها، إذ تبلغ هذه النسبة حتى الآن حوالي 22 بالمئة من عدد الذين فازوا بها من بقية العلماء، في الوقت الذي لا تكاد نسبة اليهود تزيد عن الـ2 يالمئة فقط من سكان العالم.

ولا يقولنّ أحد بأن ثمة محاباة لليهود في جائزة نوبل والأكاديمية السويدية التي تشرف عليها، ذلك لأنني تعمدت اختيار مجالات علمية بحتة لا تقبل المداهنة أو المجاملة كما يحصل غالباً مع جائزة نوبل للأدب على سبيل المثال، بقي أن نتساءل عن حجم أو حصة العرب في نوبل، إذا ما افترضنا صلاحيتها كمعيار لتطور ورقيّ الأمم؟

وأعتقد هنا أن الإجابة واضحة تمامًا، فباستثناء نوبل زويل العلمية حصل العرب على الجائزة بضع مرات كانت أغلبها في المجالات الإنسانية القابلة للمداهنة والمجاملات، مثل جوائز نوبل للأدب أو للسلام وما شابه، وهي في الغالب جوائز ترضية خُصّصت لشعوب وبلدان العالم الثالث مجاملة لها أو لاستخدامها في توصيل بعض الرسائل.

كاتب من العراق

10