الأنبار بين سطوة الميليشيات الشيعية وأطماع الحزب الإسلامي

الخميس 2016/06/30

طالما لم يظهر بديل وطني يسد الفراغ السياسي والأمني والإداري في محافظة الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق وتضم مليوني إنسان، أكثر من نصفهم، يتوزع بين نازح ومهجر ومعتقل ومطارد ومجتث، فإن الأوضاع فيها لن تستقر وستبقى عرضة للاضطراب وتوقع الأسوأ في قادم الأيام، بعد استكمال تحرير الفلوجة وباقي المناطق الغربية وخصوصا وادي حوران والقائم، وصولا إلى شمالها المجاور لمحافظة نينوى.

ومما ساعد على انتشار موجة القلق على مستقبل هذه المحافظة التي تمتد حدودها مع ثلاث دول عربية (السعودية والأردن وسوريا) التراخي الحكومي في التعاطي مع مشكلاتها السابقة والمستجدة، واحتلال الميليشيات الشيعية لمناطقها الجنوبية (النخيب) وتوابعها، وحصارها لبلدات الفلوجة والكرمة وعامرية الفلوجة والصقلاوية وإبراهيم العلي، حتى أبوغريب والرضوانية، وبروز نزاع اشتد مؤخرا بين إدارتها المحلية ممثلة في محافظها القيادي في الحزب الإسلامي صهيب الراوي ورئيس وأعضاء مجلس المحافظة المنتمين إلى عدة كتل سياسية وأطراف عشائرية، ودخول إيران عليها عبر طرفين، أحدهما منظم في مشروع خطير، يقوده رئيس ديوان الوقف السني عبداللطيف هميم الذي لا ينكر تعاونه السياسي مع إيران وزياراته الدورية إلى قم وطهران، وعلاقاته الوثيقة مع مكتب الولي الفقيه الخامنئي وصلاته الحميمة مع حزب الله اللبناني، وثانيهما ارتزاقي يشارك فيه أشخاص مغمورون “شيّخهم” نوري المالكي ولم يتخل عنهم حيدر العبادي، أمثال حميد الهايس وفيصل العسافي وثامر التميمي والبعض من قيادات “الصحوات” المنقرضة.

وقد لوحظ أيضا أن حكومة حيدر العبادي استبعدت، تماما، شيوخ عشائر حقيقيين وعمداء بيوتات عريقة ومثقفين وأكاديميين وقادة عسكريين محترفين ورجال أعمال وطنيين، عبروا عن استعدادهم لخدمة محافظتهم وانتشالها من الواقع المزري الذي تعيشه، والمفارقة أن الأجهزة الحكومية فعلت مذكرات اعتقال كيدية أصدرها المالكي ضد عدد من هؤلاء، في إجراء واضح النوايا والأهداف.

وقد وصلت حدة المنافسات بين الأطراف الساعية لاختطاف الأنبار ومصادرة إرادة شعبها، إلى تبادل اتهامات شنيعة في ما بينها، تفرج عليها القضاء العراقي رغم خطورتها وضرورة التدخل لحسمها، ومنها ما أعلنه أعضاء في مجلس المحافظة حمّلوا رئيس الوقف السني عبداللطيف هميم مسؤولية مقتـل البعـض من مسؤولي عمليات نزع الألغام وعدد من النازحين العائدين إلى بيوتهم في الرمادي، بعد أن صدقوا وعوده بنظافة مناطقهم، في حين رد عليهم الأخير واتهمهم بإعادة تفخيخ المنازل بعد تأهيلها من قبل موظفي ديوانه، معلنا وجود وثائق وصـور يحتفـظ بهـا ولكنـه لم يكشف عنها لحد الآن.

ومع تزايد الاستقطاب السياسي بين الحزب الإسلامي وديوان الوقف السني ومجلس محافظة الأنبار، الذي بلغ درجة مروّعة في الأسابيع القليلة الماضية، مع سعي هذه الأطراف إلى شراء ذمم القيادات العسكرية والأمنية فيها بمبالغ فلكية، يلتزم رئيس الحكومة حيدر العبادي الصمت على ما تشهده المحافظة المنكوبة من خراب يضاف إلى خراب تنظيم داعش الذي خلفه فيها طيلة احتلاله لها، دون أن يبادر إلى اتخاذ إجراءات سريعة توقف حملات اعتقال النازحين وهم بالآلاف، وتخصيص أموال لإعادة إعمارها وتأمين عودة سكانها المدنيين إلى بيوتهم ومناطقهم، التي حُررت دون أن يلمس الأنباريون ذلك ميدانيا وعلى الأرض.
طالما لم يظهر بديل وطني يسد الفراغ السياسي والأمني والإداري في محافظة الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق، فإن الأوضاع فيها لن تستقر وستبقى عرضة للاضطراب وتوقع الأسوأ في قادم الأيام

ورغم أن تنافس الأطراف المتوثبة للسيطرة على المحافظة، بات معروفا في أغراضه ويتمحور أساسا في الهيمنة على أموال تبرعت بها الأمم المتحدة وواشنطن وطوكيو والاتحاد الأوروبي بلغ سقفها المعلن 120 مليون دولار، لإعادة إعمار الأنبار حصراً، إلا أن حكومة العبادي وفي محاولة منها للاستحواذ على التبرعات الدولية، عمدت إلى خلط الأوراق وأعلنت عن تشكيل أكثر من لجنة حكومية غير متجانسة، فهي ألفت لجنة عينت على رأسها عبداللطيف هميم وضمت في عضويتها المحافظ صهيب الراوي ووزير الكهرباء قاسم الفهداوي قبل إقالته، وشكلت لجنة أخرى برئاسة المحافظ وعضوية ممثلين عن الوزارات الأمنية والخدمية، ثم شكلت لجنة ثالثة رأسها رئيس ديوان الرقابة المالية السابق عبدالباسط الحديثي، وهكذا تداخلت مهام اللجان المتعددة وتعطلت أعمالها، مما انعكس سلبا على المحافظة التي بات شعبها لا يعرف المسؤول الفعلي عنها، وأي اللجان الحكومية معنية بإعمارها، في ظل فوضى إدارية وأمنية وصراعات داخلية وصلت في الفترة الأخيرة إلى اتخاذ قرارات مزاجية كما حصل في ناحية الكرمة مؤخرا، عندما تحالف عدد من شيوخها المتواطئين مع الميليشيات الشيعية، على منع العوائل النازحة من الناحية في العودة إليها، إذا كان أحد أبنائها أو قريب لها متعاونا مع تنظيم داعش، في خروج صريح على الشرع الإسلامي الذي ينص على أن “لا تزر وازرة وزر أخرى”، ومخالفة للقوانين السائدة التي تحمّل الشخص وحده مسؤولية ما يقوم به، إضافة إلى أن مثل هذا الإجراء سيخلق عداوات تقود إلى عمليات ثأر لا تتوقف.

إن الحل المنشود إنسانيا على الأقل، لإنهاء معاناة أهل الأنبار وإعادتهم إلى ديارهم والبدء في إعمار المحافظة على أسس سليمة ونزيهة، يتمثل في أن تتولى الأمم المتحدة ومنظماتها الإغاثية والحقوقية والإنسانية إدارة المحافظة في المرحلة الراهنة، بالتعاون مع الحكومة العراقية التي عليها أن تُلزمَ أجهزتها ودوائرها ومسؤوليها بعدم التدخل في مهمة المنظمة الدولية وإنما تقديم العون والحماية لها، بعد أن بدأت تلوح في الأفق حرب جديدة تكون هذه المرة بين أبنائها المعذبين والمهمشين، مع دوائر حكومية متنفذة وجهات حزبية وسياسية تسعى إلى التسلط على مفاصل المحافظة، وميليشيات شيعية أعلنت أنها لن تنسحب من مناطق وبلدات احتلتها، وبالتأكيد فإن الأنبار لا تحتمل، وهي التي تعرضت إلى ظلم وقهر كبيرين من الحكومات المتعاقبة، حربا جديدة تبدأ ولا تنتهي.

كاتب عراقي

8