الأطفال في سيناء مقاتلون في صفوف ميليشيات تدعم الجيش المصري

تقرير يرصد قصصا لأطفال جنود شاركوا في القتال ضد داعش.
الخميس 2023/08/10
دفء عائلي يفتقده الأطفال المقاتلون

يجد أطفال لم يتجاوز بعضهم سن الـ12 أنفسهم في ساحات القتال مع مجموعات مسلحة موالية للجيش المصري تقاتل تنظيم داعش في سيناء. وتسلط تقارير حقوقية الضوء على هذه الظاهرة التي ما انفكت تنتشر، وهو ما يضع الجيش المصري في مواجهة انتقادات حقوقية خاصة وأن القوانين الدولية تجرم تجنيد الأطفال.

القاهرة - كشف تقرير صادر عن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أن الأعوام بين 2013 و2022 شهدت قيام قوات الجيش المصري في منطقة شمال سيناء بتجنيد أطفال لا يتجاوز أعمارهم 12 عاما. وكلفت قوات الجيش أطفالا مجندين آخرين تتراوح أعمارهم بين 15  و18 عاما بمهام عرضتهم للخطر في مواجهة أفراد تنظيم ولاية سيناء الذين قاموا بمطاردة الأطفال وقتلهم فيما بعد. من ناحية أخرى، سمحت قوات الجيش للميليشيات المتحالفة معها بتجنيد واستخدام الأطفال دون سن الـ18 عاما في أعمال القتال ضد الجماعات المسلحة، ما تسبب في مقتل وإصابة بعضهم على أيدي تلك الجماعات في النهاية. ويشير التقرير أيضا إلى حالة أشركت فيها قوات الجيش طفلا مجندا في أعمال القتال ضد ولاية سيناء.

استند التقرير المعنون بـ”كنت خائفا.. كنت سبعة عشر عاما فقط! قصص غير مروية عن جنود أطفال في شمال سيناء، مصر”، وهو عنوان مقتبس من مقابلة مع طفل مجند، إلى مقابلات متعمقة أجرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023 مع 15 شخصا من أقارب أطفال تم تجنيدهم من قبل القوات المسلحة المصرية، أو الميليشيات الموالية للحكومة، وعضو في ميليشيا موالية للسلطات في منطقة بئر العبد، وعضوين آخرين في ميليشيا موالية للسلطات في منطقتي رفح والشيخ زويد بشمال سيناء، وطفل تم تجنيده في القوات المسلحة المصرية.

ويحدد قانون حقوق الإنسان الدولي سن الثامنة عشرة بوصفها الحد القانوني الأدنى لعمر التجنيد، أو لاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنّد أو تستخدم الأطفال إلى “قائمة العار” التي يصدرها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة سنويا. وأشار التقرير إلى أن جميع الشهادات تم الحصول عليها بمقابلات مباشرة، سواء وجها لوجه أو عن بعد من خلال منصات الاتصال والرسائل النصية المختلفة. وقد قامت المؤسسة بحجب أسماء الشهود وبياناتهم الشخصية، كما استبدلت أسماء بعض الأطفال الجنود بأسماء مستعارة حفاظا على أمنهم الشخصي خشية تعرضهم للانتقام من جانب القوات الحكومية أو المسلحين.

قانون حقوق الإنسان الدولي يحدد سن الثامنة عشرة بوصفها الحد القانوني الأدنى لعمر التجنيد، أو لاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية
◙ قانون حقوق الإنسان الدولي يحدد سن الثامنة عشرة بوصفها الحد القانوني الأدنى لعمر التجنيد أو لاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية

ولفت التقرير إلى أن تعاون القبائل مع الجيش، بدأ منذ عام 2013 من خلال تعاون أفراد بعض القبائل في شمال سيناء مع الجيش المصري عبر توفير المعلومات لهم بشكل أساسي، ومنذ منتصف عام 2015، بدأت بعض هذه القبائل في تشكيل ميليشيات موالية للحكومة لدعم السلطات المصرية في حربها على تنظيم ولاية سيناء، من بينها اتحاد قبائل سيناء الذي تشكل عام 2015 واستمر حتى 2020 في أداء أدوار محدودة، تتمثل في توفير المعلومات الاستخباراتية لقوات الأمن المصرية ومرافقة هذه القوات في غاراتها على أماكن اختباء عناصر تنظيم ولاية سيناء.

 ومنذ يوليو 2020، بدأ الجيش المصري في التسليح والتدريب العسكري المنتظم لميليشيات غير محددة موالية للحكومة، بهدف الدفاع عن قراها ضد هجمات ولاية سيناء، بعض هذه الميليشيات تشكلت بواسطة قبائل البياضية، السماعنة، الدواغرة والأخارسة والتي تقطن جميعها في منطقة غرب سيناء. في منتصف عام 2021 طلب مكتب شؤون القبائل التابع لجهاز المخابرات العسكرية والاستطلاع المصري مباشرة من زعماء قبائل السواركة والترابين والإرميلات تسجيل أفراد عشائرهم ضمن الميليشيات الموالية للحكومة، والتي تلقت فيما بعد تدريبات من قبل الجيش، ومنذ أواخر عام 2021 بدأت الميليشيات الموالية للحكومة في إجراء عمليات تمشيط وقتال والدخول في اشتباكات مسلحة ضد ولاية سيناء. وفي عام 2022 نفذت الميليشيات الموالية للحكومة التي شكلتها قبائل السواركة والترابين عمليات مماثلة في غرب وجنوب رفح وجنوب الشيخ زويد.

وأضاف "من الناحية الأخرى، نفذ تنظيم ولاية سيناء عمليات خطف وقتل خارج إطار القانون بحق المدنيين وعناصر قوات الأمن، وطالت هذه الأعمال العدائية عمدا عائلات المواطنين الأقباط. شن التنظيم أيضا العديد من الهجمات المباشرة في مناطق مأهولة بالسكان باستخدام العبوات الناسفة أو زرع المتفجرات والألغام في تلك المناطق، ما تسبب في مقتل المئات والتهجير القسري للسكان المحليين. بالإضافة إلى استهداف وتدمير مدارس. كما فرضت ولاية سيناء في المدن والقرى التي سيطرت عليها قيودا مشددة على النساء، وأجرت محاكمات جائرة ضد مدنيين، وأبقت السكان المحليين في حالة من الرعب، بقيامهم بوضع حواجز أمنية وتسيير دوريات أمنية منتظمة".

◙ سنوات الصراع الطويلة خلقت بيئة حاضنة وعوامل دافعة مكنت من تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية

وأكد التقرير أن منذ بداية النزاع المسلح بين قوات الأمن المصرية وتنظيم ولاية سيناء وحتى عام 2021 بلغ عدد القتلى المدنيين في شمال سيناء 1836 شخصا وأصيب 2915 شخصا، وفق إحصاء رسمي حكومي، وعلى الرغم من خفوت حدة الصراع المسلح، أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرسوما في عام 2021 يمنح وزير الدفاع صلاحيات واسعة لفرض إجراءات استثنائية في شمال سيناء دون رقابة، من بينها فرض حظر التجول، وتنفيذ عمليات إجلاء قسري، واستيلاء على ممتلكات خاصة، وتعطيل المواصلات والاتصالات، وكلها إجراءات لا يمكن أن يأذن بها إلا رئيس الجمهورية وفقا للدستور المصري. وهو مرسوم رئاسي ساري المفعول حتى وقت كتابة هذا التقرير.

وحول العوامل التى ساعدت على تجنيد الأطفال، قال التقرير “خلقت سنوات الصراع الطويلة بيئة حاضنة وعوامل دافعة مكنت من تجنيد واستخدام الأطفال في الأعمال العدائية من قبل الجيش المصري أو الميليشيات الموالية للحكومة في شمال سيناء. العامل الأهم هو تدهور الأوضاع الاقتصادية الذي ربما دفع بعض الأطفال إلى السعي للحصول على بعض الدخل لأسرهم. كما مثل انعدام الأمن الذي ميز سنوات الصراع، عاملا محفزا لبعض الأطفال على المشاركة في حماية مجتمعاتهم من ولاية سيناء في قرى شمال سيناء. كما ساعد التسرب الدراسي بسبب الهجمات على المدارس من قبل الجيش المصري أو ولاية سيناء على تجنيد الأطفال أيضا.

وقد أظهرت الحالات الموثقة، اعتماد القوات المسلحة المصرية والميليشيات الموالية للحكومة على بعض تلك العوامل التي أوجدها الصراع في تجنيد الأطفال. فمثلا، بعض الأطفال وعدوا بأنهم بقتالهم ضد ولاية سيناء أو على الأقل تعاونهم مع الجيش، فإنهم سيعودون إلى قراهم التي هجروا منها قسرا بسبب انعدام الأمن. وفي حالات أخرى تم تجنيد الأطفال على خلفية توظيف رغبتهم في الانتقام من ولاية سيناء. حاول بعض هؤلاء الأطفال تأمين دخل لأسرهم، حيث قام الجيش والميليشيات بإعطائهم بعض المزايا مثل منحهم حصص وقود السيارات مجانا أو الطعام مقابل تعاونهم، أو حتى إكسابهم بعض القوة والامتيازات من خلال الاقتراب من ضباط الجيش، كما استغل الجيش مناطق الخلل الاجتماعي بشكل خاص في تجنيد الأطفال المنحدرين من عائلات صغيرة مهمشة عانت لفترة طويلة من نفوذ القبائل الكبيرة.

6