الأزهر يتبنى التصورات السياسية للقاهرة في القضايا الدولية

يلتزم شيخ الأزهر أحمد الطيب بمنطقة الوسط بين التيار المدني والمتشددين ما يمنحه فرصا لاكتساب دعم المواطنين، ويمنحه مصداقية وقدرة على الإقناع بمواقفه وآرائه من بعض الظواهر الاجتماعية التي تثير الجدل وتظهر حالة من التعصب المجتمعي في مصر كان آخرها رفض المسلمين لرؤية المفطرين في الشارع في شهر رمضان حتى وإن كان الشخص على غير دينهم.
القاهرة - يحتفظ شيخ الأزهر أحمد الطيب بمسافة بينه وبين الحكومة المصرية في بعض الملفات الداخلية تتيح له هامشا جيدا للحركة، لكن يتسق معها في رؤيتها للعديد من القضايا الدولية ولا يتورع في التعبير عن تصوراتها الخارجية عند اللزوم.
واستقبل الشيخ الطيب في القاهرة الخميس اللورد طارق أحمد وزير الدولة البريطاني لشؤون شمال أفريقيا وجنوب ووسط آسيا والكومنولث والأمم المتحدة والوفد المرافق له، مشيدًا بمتانة العلاقات المصرية – البريطانية وتطورها.
وعبّر خلال لقائه مع الوزير البريطاني عن موقف القاهرة من بعض القضايا المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان التي لا تتحدث عنها الحكومة بصورة صريحة أحيانا، وتسند مسألة الحديث عنها إلى مؤسسات على يسارها أو يمينها لتجنب الحرج السياسي.
وقال الطيب “لا توجد قائمة لحقوق الإنسان يتفق عليها الناس جميعا، لكن هناك قواعد عامة، وأمور قد تختلف فيها الرؤى كليا بين الشرق والغرب، مثل الشعارات الغربية كحرية التعبير التي يتم ترويجها على أنها حقوق إنسان ثم يتم استغلالها للإساءة للمقدسات والرموز الدينية بشكل صريح”، في إشارة لما حدث في السويد قبل أيام بشأن قيام متطرفين بحرق المصحف الشريف.
وقدم اللورد طارق أحمد دعوة للشيخ الطيب لحضور أعمال المؤتمر الوزاري حول حرية المعتقدات المزمع انعقاده في لندن العام الجاري، والمشاركة في الفعاليات التي تخطط لها منظمات المجتمع المدني في بريطانيا وتعقد بالتوازي مع المؤتمر الرسمي.
ولا يمنع التوافق السياسي الخارجي من أن يبدي شيخ الأزهر دوما تحفظاته على بعض تقديرات الحكومة المصرية في ملفات داخلية مهمة

وكشفت مواقفه المتحفظة من مسألة تجديد الخطاب الديني التي يتبناها النظام المصري عن مسافة بينهما، وخاض الطيب العديد من المعارك ضد وزارة الأوقاف التي تتسق تماما مع الرؤية الرسمية، ووقف ضدها لمنع تمرير عدد من القوانين التي استهدفت إعادة تنظيم هيئاته، وباتت آراؤه حول بعض المشكلات الاجتماعية محل ترحيب واسع.
وعلى خلاف سابقيه ممن انسجمت مواقفهم مع توجهات الحكومة الداخلية، استطاع الشيخ أحمد الطيب المحافظة على قدر كبير من استقلاليته إلى الحد الذي جعله يبدو محل توافق بين أطراف متناقضة، ومقبولا من جهات متعارضة دون أن يؤثر ذلك على العلاقة الراسخة بينه والنظام الحاكم أو يضع نفسه في خصومه تقوده إلى القطيعة معه.
وبدا موقف شيخ الأزهر من الأزمة المثارة حاليا حول التضييق على غير المسلمين في مأكلهم ومشربهم في نهار رمضان رمانة ميزان قادت بشكل سريع إلى وأد فتنة كامنة حيث اقتنع بموقفه الكثير من المواطنين.
وانتشرت رؤيته على مواقع التواصل الاجتماعي وتداولها مسلمون ومسيحيون وأقنعت شريحة كبيرة من علمانيين مثلوا معارضة حادة له لتمسكه بالتراث وثوابته.
وقال الطيب في تصريحات نشرتها صحيفة "صوت الأزهر" الناطقة باسم الأزهر، الثلاثاء، إن "التضييق على غير المسلمين في مأكلهم ومشربهم بنهار رمضان بدعوى الصيام سُخف لا يليق ولا يمت للإسلام من قريب أو بعيد".
وتساءل عن المسلم الذي لا يطيق رؤية زميله المسيحي في العمل يأكل أو يشرب أو مشاهدة مواطنين مسيحيين في المطاعم في نهار رمضان، كيف يطيق إفطار أطفاله الصغار غير المكلفين في نهار رمضان، أم يُضيّق على أطفاله أيضا، ويمنع عنهم الطعام والشراب؟
وتطرق في تصريحات مطولة نقلتها الصحيفة إلى كافة أبعاد المعاملات بين المسلمين والمسيحيين كما تطرق إلى بناء الكنائس واحترام الإنجيل والتوراة، معتبراً الأصوات التي تُحرِّم تهنئة الأقباط بأعيادهم "فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة، وهو فكر لم تعرفه مصر قبل سبعينات القرن الماضي".
ويرى مراقبون أن الأزهر يسير على أشواك العلاقة الطردية بين المتطرفين وبين التيار المدني المصري ويحاول الوقوف في منطقة وسط، ومع أنه لم يحظ بتوافق منهما تمكن أن يصبح نقطة التقاء يبحث عنها الكثير من المواطنين.
واستطاع الطيب أن يلعب هذا الدور في قضايا أثيرت مؤخرا حول حقوق المرأة وأصبح موقفه من فتوى “حق الكد والسعاية” لحفظ حقوق المرأة العاملة خطوة أوقفت الهجمات الإعلامية التي طالته من قبل بسبب موقفه المؤيد لضرب المرأة.
وقال الباحث في شؤون الأديان محمد أبوحامد إنه كلما كانت هناك مسافة بين المؤسسات الدينية والحكومة يشعر الناس أن مواقف الأزهر مجردة وهدفها إظهار حقيقة الدين وبعيدة عن تطويعه لخدمة الأغراض السياسية المباشرة.

وأضاف لـ"العرب" أن الاستقلال الذي يتمتع به الطيب جعل مواقفه في الخارج والداخل جذابة ومقنعة، ما يجعل هناك حاجة لأن يلعب دورا مهما في القضايا الشائكة.
وشدد أبوحامد على أن الأزهر مطالب بأن يكون أكثر انفتاحاً وتفهماً لتطورات الواقع ويعلن براءته من أشخاص محسوبين عليه لهم مواقف متطرفة تثير الفتنة في المجتمع.
وردت تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة على ما قاله الداعية المتشدد عبدالله رشدي الذي سكب الزيت على نيران موقف صاحب مطعم في القاهرة رفض تقديم الطعام في نهار رمضان لمسيحية، حيث أراد رشدي إشعال فتنة طائفية في مصر.
وأكد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا في شمال القاهرة أحمد سالم أن انتشار بعض الظواهر السلبية تمنح الأزهر اليد الطولى، فطبيعة القضايا المثيرة للجدل في المجتمع والتعامل مع القضايا الدينية بشكل سطحي وتصدير التدين الوهمي وتنامي دور من يصفون أنفسهم بـ"حراس الدين"، توفر قاعدة لشيخ الأزهر الذي يحرص على استقلال مؤسسته ويتأثر بتكوينه الصوفي الذي يجعله أكثر تسامحاً مع الآخرين.
وأوضح لـ"العرب" أن الأزهر استفاد من تراجع شعبية مؤسسات حكومية ظهرت كطرف ساع لتقويض دوره مؤخرا، لكن أدت إلى أن تحظى مواقفه باحترام من جانب فئات عديدة تراه قادرا للدفاع عن الدين.
علاوة على أنه اكتسب ثقة شريحة من عموم المواطنين نتيجة قيام بعض النخب المدنية بتوجيه انتقادات لاذعة له بشكل مستمر، في حين لا يقوم هؤلاء بالقدر ذاته حيال جهات حكومية تسببت في تراكم الكثير من المشكلات الاجتماعية الراهنة.