الأزمات القلبية قاتل خفي للرياضيين بمصر

المجهود البدني والضغط العصبي والتوتر تقود إلى الموت المفاجئ. 
الخميس 2025/01/30
مهددون رغم صحتهم البدنية

تعد الأزمات القلبية من أبرز الأسباب التي تهدد حياة الرياضيين في مصر. ويعزو الخبراء ذلك إلى عدة عوامل، منها الإفراط في التدريب، والتوتر النفسي، أو وجود أمراض قلبية غير مكتشفة قد تكون وراء هذه الحوادث. وعلى الرغم من أن الرياضيين يعتبرون أكثر صحة وقوة بدنيًا إلا أن الأزمات القلبية تشكل تهديدًا كبيرًا لهم، خاصة في ظل أنماط الحياة الحديثة وضغوط التنافس الرياضي.

القاهرة - من وقت إلى آخر نكتشف وفاة لاعب رياضي بأزمة قلبية مفاجئة، يؤكد بعض المحيطين به عدم وجود مشكلات صحية سابقة، وبعد تدقيق علمي للوقوف على سبب الوفاة، يشير الأطباء إلى وجود مشكلة ما في القلب أدت إلى حدوث جلطة، ربما تكون وراثية أو عارضة نتيجة مجهود بدني مفرط أو ضغط عصبي وتوتر شديدين.

وتوفي قبل أيام في مصر لاعب الإسكواش محمد يحيى السباعي (17 عامًا)، بعد أن سقط على أرضية الملعب أثناء مشاركته في مباراة لنادي بلاك بول الرياضي بالقاهرة.

وتم نقل اللاعب إلى المستشفى، وألحق بغرفة العناية المركزة، لكن محاولات إنقاذه عن طريق إنعاش قلبه فشلت، وعلم الأطباء أن هذه الأزمة لم تكن المرة الأولى التي يشعر فيها اللاعب بالتعب، بل الرابعة، بسبب انخفاض ضغط الدم.

لاعب الإسكواش محمد يحيى السباعي فقد حياته بعد أن سقط على أرضية الملعب أثناء مشاركته في مباراة لناديه بلاك بول
لاعب الإسكواش محمد يحيى السباعي فقد حياته بعد أن سقط على أرضية الملعب أثناء مشاركته في مباراة لناديه بلاك بول

وأعادت واقعة محمد السباعي إلى الأذهان حادثة أخرى جرت قبل شهور، وهي الوفاة المفاجئة للاعب كرة القدم ومنتخب الفراعنة أحمد رفعت، وكان ضمن صفوف فريق مودرن سبورت، وسقط فجأة على أرض الملعب خلال مباراة فريقه مع الاتحاد السكندري، ونُقل إلى المستشفى بسبب توقف في عضلة القلب، وتم إنعاشه بعد توقف دام ساعتين، وبعد تعافيه تحدث اللاعب في مقابلة تلفزيونية وأعلن أن ما حدث له كان نتيجة ضغوط عصبية وتعرضه لأذى نفسي وقع عليه.

وأثارت هذه التصريحات ضجة وقتها على مواقع لتواصل الاجتماعي، وتحول الأمر إلى قضية رأي عام، عقب الإعلان عن وفاة اللاعب أحمد رفعت البالغ من العمر 31 عامًا، وتم فتح تحقيق قضائي.

جلطة قلبية سابقة

أكد تقرير النيابة في يوليو الماضي أن سبب الوفاة نتيجة سكتة قلبية مفاجئة عقب معاناته من جلطة قلبية سابقة بالشريان التاجي المحوري، وأظهرت الفحوصات وجود خلل جيني تسبب في تصلب بالشرايين التاجية ومشكلة بالصفائح الدموية.

ونصح أخصائي الطب الرياضي محمد إمام في حديث لـ”العرب” لتجنب الأزمات القلبية المفاجئة ضرورة إجراء مجموعة من التحاليل بشكل عام، واللاعبين بشكل خاص، وأبرزها: صورة دم كاملة، سرعة ترسيب، ووظائف الكبد والكُلى، ومرض السكري، وتحليل الحمى الروماتيزيمة للسن الصغيرة، وفحوصات للجهاز القلبي والجهاز الدوري التنفسي، وإجراء رسم قلب وإيكو (موجات فوق صوتية على القلب)، وأشعة عادية على الصدر.

وأشار إلى وجود بعض الأعراض التي تظهر في سن صغيرة، تتسبب فيما بعد في أزمات قلبية، مثل بعض التحوّرات الخلقية في عضلة القلب.

وذكر أن بعض أولياء الأمور لا يكتفون بالتمرين الذي يحضره الطفل في النادي الرياضي، ويقوم بالاشتراك له في تمرين خاص، ما يمثل عبئا مضاعفا لعضلة القلب، وأجهزة الطفل عمومًا، وبعض الأطفال يعانون من أنيميا ولا تجرى لهم فحوصات، ما يتسبب في نقص الهيموجلوبين بالدم، وبالتالي يتأثر القلب سلبًيا.

وشدد إمام لـ”العرب” على أهمية اختيار اللعبة المناسبة للطفل المقبل على ممارسة الرياضة، والإصرار على إجراء الفحوصات والتحاليل بجدية شديدة، فبعض الأندية الرياضية تطلبها ولا تأخذها بعين الاعتبار أحيانا، ما يجعلنا نفاجأ بحدوث ما لا يحمد عقباه عند ممارسة الرياضة بشكل حقيقي.

وقال لا يوجد طبيب متخصص في الطب الرياضي بمصر، وأن أربعة أندية فقط يوجد بها جهاز طبي، وينصب الاهتمام بشكل أساسي على كرة القدم، باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى، أما باقي الألعاب الفردية فلا يوجد اهتمام طبي، لافتا إلى عدم وجود جهاز طبي متخصص للعبة الإسكواش مثلًا، إلا في ناد واحد، ويوجب إلزام كل الأندية بتكوين فريق طبي متكامل.

وترك فيروس كورونا أثرًا قاتما على الكثير من الرياضيين ممن أصيبوا به عند انتشاره قبل أربعة أعوام، حيث يؤثر بشكل كبير على عضلة القلب وقلل من كفاءتها.

وأصر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على إجراء فحص لكل اللاعبين قبل خوض أي مباراة، لكن بعد التعافي لم يكن اللاعب أو فريقه الطبي يقوم بإجراء كشف على القلب، ومعرفة حالة العضلة، وهل أصبح اللاعب قادرا على بذل مجهود بدني كبير.

القلب المكسور

لماذا الصمت
لماذا الصمت

ينصح بعض الأطباء أولياء الأمور بالأخذ بعين الاعتبار تحديد عدد ساعات تدريبية في اليوم لكل لاعب الصغير من دون إفراط وتحت إشراف مدرب، مع أهمية تناول غذاء صحي وشرب المياه بكميات كافية كي يعوض اللاعب ما يفقده من سوائل، وضرورة الاطمئنان على عمل عضلة القلب بشكل جيد من خلال الكشف الدوري والفحوصات الطبية اللازمة، وعند ملاحظة أي شيء غير طبيعي على والد الطفل التوجه فورًا إلى طبيب متخصص.

ولا تتوقف الوفاة المفاجئة على وجود خلل في وظائف القلب على الرياضيين، بل يمكن أن تحدث لأشخاص عاديين يبذلون جهدا بدنيا وافرا، أو يتعرضون لضغط عصبي كبير، ولكل ذلك أسباب طبية متعددة.

وتوفي في مصر مؤخرا أخصائي القلب بمعهد القلب بمستشفى ناصر بالقاهرة أحمد ماهر البالغ من العمر 35 عامًا نتيجة تعرضه لأزمة قلبية، عقب إجراء عملية جراحية لقلب مريض آخر، استغرقت خمس ساعات، وقال مقربون منه إنه لم يتوقف لحظة واحدة في اليوم عن العمل، وكان شديد الإرهاق والتعب من أثر المجهود الزائد عن الحد.

لتجنب الأزمات القلبية المفاجئة، يشدد الخبراء على ضرورة إجراء مجموعة من التحاليل بشكل عام، وللرياضيين بشكل خاص

أشارت هالة محفوظ أستاذة القلب والأوعية الدموية بكلية طب جامعة المنوفية، إلى وجود أسباب عديدة قد تؤدي إلى إصابة القلب بسكتة قلبية ثم الوفاة، منها أسباب وراثية، كأن يكون هناك عيب خلقي أو خلل في كهرباء القلب، أو تاريخ مرضي في العائلة تظهر هذه العيوب مع بذل مجهود بدني كبير، خصوصًا في الألعاب الرياضية، وقد لا تكون الأعراض واضحة في التشخيص الطبي في البداية.

وأكدت لـ”العرب”على أهمية عمل فحص إكلينيكي كامل ورسم قلب وموجات صوتية للأشخاص الذين سيلتحقون بالكليات العسكرية التي تتطلب تدريبات قاسية، وهي تفيد في استبعاد الأسباب الظاهرية والوراثية والخلقية، مع تضخم عضلة القلب، أو وجود مشاكل بالصمامات، أو عدم انتظام كهرباء القلب، ما يساعد على الوقاية من أي مشكلة مستقبلا.

وأضافت هالة محفوظ أنه في حالة عدم ظهور مشكلة بالقلب، ولمجرد شك الطبيب في التاريخ المرضي للعائلة، يجب أن يقوم بعمل رسم قلب بالمجهود، وفحص القلب عن طريق جهاز الرنين المغناطيسي، ففي حالات كثيرة تظهر أعراض لحظية تؤدي للوفاة، وقد نجد شخصا يؤدي تمرينات في صالة رياضية ويتوفى فجأة، دون ظهور أعراض سابقة، وهذا يعني أن جلطة قلبية حدثت فجأة أو رفعا في طينية القلب.

وذكرت أن هناك تغييرات فيزيولوجية تحدث أحيانا، طبقًا لنوع التدريب البدني، وهي موازية لنسبة المجهود البدني الذي يبذله الشخص، بما لا يسبب خطورة على القلب إلا في الرياضة العنيفة، مثل رياضة رفع الأثقال.

ونوهت إلى أن الحزن الشديد والتوتر والانفعال قد تؤدي إلى ما يشبه الجلطة في القلب، وتسمى جلطة “القلب المكسور” وتتسبب في ضعف عضلة القلب، وأصبحت تحدث  بشكل واضح مؤخرا جراء المجهود العضلي والضغط العصبي والنفسي الواقعين على الكثير من الأشخاص نتيجة لضغوط مادية ومشكلات في العمل.

16