الأردن في مواجهة عاصفة غزة

بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، وجد الأردن نفسه في موقف متزايد الحساسية، فهو يسعى للحفاظ على الاستقرار ومنع سيناريو أشبه بالكابوس يتضمن تهجير الفلسطينيين إليه، ويحاول في نفس الوقت استرضاء الشارع الأردني الذي يستشيط غضبا مع تواصل العملية العسكرية الإسرائيلية.
وتبرز صعوبة الموازنة هذه وتشتدّ المخاوف مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس ونزوح أكثر من 1.8 مليون فلسطيني من منازلهم في غزة، وهو العدد الأكبر منذ نكبة 1948 خلال الإعلان عن قيام دولة إسرائيل. وتنتشر تعليقات من شخصيات إسرائيلية بارزة وخطط مسرّبة تضاعف المخاوف من تنفيذ مخطط لطرد الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وهو أمر يعيد فتح الجراح النفسية الفلسطينية العميقة.
شبح اللاجئين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء، إن تحقق، سيشكل سابقة يخشى الأردن أن يرى إسرائيل تكررها في الضفة الغربية.
وطالما حذر الملك عبدالله من تداعيات حرب غزة على المنطقة، وشدّد على رفض قبول اللاجئين باعتباره خطا أحمر. وقال “لا لاجئون في الأردن، ولا لاجئون في مصر”. وأضاف خلال الأسبوع الحالي “لن يكون هناك أيّ حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن”.
بينما يتصاعد الغضب الشعبي وتحاول الحكومة التغلب على الاضطرابات التي أنتجتها الحرب على غزة، نتساءل إلى متى يمكن أن يبقى الأردن هادئا ويحتفظ بمكانته كدولة مستقرة في بحر من الاضطرابات
وقد يتسبب تهجير الفلسطينيين الجماعي إلى الأردن في الإخلال بالتوازن الديموغرافي الدقيق وإضعاف الهوية الوطنية. ويعدّ أكثر من نصف سكان الأردن بالفعل من أصل فلسطيني، بما في ذلك 2.2 مليون لاجئ مسجلين لدى الأمم المتحدة. ويشكل خطر تدفق المزيد من الفلسطينيين تهديدا وجوديا للبلاد.
وخلال العام الماضي انتشرت فكرة طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتشددا دينيا، وتهيّئ الدولة العبرية الأوضاع التي تصعّب الحياة على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وبينما يركز العالم على حصيلة قتلى الفلسطينيين الصادمة المُسجّلة في غزة التي قُتل فيها ما لا يقل عن 18 ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهدت الضفة الغربية في نفس الوقت مقتل 270 فلسطينيا على يد قوات الأمن أو المستوطنين الإسرائيليين.
ومع تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر، اشتدّت مخاوف الأردن من أن يؤدي توسع الصراع إلى نزوح جماعي، وقالت منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية الحقوقية إن الدولة العبرية كثّفت جهودها في الضفة الغربية لتهجير الفلسطينيين من دورهم والاستيلاء على الأراضي متذرّعة بالصراع. وأكدت المنظمة أن وتيرة عنف المستوطنين المدعومين من الدولة وكثافته يشهدان ارتفاعا ضد الفلسطينيين، حيث قدّم الجنود وضباط الشرطة الدعم الكامل للمهاجمين وأمدّوهم بالمساعدة في الكثير من الأحيان.
وفي حديث مع عريب الرنتاوي، مؤسس مركز القدس للدراسات السياسية بعمان ومديره العام، أخبرني أن الأردن يعمل على منع موجة النزوح من الضفة الغربية إلى أراضيه. وأكّد أن للأردن القدرة على غلق حدوده ونشر قواته وإعلان حالة الطوارئ. وشبّه الرنتاوي تهجير دولة ما لفئة محددة إلى دولة أخرى بإعلان الحرب.
يُذكر أن الأردن أصبح في عام 1994 الدولة العربية الثانية بعد مصر التي توقع اتفاق سلام مع إسرائيل. ويشمل الاتفاق مادة تحظر التهجير القسري للأشخاص بطريقة من شأنها الإضرار بأمن أيّ من الطرفين. ولا يرى الرنتاوي في خرق هذه المادة أمرا مرجحا خلال المرحلة الحالية، لكن الأردن يعمل على تجنب ذلك بالفعل.
وفي الشهر الماضي أرسل الأردن دبابات إلى الحدود. وشكّلت الخطوة رسالة واضحة موجهة إلى إسرائيل أن الأردن لن يقبل تهجير الفلسطينيين إليه.
كما تتواصل استفزازات المستوطنين الإسرائيليين في المسجد الأقصى في القدس. وتعدّ دائرة أوقاف القدس وشؤون هذا المسجد دائرة أردنية تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية. ويتعرض المعلم الديني لاقتحامات شبه يومية يشنها مستوطنون ترافقهم الشرطة الإسرائيلية.
شبح اللاجئين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء، إن تحقق، سيشكل سابقة يخشى الأردن أن يرى إسرائيل تكررها في الضفة الغربية
ولا تزال الاحتجاجات مستمرة في الأردن، تغذيها مشاهد المجازر المؤلمة في غزة والاستياء من الحكومة. ويتهم العديد من الأردنيين الحكومة بالخضوع لإسرائيل، مستشهدين بصفقة الغاز الموقعة معها عام 2016 بقيمة 10 مليارات دولار. ويطالبونها بإلغاء معاهدة السلام التي تجمعها مع الدولة العبرية.
وصعّد الأردن انتقاداته لإسرائيل في هذه المرحلة. ووصف وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي العدوان على غزة بالإبادة الجماعية.
كما استدعى الأردن سفيره لدى إسرائيل وطلب من وزارة الخارجية الإسرائيلية إصدار تعليمات لسفيرها بعدم العودة إلى عمان. وقال الصفدي إن الأردن لن يجدد اتفاقا لتزويد إسرائيل بالطاقة مقابل المياه، بعد أن كان من المقرر التصديق عليه في أكتوبر.
فالخطوات السابقة مكّنت جزئيا من تهدئة الغضب الشعبي. وكشف استطلاع حديث حول موقف الأردن تجاه الحرب في غزة أن 27 في المئة من الأردنيين يعتبرون أنفسهم “راضين للغاية”. وقال 31 في المئة من المستجوبين إنهم راضون عنه إلى حد ما.
لكن قطع العلاقات مع إسرائيل لا يبدو خيارا يدرسه الأردن. وكان البلد من بين العديد من الدول العربية التي رفضت قطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل خلال الشهر الماضي.
هذا ويحرص الأردن أيضا على عدم إزعاج حليفة إسرائيل الرئيسية، الولايات المتحدة، التي تزوده بمبلغ 1.45 مليار دولار سنويا على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية بموجب اتفاقية مدتها سبع سنوات وقّعها الطرفان هذا العام.
لكن المطالب تتزايد مع استمرار الحرب. ونجحت الشرطة الأردنية في احتواء حالات العنف قرب السفارة الإسرائيلية حتى الآن. كما منحت السلطات المواطنين مساحة للتنفيس عن غضبهم وحتى التلويح بأعلام حماس.
وبينما يتصاعد الغضب الشعبي وتحاول الحكومة التغلب على الاضطرابات التي أنتجتها الحرب على غزة، نتساءل إلى متى يمكن أن يبقى الأردن هادئا ويحتفظ بمكانته كدولة مستقرة في بحر من الاضطرابات.