الأردني نايف أبومحيسن.. العنوان الوحيد للخناجر العربية

يعد حمل الخنجر عادة مشتركة بين الأفراد والمجموعات في الأردن مهما اختلفت ثقافتهم سواء كانوا ينتمون إلى البادية أو الريف أو المدينة. ورغم أن تلك العادة قد انقرضت إلا أن الخنجر تحول إلى رمز سياحي وتراثي لزائري المملكة، وأصبح يثبّت في زوايا الغرف والمكاتب ليضفي جمالية وخصوصية على الأمكنة.
عمان – ارتبط الخنجر، باختلاف مسمياته في بلدان العالم المختلفة، بعادات موروثة عن الآباء والأجداد؛ إذ اعتبر حمله خلال قرون مضت نوعا من التباهي والتفاخر، إضافة إلى استخدامه كأداة للدفاع عن النفس.
ومع تطور الحياة بمختلف جوانبها، بما فيها نوعية الأسلحة، تحول الخنجر من سلاح إلى تحفة فنية في كثير من الدول، خصوصا العربية منها؛ لما له من ارتباط تاريخي بالحياة البدوية التي اشتهرت بحمله.
الأردن كغيره من دول العالم العربي، تنقسم ثقافاته الفرعية وفقا لخصوصية الأفراد والمجموعات، وهي البادية والريف والمدينة والمخيم، إلا أن ثمة عادات مشتركة تجمع بين هؤلاء جميعا، وهي عادات أصبحت جزءا من موروث اجتماعي، والالتزام بها حالة استثنائية.
حمل الخنجر من بين تلك العادات التي انقرضت بالأردن، والذي تحول رمزا سياحيا وتراثيا لزائري المملكة، ولا يتعدى استخدامه عن تثبيته في زوايا الغرف والمكاتب ليضفي جمالية وخصوصية للمكان.
الستيني نايف أبومحيسن، أحد صانعي الخناجر والشباري (جمع شبرية) العربية، في منطقة وسط البلد بالعاصمة عمان، يُعَد حالة نادرة من المتمسكين بالحفاظ على ذلك الموروث الشعبي.
مراسل “الأناضول” زار أبومحيسن في مشغله الذي لا تتعدى مساحته 3 أمتار مربعة، للاطلاع على تفاصيل تلك الصنعة التي توارثها أبا عن جد. يقول أبومحيسن إن عائلته تعمل في هذه الحرفة منذ نحو 180 سنة.
ويشرح أن “الخنجر والشبرية كانا السلاح الوحيد للعربي والبدوي ولكل الناس في الماضي، ولكن في هذه الأيام اختلف الموضوع، وتحولا إلى قطعة سياحية، لأن الأمن موجود في كل دولة”.

والشِّبْرِيَّة خنجر قصير غير معقوف النصل من الأسلحة البيضاء العربية التقليدية في بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية، وسُميت كذلك نسبة إلى طول نصلها الذي لا يتعدى شبر اليد.
ويوضح أبومحيسن أن “استعمال الشبرية كان شائعا في البادية، لاسيما في سوريا والعراق وتركيا وغيرها من الدول الأخرى”.
وعن النوعيات التي يصنعها، يقول “لدينا قطع على الطراز الأردني والحجازي واليمني والسوري، ونستطيع تصنيع أي شكل تشتهر به أي دولة من الدول”. ويشير إلى أنه “في الأردن أصبحت القطعة للسياحة والتراث، وتقدم أيضا كهدية، ولكل دولة ميزة تختلف في شكل التصنيع”.
وحول مستوى تطويره لما ينتجه من أنواع الخناجر والشباري، يقول “كصناعي، يجب أن أكون مطلعا على إنتاج الدول المحيطة بنا حتى أتمكن من تحسين الإنتاج وفق متطلبات السوق”.
ويلفت أبومحيسن إلى أن “القطع المنتجة لا تُستعمل في القتال أو الحروب (بين البدو) لأنها ليست حادة ولا قاطعة، إذ يأتي الزائر أو السائح إلينا لشرائها من أجل الاحتفاظ بها في منزله كتذكار أو دليل على أنه كان في الأردن وأحضر معه تراثا”.
وعن المواد المستخدمة في التصنيع، يؤكد أنها “متوافرة باستمرار، فمادة النحاس والفضة والأحجار الكريمة التي تزين القطعة مصدرها تركيا، وهي موجودة هناك فقط، لكن الخشب والفولاذ متوافران هنا في الأردن”.

أما أسعار الخناجر والشباري فتتراوح بين 30 و35 دينارا أردنيا (42 – 49 دولارا)، “وهو سعر طبيعي، مقارنة بالتعب والمجهود اللذين يبذلان في تصنيعها”، وفق تعبير أبومحيسن.
ويردف أن تلك المصنوعة من الفضة، ونظرا إلى تكلفتها العالية، فإن سعرها يبدأ من 100 دينار (140 دولارا) ويزيد.
وشارك أبومحيسن في معارض حرفية عربية عدة، وكذلك في بعض الدول الأوروبية “بهدف العرض وليس البيع”، مشيرا إلى أن “هناك إقبالا على المنتج من المهتمين بشرائه للاحتفاظ به، أو لتقديمه كهدية لأشخاص مهمين ويقدرونهم”.
ويعد الخنجر من أقدم الأسلحة التي استخدمها الإنسان في الدفاع عن نفسه، ويمتاز بصغر حجمه وسهولة حمله، ويتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية هي: القرن والنصلة والقطاعة.
واختلفت رمزية حمله من دولة إلى أخرى؛ إذ يعد في بعضها دلالة على المكانة الاجتماعية كاليمن، والذي يعرف فيه بـ”الجنبية”، ويعد جزءا من الزي الوطني كما في سلطنة عُمان. وترتبط دلائل حمله ومسمياته بمستوى تمسك تلك الدول وحفاظها على تراثها وموروثها الشعبي.
وللخنجر معان ثقافية مختلفة على اختلاف الثقافات، فقد يكون مرتبطا بالغدر والخداع بسبب سهولة استعماله المفاجئ ضد ضحية غير مدرك للخطر، كما قد يمثل في ثقافات أخرى الجرأة والشجاعة في القتال.
والخنجر من الأسلحة البيضاء التي اشتهرت بها بعض الدول العربية مثل اليمن وسلطنة عمان والسعودية، والخناجر في كلتا الدولتين الواقعتين في شبه الجزيرة العربية ليست نوعا وشكلا واحدا، فهناك العديد من المسميات والأنواع، وذلك بحكم انتشار صناعة الخناجر في أجزاء عديدة من عُمان واليمن، والتنافس بين صُناعها في إظهار مهاراتهم الفنية في نقش وزخرفة هذه الخناجر التي تحمل مميزات وخصوصيات كل منطقة عبر الأشكال والأنواع التي تشتهر فيها.

وبمقابل الخنجر في جنوب الجزيرة العربية، يشتهر في شمالها وبلاد الشام سلاح أصغر منه قليلا يسمى الشبرية لكونه بطول الشبر، أي المسافة بين السبابة والإبهام على أقصى اتساعهما.
وتعددت مواد صناعة الخناجر من البرونز والصلب والحديد، كما تعددت مواد صناعة الأنصال من العظام إلى الخشب في العصر الحديث. وتتعدد أنواع الخناجر، فهناك النزواني الذي يتميز بكبر الحجم مقارنة بالصوري الذي تغرز في قرنه مسامير صغيرة على شكل نجمة أو متوازي أضلاع، وهناك أيضا الخنجر السعيدي الذي ينسب إلى العائلة المالكة والخنجر الصحاري وغيرها، والاختلاف يأتي من حجم وشكل الخنجر ونوع المعدن الذي يصنع منه أو يطلى به. وهناك مثلا الخنجر البوسعيدي الذي يكون رأس نصله بيضاوي الشكل تقريبا ويلبسه سلاطين عمان.