"الأخ الأكبر".. ذكاء اصطناعي بطعم بلشفي

الحكومة الروسية عازمة على تطهير الفضاء الإلكتروني.
الجمعة 2021/12/03
عن أي قواعد أخلاقية يتحدث فلاديمير بوتين؟

بينما كان البحث عن المواد المحظورة يعود إلى الشرطة أو المخبرين الموالين للحكومة، أصبحت السلطات تلجأ إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لتصفح الملايين من المنشورات يوميا بسرعة.

امرأة في ملابس تكشف عن أجزاء كبيرة من جسدها أمام الكنيسة. أم عزباء انتقدت المشرعين الروس والرئيس فلاديمير بوتين. عازف ساكسفون انتقد إحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية.

هؤلاء بعض من بين الآلاف من الروس الذين مثلوا أمام المحكمة بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي في العام الماضي. ويقول ناشطون من جماعات الحقوق الرقمية إن هذا يمكن أن يتحول قريبا إلى طوفان بعد أن لجأت السلطات الحكومية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الشبكة العنكبوتية.

وقال سركيس داربينيان مدير القسم القانوني لمجموعة الحقوق الرقمية روسكومسفوبودا ومقرها موسكو “نتوقع أن تتم مراقبة جميع المحتويات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي (في روسيا) بواسطة برامج آلية”. وتابع عبر الهاتف “سيكون هذا سيئا بشكل خاص بالنسبة إلى الشباب الذين ستوضع عليهم الرايات الحمراء وسيحاكمون لنشرهم مواد مختلفة”.

وأقرت روسيا مجموعة من التشريعات في السنوات الأخيرة لتعزيز ما تسميه “سيادتها” على الإنترنت وتشديد الرقابة على الفضاء الإلكتروني.

التدقيق في ما يقوله الناس على الإنترنت أصبح جزءا من حملة أوسع شهدت ضغط موسكو على الشركات الأجنبية للتكنولوجيا

وأصبح التدقيق المتزايد في ما يقوله الناس على الإنترنت جزءا من حملة أوسع شهدت ضغط موسكو على شركات التكنولوجيا الأجنبية مثل تويتر وفيسبوك لحذف المحتوى الذي تعتبره غير قانوني وحظر مواقع المعارضة والمنافذ الإخبارية.

وتقول السلطات إن أنظمة المراقبة تهدف إلى معالجة الجريمة، لكن الجماعات الحقوقية تخشى استخدامها لقمع المعارضة وقمع حرية التعبير.

وقالت ليخيتا بانيرجي الباحثة في قسم التكنولوجيا وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية “إننا نشهد هجوما موجّها من الحكومات في جميع أنحاء العالم بقوانين صارمة تستهدف حرية التعبير والخصوصية على الإنترنت”.

ولم ترد روسكو منادزور، الجهة المنظمة للاتصالات الحكومية، على طلب للتعليق.

مراقبة مستمرة

منذ عام 2017 تزود شركة سوسلابز للتكنولوجيا ومقرها بيرم أجهزة إنفاذ القانون في العشرات من المناطق ببرمجيات قال مديرها يفجيني رابتشيفسكي إنه يمكنها معالجة مليار صفحة من صفحات التواصل
الاجتماعي ومحادثات المراسلة الفورية يوميا.

وأضاف أن الشرطة تستخدم الأداة لكشف الجرائم ومنعها بما في ذلك الإرهاب واستغلال الأطفال في المواد الإباحية والجرائم المتعلقة بالمخدرات و”الثقافات المدمرة”، وهو مصطلح قال إنه يشير إلى قضايا مثل “الدعاية الانتحارية للأطفال” والدعوة إلى العنف.

وتابع “تستخدم السلطات المنتج لتقييم التوترات الاجتماعية، وتحديد القضايا الإشكالية ذات الأهمية.. وتعديل أنشطتها”، مضيفا أن الشركة طورت مؤخرا أداة ذكاء اصطناعي لمراقبة نشاط وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الاحتجاجات. وفي الشهر الماضي قال مركز

الدراسة ومراقبة الشبكة لبيئة الشباب، وهو منظمة غير حكومية تأسست نيابة عن بوتين، إنه طور أداة ذكاء اصطناعي لفحص وسائل التواصل الاجتماعي لما يعتبره محتوى خطيرا ومدمّرا اجتماعيا.

وصُممت الأداة بموجب مخطط تديره وكالة شؤون الشباب، التي لم تستجب لطلبات التعليق. وأشار المتحدث بدلا من ذلك إلى مقابلة في مجلة فوربس روسيا قال فيها رئيس المنظمة غير الحكومية دينيس زافارزين إن نظامها “يراقب باستمرار” حوالي 1.5 مليون حساب.

وتظهر الأبحاث أن المزيد من أجهزة المراقبة الإلكترونية الروسية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في طور الإعداد. كما تظهر الوثائق الرسمية التي اطلعت عليها رويترز في سبتمبر أن السلطات تطور نظام مراقبة جديدا يبحث تلقائيا عن المحتوى المحظور على الشبكات الاجتماعية وتطبيق المراسلة تليغرام. كما تم التخطيط لبعث أداتين إضافيتين، واحدة للبحث عن المعلومات المرئية والأخرى للدفاع ضد تهديدات المعلومات.

ومن المتوقع أن ينطلق تشغيل الأنظمة الثلاثة في العام المقبل، حيث أظهرت مسودة مقترحات الميزانية الصادرة في سبتمبر أن روسيا قد تنفق 31 مليار روبل (416 مليون دولار) على تحسين بنيتها التحتية للإنترنت بين سنتي 2022 و2024.

حرب إلكترونية

التزام الإنترنت بالقواعد الأخلاقية يوقف اهتراء المجتمع

لا يوجد نقص في القوانين التي يمكن أن يخرقها مستخدمو الإنترنت في روسيا.

وقد فرضت البلاد في 2019 غرامات جديدة تصل إلى 100 ألف روبل على الأشخاص الذين ينشرون ما تعتبره السلطات أخبارا كاذبة أو يظهرون “عدم احترام صارخ” للدولة.

وتظهر وثائق المحكمة التي اطلعت عليها رويترز اعتماد أداة سوسلابز في ذلك العام لتوجيه اتهامات بالتطرف ضد امرأة بسبب منشور تجديفي على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتورط ناشطون آخرون بسبب منشورات تتعلق بما تعتبره الحكومة منظمات “متطرفة”، بما في ذلك جماعة شهود يهوه الدينية والجماعات المرتبطة بالناقد المسجون في الكرملين أليكسي نافالني.

وقال دامير جينوتدينوف المحامي الذي يرأس مشروع الحريات الصافية الذي تديره منظمة أغورا لحقوق الإنسان، إن الصحافيين والمدونين سلطت عليهم في العام الماضي أكثر من ألف غرامة بسبب انتهاكات التعبير على الإنترنت. ويعتقد أن الغرامات جاءت من نظام آلي. وقال “حتى نص الإشعار هو نفسه دائما يُنسخ ويُلصق مرارا وتكرارا”.

وبحسب أغورا، رُفعت أكثر من 22 ألف قضية إدارية منذ 2017، من بينها عرض رموز محظورة ونشر مواد متطرفة، حيث اقتربت الحالات من الرقم القياسي 7 آلاف في عام 2021 وحده.

ويواجه أندريه شابانوف عازف الساكسفون من مدينة سامارا تهما من بينها إعادة إحياء النازية وعدم احترام الجيش الروسي لسلسلة من المنشورات التي تنتقد الاحتفالات بالنصر السوفييتي في الحرب العالمية الثانية.

وفي مايو من العام الماضي زُعم أنه شجب الاستبداد السوفييتي على موقع فكونتاكتي الروسي للتواصل الاجتماعي، وقال إن العرض السنوي الذي يسير فيه الناس بصور لأقاربهم الذين قاتلوا في الحرب كان “غبيا”.

نحن في حرب إلكترونية مع وجود العديد من الأشخاص في السجن وتعرض آخرين للاضطهاد بسبب كلماتهم على الإنترنت

كما حمّل الموسيقي البالغ من العمر 40 عاما صورة لأدولف هتلر على موقع ويب مخصص للعرض السنوي، في خطوة قال محاميه ألكسي لابوزين إنها تهدف إلى لفت الانتباه إلى ما اعتبره شابانوف “نمو الفاشية في روسيا”.

وتابع لابوزين، الذي يواجه موكله حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات كحد أقصى، أن القضية كانت رمزا لتقلص مساحة حرية التعبير عبر الإنترنت في البلاد.

وقال داربينيان من روسكومسفوبودا إن نشر حراس الذكاء الاصطناعي كان مقلقا بشكل أكبر مع عدم وجود إطار قانوني ملائم للحقوق الرقمية وأن الحكومة عازمة على “تطهير الفضاء الإلكتروني الروسي من جميع المحتويات غير المرغوب فيها”.

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من هذا العام إلى التزام الإنترنت بالقواعد الأخلاقية لوقف اهتراء المجتمع وانتقد ما قال إنه دورها في جذب الأطفال إلى احتجاجات الشوارع المعارضة والدعارة والمخدرات.

وقال عازف الساكسفون شابانوف إنه امتنع عن النشر على وسائل التواصل الاجتماعي لفترة من الوقت بعد بدء قضيته، لكنه عاد الآن إلى عاداته على الإنترنت، على الرغم من أن القضية لا تزال جارية. وتابع عبر تطبيق واتساب “لا أعتقد أن الكلمات يجب أن تكون شيئا يجب أن تحاكم من أجله. ليست الأقوال أو الأفعال الغبية جريمة”.

وكان البعض الآخر أكثر حذرا. حيث حث بعض النشطاء الحقوقيين مستخدمي الإنترنت على حذف المنشورات القديمة، أو الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي تماما.

وقال ميخائيل كليماريف مدير جمعية حماية الإنترنت “لا نوصي أنصارنا باستخدام الشبكات الاجتماعية الروسية بشكل عام. نحن لا نعتبرها آمنة. نحن في حرب إلكترونية، مع وجود العديد من الأشخاص في السجن وتعرض آخرين للاضطهاد بسبب كلماتهم على الإنترنت. لقد أصبحت الرقابة الذاتية ممارسة شائعة أكثر فأكثر. وألاحظ أنني أنا نفسي أفضل التزام الصمت في بعض الأحيان”.

12