اغتيال زعيم داعش يرفع الغطاء عن المتعاونين مع التنظيم

دور غامض لأجنحة بهيئة تحرير الشام في حماية قادة داعش والتخلي عنهم.
الجمعة 2022/02/18
هيئة تحرير الشام تغض الطرف عن عناصر داعش

كشفت عملية اغتيال قائد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبوعبدالله قرداش القرشي في محافظة إدلب السورية عن دور غامض لأجنحة داخل هيئة تحرير الشام - جبهة تحرير النصرة سابقا - التي تبسط سيطرتها على المدينة حيث تتغاضى عن وجود قادة التنظيم في المدينة بل وتوفر لهم الحماية وعندما ترغب في التخلص منهم يتم ذلك في محاولة للتقرب من الغرب وخاصة الولايات المتحدة لرفع الهيئة وقائدها أبومحمد الجولاني من قائمة الإرهاب.

القاهرة - سلّطت الملابسات والقرائن التي أحاطت بعملية تصفية خليفة داعش أمير محمد سعيد عبدالرحمن المولى الملقب بعبدالله قرداش القرشي مؤخرا الضوء على أدوار لأطراف في المشهد ضمنت توفير ملاذات لقادة تنظيم داعش، وتسهم في إبقاء التنظيم صامدا وقادرا على تجديد دمائه.

وعكس البيان الذي أصدرته هيئة تحرير الشام التي تسيطر على معظم شمال غربي سوريا بما فيها محافظة إدلب وحزاما من الأراضي محيطا بها والتي كانت جزءا من تنظيم القاعدة سياسة زعيمها الذي يريد مسك العصا من المنتصف وعدم إثارة غضب الجهاديين بالتوازي مع مساعيه لإرضاء واشنطن وقوات التحالف الدولي.

واستنكر البيان الذي صدر تحت عنوان "إدانة واستنكار لحادثة قتل المدنيين والأطفال على الحدود السورية - التركية" تنفيذ العملية ووقوع ضحايا من المدنيين زاعما عدم علمه بهوية المستهدف منها، ولم يفوت أبومحمد الجولاني في بيانه تعهده بمكافحة الإرهاب وملاحقة المقاتلين الأجانب.

ودارت الأسئلة حول دور هيئة تحرير الشام أو الأجنحة داخلها، على اعتبار أن كل كيان جهادي معرض للاختراق، في توفير ملاذات آمنة لقادة داعش على أراضيها وليس عن دورها في عملية الاغتيال الذي نفته الهيئة في بيانها ولم يشر إليه أحد من قادة قوات التحالف، بالنظر إلى أن أطمة التي حدثت بها عملية الإنزال لوحدة الكوماندوز وقضت على خليفة داعش تقع بمناطق نفوذ الهيئة، وكان هناك حاجز أمني لها على بعد أمتار من موقع استهداف القرشي.

وإذا كانت الشواهد والبيانات قد نفت أيّ دور للهيئة في التوصل إلى مخبأ زعيم داعش أو الاشتراك في استهدافه، فجميع البيانات ومن ضمنها الصادرة عن الأجهزة الأميركية تحاشت أيضا توجيه أي انتقاد لهيئة تحرير الشام نتيجة وجود القرشي بمناطق سيطرتها، واقتصر دور الهيئة على مجرد الامتناع عن التدخل في المواجهات التي استمرت لنحو ثلاث ساعات وإبعاد الناس عن منطقة الاشتباك.

تشابكات إقليمية

الإيقاع بقرداش كان مشروطا بإغراءات كبيرة
الإيقاع بقرداش كان مرتبطا بإغراءات كبيرة وضعت للكشف عن مكانه  

لم يكن الإيقاع بعبدالله قرداش مستحيلا دون تعاون حقيقي وفعلي مع هيئة الجولاني في ظل ضعف تنظيم داعش المركزي وكثرة الانشقاقات داخله والمعلومات القيمة التي قدمها قادته المقبوض عليهم للمخابرات العراقية، بالنظر إلى التعاون المتقدم بين التحالف الدولي ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة لقسد والمخابرات العراقية، والتعاون والتنسيق الأمني بين الولايات المتحدة وكل من تركيا وروسيا لتأمين دخول الطيران الأميركي لمناطق نفوذهما.

وتعزز الشواهد السابقة، فضلا عن ملابسات اغتيال عبدالله قرداش، فرضيات الدور المريب لأجنحة بهيئة تحرير الشام في حماية بعض قادة داعش، بالنظر إلى الدور الغامض لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) فيما يجري على الأرض، حيث ظل قرداش مختبئًا طوال هذه الفترة بمنطقة تخضع لسيطرتها.

ووجود حاضنة فصائلية كبيرة لداعش في إدلب ومناطق الشمال السوري الخاضعة للهيئة ليس عائدا فقط لتعاون فصائل قاعدية صرفة، إنما أيضًا لرغبة أبومحمد الجولاني للّعب بورقة داعش كما يلعب بورقة حراس الدين وعناصر القاعدة والمقاتلين الأجانب.

بيان لهيئة تحرير الشام استنكر تنفيذ العملية الأميركية ووقوع ضحايا من المدنيين زاعما عدم علمه بهوية المستهدف منها، ولم يفوت الجولاني تعهده بمكافحة الإرهاب

ويعلم الجولاني أن هؤلاء جميعًا هدية ثمينة للأميركيين لذلك يتغاضى مرحليًا عن إقامتهم، وفي توقيت الرغبة في التخلص من أحدهم يستثمر في العملية ويبدي التعاون غير المباشر في تسهيل تنفيذ المهمة، ويقف موقفًا ملتبسًا لا يثير الجهاديين ضده وفي نفس الوقت لا يغضب الأميركيين حيث يحرص على التقرب منهم لرفعه ولرفع تنظيمه من قائمة الإرهاب.

وتستوعب الأجهزة الأميركية هذا الدور الملتبس والمناور لهيئة تحرير الشام وتسايره لتحقيق أقصى استفادة ولا تمنحها ما تريد بشأن إزالتها من لائحة الإرهاب ودون تغيير الموقف من الجولاني المدرج على قوائم الإرهاب العالمية الذي رصدت واشنطن مكافأة عشرة ملايين دولار في مارس 2017 لمن يدلي بمعلومات عنه رغم أنه دائم الظهور متجولًا بالشوارع والمطاعم ومستقبلًا وفودا من الصحافيين الغربيين.

ويعكس التعامل الأميركي المزدوج إدراكًا بطبيعة الدور المزدوج لهيئة تحرير الشام وزعيمها، فعلى الرغم من أدوارها في تمكين قوات التحالف الدولي والأجهزة الأميركية من القضاء على جملة من أخطر قادة الإرهاب بالمنطقة من المنتمين لداعش والقاعدة وفي مقدمتهم أبوبكر البغدادي زعيم داعش السابق، فهناك في المقابل شواهد تنسيق وتعاون وتوظيف ومصالح متبادلة بين مختلف الفصائل الجهادية بمن فيها هيئة تحرير الشام التي لم تكن بعيدة عن الاختراق رغم الإجراءات المشددة حيث لازالت شخصيات من الهيئة تنظر لعناصر وقادة داعش وحراس الدين كإخوة في المنهج.

وتندرج تلك المواءمات تحت اعتبارات اختلاط الولاءات والانتماءات في المنطقة، علاوة على المصالح المتبادلة بين داعش والقاعدة في سياق التنسيق لإبقاء قادة داعش محصنين بملاذات آمنة في إدلب مقابل تعهدهم بعدم إصدارهم أوامر بشن هجمات بمناطق سيطرة القاعدة وهيئة تحرير الشام، مركزين عملياتهم فقط في مناطق شرق الفرات بشرق سوريا.

الإرهاب بالقطعة

المواطنون هم السند الأول للوصول إلى أماكن اختباء قادة التنظيم المتطرف
المواطنون هم السند الأول للوصول إلى أماكن اختباء قادة التنظيم المتطرف 

لم تتمكن الأجهزة الأميركية في السابق من التوصل إلى مكان اختباء أبوبكر البغدادي داخل منطقة خاضعة للهيئة إلا بفعل وشاية أحد مساعديه المقربين منه والذي قرر الإبلاغ عنه للانتقام من معاملة التنظيم القاسية لأسرته، في حين أمرت الهيئة عناصرها بعدم شن هجمات ضد خلايا داعش في الشمال السوري لتأمين وجود قادة داعش وأسرهم هناك.

وليس من المنطقي أن يغيب خليفة داعش الثاني عبدالله قرداش لفترة طويلة أيضا عن نظر هيئة تحرير الشام التي تزعم إحكامها السيطرة الأمنية ومن السهولة التعرف على القرشي فوجهه معروف ونشرت له صور في وسائل إعلام منذ بداية توليه قيادة التنظيم كما أن ساقه مبتورة منذ استهدافه بصحبة البغدادي في محيط مدينة دير الزور السورية عام 2019.

ووضح من تسلسل الأحداث أن هيئة تحرير الشام تتعامل بالقطعة في ملف مكافحة الإرهاب العابر للحدود حتى لا يحدث انشقاق كبير داخلها ويغادرها الناقمون على انقلابها على الخط الجهادي بالنظر إلى إسهامها في القضاء على الرموز الجهادية عبر تنسيق استخباراتي مع قوات التحالف.

هيئة الجولاني قدمت تعاونا حقيقيا وفعليا للإيقاع بعبدالله قرداش

وعلى الرغم من ظهور هيئة تحرير الشام وهي صاحبة النفوذ الأكبر  في شمال غربي سوريا بمظهر من يلاحق ويضيق على قادة وعناصر تنظيم حراس الدين الذي يُعد أبرز الفصائل الجهادية بالمنطقة، إلا أن الواقع على الأرض لا يعكس فصلًا نهائيًا وحادًا بينهما وقد حُلت الكثير من المناوشات بين أمنيي الهيئة وعناصر حراس الدين بالتراضي.

ولم يغب عن قادة هيئة تحرير الشام الروابط والتحالفات والتنسيق العملياتي الذي يجري  بين عناصر حراس الدين وعناصر وقادة داعش الذي خرج في الأساس من رحم القاعدة الأم، ليس فقط لعلاقات المصاهرة والنسب ولا للروابط الأيديولوجية والفكرية إنما أيضًا للمصالح الحركية المشتركة.

وتجمع داعش وحراس الدين نفس التحديات المتمثلة في استهداف قوات التحالف الدولي لهما وإمكانية تعاون هيئة تحرير الشام في أيّ لحظة وفق الحسابات الأميركية للقبض على قادتهما أو عناصرهما النشطة أو للقضاء عليهم.

ولعب تنظيم حراس الدين الذي تأسس في فبراير 2018 الدور الأكبر في تمكين داعش من امتصاص هزيمته المدوية في الباغوز في مارس 2019 وفقدانه خلافته المكانية، حيث أعاد قادته تجميع جهاديي تنظيم الدولة في شمال غرب إدلب بعد طرد تنظيمهم من الموصل والرقة معتمدًا على استقلالية نسبية حيث يسيطر على مناطق وله مقراته ومحاكمه الخاصة به.

علاوة على استغلاله سياسات هيئة تحرير الشام ذات الوجهين التي تتعامل بالقطعة وفق حسابات المصلحة مع قوات التحالف الدولي وليس بالحزم والحسم النهائي مع عناصر حراس الدين أو مع عناصر داعش.

ولا يبرهن اكتشاف وجود أبي إبراهيم الهاشمي في أطمة بإدلب وهي واقعة في منطقة نفوذ حراس الدين وقبل ذلك وجود أبي بكر البغدادي بقرية باريشا بمنطقة يسيطر عليها نفس التنظيم على بعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية على مجرد تنسيق وتحالف بين داعش وحراس الدين، وإنما على حسابات نفعية لهيئة تحرير الشام التي تراقب وتدير ما يجري على الأرض لتحقيق مصالحها.

وتشبه المعادلة بشمال سوريا نظيرتها في أفغانستان، فطالبان هي الأخرى عالقة في شبكة مصالح وولاءات تديرها داعش خراسان والقاعدة وشبكة حقاني التي تربطها علاقات وثيقة بتنظيم القاعدة وتعمل كجسر بينه وبين طالبان وتوفر غطاءً لفصائل داعش خراسان في بعض المناطق، وهو ما يوازيه في الحالة السورية ما يجري من تنسيق وتحالف ضمني وصفقات بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين، وهو الفصيل الذي تقوم عناصر من داخله بدور حلقة الوصل بين الهيئة ومجموعات داعش.

مستقبل داعش

عناصر داعش مشتتون وملاحقون ويمثلون ذخيرة عددية لأيّ تنظيم يستقطبهم
عناصر داعش مشتتون وملاحقون ويمثلون ذخيرة عددية لأيّ تنظيم يستقطبهم

لا يخفى عن قادة هيئة تحرير الشام أهمية عدم قطع صلاتها تماما بالمقاتلين الأجانب وبمختلف الفصائل الجهادية، حيث يُقدر عدد عناصر داعش وحده بعشرة آلاف، وهم طلقاء في كل من سوريا والعراق وفق تقديرات البنتاغون، وهم وان كانوا مشتتين وملاحقين وقيادتهم مضطربة يمثلون ذخيرة عددية لأيّ تنظيم يستقطبهم أو يدير علاقات مصالح معهم.

كما يُبدي أبومحمد الجولاني تعاونًا بالقطعة مع الولايات المتحدة بهدف تلميع نفسه وتثبيت سلطته بالشمال السوري ومواصلة الإلحاح على نيل الاعتراف الدولي، وينظر إلى مستقبله ومستقبل تنظيمه وسط هذا الحضور الهائل من الجهاديين بعد إكمال الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا وانتهاء عمليات التحالف ضد داعش ومقاتلي القاعدة المركزي وتكريس انتصار طرف على  آخر في المعادلة السورية.

الجولاني يعلم أن قادة داعش هدية ثمينة للأميركيين لذلك يتغاضى عن إقامتهم وفي توقيت الرغبة في التخلص من أحدهم يستثمر في العملية لرفعه من قائمة الإرهاب

ومن المرجح مع أدوار حراس الدين وهيئة تحرير الشام وغيرهما من الجماعات، مثل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا ويضم عناصر سابقة من داعش والقاعدة وتحظى بالحماية التركية، ألا تتمكن الولايات المتحدة والتحالف الدولي من إنهاء خطر داعش الذي استغل الخدمات المقدمة له من الأطراف المتعاونة في ترتيب صفوفه وتنفيذ هجمات واستعادة الحضور في كل من سوريا والعراق.

ولم يقتصر استعادة نشاط داعش في عهد القرشي على الساحتين العراقية والسورية، حيث شهد صعودًا في منطقة بحيرة تشاد ووسط أفريقيا، فضلًا عن الطفرة النوعية التي شهدها داعش خراسان في أفغانستان قبل صعود طالبان للسلطة وبعده.

وبصرف النظر عن توقعات استمرار تنفيذ عمليات إرهابية لمجرد إثبات الحضور والثأر لمقتل زعيم داعش فهناك سيناريوهات بقاء وتمدد لداعش وحلفائه مع وجود سيولة واختراقات وتنسيق ومصالح متبادلة وتوظيف بين حالة تجمع بين العشرات من الجهاديين من مقاتلي هيئة تحرير الشام وحراس الدين وداعش ومقاتلين أجانب ينتمون لجنسيات مختلفة، مع اعتراض الصقور في  واشنطن على السماح لدمشق بفرض سلطتها على جميع أنحاء سوريا للقضاء على جميع الجماعات المسلحة حيث أن هناك خوفًا من تكريس الوجودين الروسي والإيراني.

7