اغتيال العاروري يختبر قدرة حزب الله على الرد

نفذت إسرائيل استعراضا للقوة ومارست تحديا جديدا لحزب الله بإقدامها على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري وعدد من رفاقه في مقر الحركة بالضاحية الجنوبية لبيروت، ما يضع مصداقية التوعد بالرد من قبل حزب الله على المحك.
بيروت - يختبر اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في قلب معقل حزب الله ببيروت قدرة الحزب على الرد ويضع مصداقية أمينه العام حسن نصر على المحك، لاسيما وأنه تعهد في وقت سابق بردّ قوي ودون تردد على استهداف أي شخصية لبنانية أو فلسطينية أو سورية أو إيرانية في لبنان.
ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاغتيال ليل الثلاثاء، إلا أنه يُعتقد على نطاق واسع أنها تقف وراء قتل العاروري (57 عاما)، أحد مؤسسي جناح حماس العسكري (كتائب عزالدين القسام) في الضفة الغربية المحتلة التي يتحدر منها.
ويقول إيميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إن اغتيال العاروري في قلب معقل حزب الله ببيروت يعد إذلالا واختبارا كبيرا لحزب الله… فهل سيخاطر بخوض حرب كبيرة ردا على مقتل قائد غير لبناني؟ وإذا لم يفعل، هل سيحتفظ حزب الله بمصداقية توعده بالرد؟
وفي ظل الحرب المستمرة منذ ثلاثة أشهر تقريبا، يتبادل حزب الله القصف يوميا تقريبا مع إسرائيل عبر الحدود، لكن الطرفين تجنّبا حتى الآن الدخول في حرب شاملة.
وقالت مهى يحيى، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، لفرانس برس إن قتل العاروري يعد “تصعيدا كبيرا”، لكنها أضافت “لا أعتقد أن حزب الله ستكون لديه رغبة في جر لبنان إلى نزاع كبير في هذه اللحظة والتوقيت بالتحديد نظرا إلى الوضع الإقليمي”.
وأكد حزب الله في بيان أن قتل العاروري يعد “تطوّرا خطيرا”. وقال “نعتبر جريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه الشهداء في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت اعتداءً خطيرًا على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته… وتطورًا خطيرًا في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة”.
وتعد الضاحية الجنوبيةُ المعقلَ الأساسي لحزب الله، ويسكنها نحو مليون نسمة، وفيها حضور بارز للحزب، إضافة إلى مقره الرسمي ومكاتب نوابه وقادته ومنازلهم، وفيها أيضا ينظم مختلف فعالياته، مما يعني أن هدف العملية الإسرائيلية مزدوج، اغتيال كبار القادة الفلسطينيين لحماس من جهة، وضرب وتهديد وخرق معقل حزب الله وحاضنته السياسية والشعبية والأمنية من جهة أخرى.
وفي المقابل يرجح مراقبون أيضا ألا تمر العملية دون رد، لأنها وضعت تحذيرات نصرالله على المحك. ولا يستبعدون أن يستوعب حزب الله العملية ضمن سياسة عدم السماح لإسرائيل بأخذه إلى حيث تريد مقابل توجيه ضربة لإسرائيل على تهديدها المباشر لجهازه الأمني والسياسي داخل معقله الشعبي دون خرق قواعد الاشتباك.
وأسفرت عملية اغتيال العاروري عن إصابة خمسة أشخاص آخرين لم يتم التأكد من هويتاهم.
وأفادت تقارير بأن طائرة دون طيار يعتقد على نطاق واسع أنها إسرائيلية أطلقت صاروخين على المكتب الذي كان يقيم فيه العاروري وأصابته بدقة. وفي الوقت نفسه ذكرت مدونة الاستخبارات “إنتل تايمز” أن حزب الله كان قد وضع قبل عملية الاغتيال نظام دفاع جوي متنقلا في المنطقة.
وقد كان لافتا أن الطائرة دون طيار تمكنت من الإفلات من أنظمة الكشف ووصلت بالحمولة الثقيلة التي كانت تحملها إلى شرفة مكتب العاروري.
واعتبرت مصادر أن إسرائيل سعت من خلال تصفية العاروري ورفاقه إلى توجيه أكثر من رسالة، من بينها إظهار قدرتها على اختراق الضاحية الجنوبية في بيروت، رغم كل الإجراءات والتدابير الأمنية التي اتخذها حزب الله، وأن إسرائيل تريد أيضا ممارسة ضغوط قوية من أجل تسريع المفاوضات، بينما في الخلفية تشعر بالإحباط بسبب العملية العسكرية الفاشلة ضد حماس في غزة حيث لم تحقق أيا من الإنجازات التي كانت تتطلع إليها.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدد العاروري في اجتماع مجلس الوزراء في أغسطس الماضي بالقول “إنه يعرف جيدا سبب اختبائه هو وأصدقاؤه”، مشيرا إلى أن “حماس والفروع الأخرى في إيران تدرك جيدا أننا سنقاتل بكل الوسائل ضد محاولاتهم ممارسة الإرهاب ضدنا في يهودا والسامرة، في غزة وفي أي مكان آخر، كل من يحاول إيذاءنا، من يمولهم، وينظم ويرسل الإرهاب ضد إسرائيل، سيدفع الثمن كاملا”.
وأوضح نعوم أمير مراسل الشؤون العسكرية والأمنية في موقع “المصدر الأول” الإسرائيلي أن الهجوم الذي وقع في قلب العاصمة اللبنانية واغتيال قيادي كبير في حماس، كان على علاقة وثيقة بحزب الله وإيران، يبعثان رسالة إلى الشرق الأوسط برمته.
وأضاف أمير أن “حسن نصرالله تلقى رسالة مهمة، وهو يعرف جيدا معنى الهجوم الإسرائيلي على بيروت، عاصمة لبنان والرمز الكبير لحزب الله. عندما يهدد نصرالله تأخذ إسرائيل تهديداته على محمل الجد، وبعد أن هدد تحديدا بأن من يقضي على كبار مسؤولي حماس على أرضه سيدفع إلى الحرب، فإن من يقضي على صالح العاروري على الأراضي اللبنانية يفهمه جيدا”.
ويرى مراقبون أن من أسباب وضع العاروري في صدارة قائمة الاغتيالات علاقته الوطيدة بنصرالله وإدارته لمشروع التنسيق مع حزب الله في إطار ما يسمى بوحدة الساحات. كما يعتبر من أبرز قادة حماس المدافعين عن مبدأ المصالحة الوطنية حيث سبق له أن قال “إننا لا نملك ضمانات لنجاح مسار المصالحة، لكن ليست لدينا خيارات أخرى وسط ما تتعرض له القضية الفلسطينية”، مبرزا أن الخلافات بين حماس وفتح سياسية وليست شخصية.
إقرأ أيضا
ويضيف المراقبون أن إسرائيل نفذت عملية اغتيال العاروري انطلاقا إما من رغبتها في استدراج حزب الله إلى الحرب بمساعدة حلفائها الغربيين بعد اقتناعها بأن إيران لن تتدخل لمساعدته، وإما من اقتناعها بأن حزب الله لن يتجرأ على الرد بالشكل الذي يمثل خطرا حقيقيا عليها في الوقت الحالي.
وأشار المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع إلى الكلفة مقابل الفائدة بعد الاغتيال، معتبرا أن “الذي قرر اغتيال العاروري في بيروت افترض أنه سيكون له رد فعل عنيف من جانب حماس وكذلك من جانب حزب الله، ومن بين جميع ردود الفعل المحتملة تلك المتعلقة بالمخطوفين وهي الأكثر إثارة للقلق. ويحيى السنوار لن يلين موقفه تجاه صفقة تبادل، وعلى الأرجح أن الاغتيال سيؤخر المفاوضات وربما يحبطها”.
وأضاف برنياع “بإمكان حماس أن تحاول الانتقام بواسطة عمليات مسلحة في الضفة والقدس. وحزب الله سيرد أيضا، عاجلا أم آجلا. وحيّز رد فعله أكبر من حيز حماس. وثمة أمر واحد مؤكد، وهو أن موت العاروري ومساعديه ألحق ضررا بفرع حماس في بيروت في المدى القصير، لكنه لن يغير الواقع”.
والعاروري هو أول قيادي كبير في حماس يتعرض للاغتيال منذ بداية حرب غزة، ويعتبر المحللون الإسرائيليون أنه لن يكون الأخير، مشيرين إلى أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وكذلك زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي، ونوابهما ومساعديهما على قائمة الاغتيالات.