استجابة الإمارات للأزمة السودانية: نموذج للتضامن الإنساني

الخدمات التي تقدمها مؤسسة زايد تؤثر بشكل عميق على الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية لحياة الأسر النازحة.
الأحد 2024/08/25
مساعدات إماراتية مستمرة للسودان

أثرت الحرب التي شنتها جماعة الإخوان المسلمين في السودان بعمق على النسيج الاجتماعي السوداني، إذ تحولت إلى منعطف حاسم في حياة الشعب. فقد أفضت هذه الحرب إلى فقدان شبه كامل للأمان، وأدت إلى تدفق متزايد للمشردين واللاجئين والنازحين، حيث وجد الكثيرون أنفسهم في مواجهة خطر فقدان وطنهم. لقد كان الصراع المروع من تدبير الإخوان المسلمين الذين سعوا للثأر من الشعب السوداني بعد أن تمكّن من إسقاطهم.

في خضم هذه المحنة العظيمة تجلّت دولة الإمارات العربية المتحدة كرمز للتضامن والإنسانية. فقد استجابت الحكومة الإماراتية بسرعة وتفانٍ لتداعيات الأزمة، وعملت على توفير المساعدة اللازمة للمواطنين السودانيين الذين تقطعت بهم السبل في أراضيها. قامت الإمارات بتوفير الإقامة المؤقتة لأولئك العالقين، وأتاحت لهم المبيت في فنادق مريحة مع ضمان كافة الخدمات الضرورية.

واستمرارا لالتزامها بالقيم الإنسانية أطلقت الإمارات نظام إقامة خاصا يُعرف بإقامة دول الحروب والكوارث، والذي منح السودانيين وضعية قانونية تحمي حقوقهم وتتيح لهم الاستمرار في الإقامة دون أي قيود أو ضغوط. لم تسعَ السلطات الإماراتية إلى عرقلة دخول السودانيين إلى أراضيها، بل على العكس، أظهرت تفهما عميقا لظروفهم الصعبة وحرصا على تقديم كل دعم ممكن خلال تلك الفترة الحرجة.

بدأت مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية بمبادرتها الإنسانية، حيث قدمت دعما مستمرا لحاملي بطاقات الكوارث، بالتعاون المثمر مع الجالية السودانية في جميع الإمارات. في المرحلة الأولى من هذه المبادرة النبيلة وزعت المؤسسة مواد غذائية أساسية، بالإضافة إلى بطاقات تسوق تمكن حامليها من شراء مستلزماتهم. وساهمت هذه الخطوة بشكل كبير في تخفيف الضغوط اليومية التي يعاني منها النازحون.

بعد مرور شهر تقريباً من المرحلة الأولى انطلقت المؤسسة في المرحلة الثانية من جهودها الإنسانية. واصلت المؤسسة تقديم الدعم، حيث وزعت المزيد من المواد الغذائية، بجانب الأواني المنزلية الأساسية. لم يكن هذا التوزيع مجرد توفير لمواد، بل كان بمثابة لمسة رحيمة في حياة الأسر النازحة، تساعدها على التكيف مع ظروفها الجديدة.

◙ خطوة مؤسسة زايد تشكل مبادرة هامة في ترميم حياة السودانيين الناجين من الحرب، فهي ليست مجرد دعم مادي، بل هي عملية إعادة بناء لكرامة الإنسان واستعادة إنسانيته

لم تكتفِ مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية بهذه المبادرات فقط، بل أعلنت عن خطط مستقبلية تهدف إلى تقديم مجموعة شاملة من الخدمات الأساسية. فقد كشفت المؤسسة عن نيتها توفير خدمات تعليمية وصحية، بالإضافة إلى السكن.

وتشكل هذه الخطط خطوة هامة في ترميم حياة السودانيين الناجين من الحرب، فهي ليست مجرد دعم مادي، بل هي عملية إعادة بناء لكرامة الإنسان واستعادة إنسانيته في ظل الظروف الصعبة. تسعى المؤسسة من خلال هذه المبادرات إلى توفير بيئة تعزز استقرار الأسر النازحة، وتعيد لها الأمل في حياة جديدة أفضل. تؤثر الخدمات التي تقدمها مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية بشكل عميق على الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية لحياة الأسر السودانية النازحة.

من الناحية النفسية، يوفر تقديم المواد الغذائية والسكن شعوراً بالاستقرار والأمان، وهو ما يقلل التوتر والقلق الناتجيْن عن الظروف غير المستقرة. الأمان المادي يعزز الصحة النفسية، ويخفف من ضغوط التكيف مع بيئة جديدة، ويسهم أيضاً في استعادة كرامة الأفراد، ما يساعدهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم.

اجتماعيا، تسهم هذه الخدمات في تعزيز الروابط بين الأسر النازحة والمجتمع المحلي، وهو ما يعزز إدماجهم وبناء علاقات اجتماعية قوية. كما أن توفير بيئة مستقرة ودعم تعليمي وصحي يساعد الأطفال والشباب على التفاعل بشكل إيجابي مع أقرانهم يعزز التماسك الاجتماعي ويقلل الشعور بالعزلة.

من الناحية الاقتصادية، يعمل تقديم المواد الغذائية والأواني المنزلية على تخفيف الأعباء المالية عن الأسر، ما يتيح لها تخصيص مواردها المحدودة لاحتياجات أخرى أو لتدبير أمورها بشكل أفضل. كما أن توفير الخدمات التعليمية والصحية يعزز مهارات الأفراد وصحتهم، وهو ما يفتح أمامهم أبواباً لفرص عمل أفضل في المستقبل، ويزيد قدرتهم على التكيف والنمو الاقتصادي.

بشكل عام تساهم هذه الخدمات في بناء أساس قوي لاستقرار الأسر النازحة، ما يحسن جودة حياتها ويساعدها على التكيف مع واقعها الجديد وبناء مستقبل أكثر أمانا واستقرارا.

ننتقل الآن إلى جانب مهم في تناولنا لمبادرات مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، الذي يبرز التزامها الثابت والمستقل رغم الضغوط السياسية المتزايدة. لقد أثبتت المؤسسة تميزها كإحدى أبرز المؤسسات الخيرية التي تلتزم بمبادئها الإنسانية بعيداً عن التأثيرات والتقلبات السياسية. ففي وقت كان فيه الجيش الذي يسيطر على زمام السلطة في السودان قد استخدم لغة غير لائقة لتوصيف دولة الإمارات، متسمة بالاتهامات والإساءات التي وصلت إلى حد وصفها بـ”الدولة المافيا”، حافظت مؤسسة زايد على قيمها وواصلت عملها الخيري بكل تجرد ونزاهة.

وفي خضم هذا الجو المشحون بالتصريحات السياسية المقلقة، لم تتوانَ مؤسسة زايد عن التزامها بدعم الأسر النازحة من السودان. وكانت المؤسسة مثالاً على كيفية التفاف القيم الإنسانية والرحمة فوق كافة الاعتبارات السياسية. فقد واصلت تقديم مساعداتها بشفافية ومن دون تحيز، مؤكدة بذلك التزامها العميق بمبادئ العمل الخيري والإنساني.

◙ الخدمات تساهم في بناء أساس قوي لاستقرار الأسر النازحة، ما يحسن جودة حياتها ويساعدها على التكيف مع واقعها الجديد وبناء مستقبل أكثر أمانا واستقرارا

ويعكس تصرف دولة الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع السودانيين المقيمين أو الفارين من جحيم الحرب، وعدم الرد على الهجمات السياسية ضدها، قدرة استثنائية على ضبط النفس وتمييزا واضحا بين أخطاء الحكومة السودانية وشعبها الذي لا حول له ولا قوة.

ويدل هذا التصرف على الالتزام بالمبادئ الإنسانية، حيث تضع الإمارات القيم الإنسانية فوق الاعتبارات السياسية، مفضلة تقديم الدعم والمساعدة للأفراد المحتاجين بدلاً من الانجرار إلى الصراعات السياسية. كما يُبرز قدرتها على الفصل بين حكومات الدول وشعوبها، مؤكدةً بذلك التزامها برعاية وتقديم العون للمواطنين بغض النظر عن الوضع السياسي في بلدانهم.

ويُظهر هذا التصرف أيضاً نبل الموقف الإماراتي، حيث تتعامل بإنسانية مع ضحايا النزاعات والأزمات، وهو ما يعزز صورة الدولة كقدوة في مجال العمل الإنساني والدعم الدولي. كما يعكس حرص دولة الإمارات على الحفاظ على علاقاتها الدولية الإيجابية من خلال ممارسة ضبط النفس وعدم الرد على الاستفزازات، ما يعزز مكانتها كداعم موثوق للإنسانية والسلام.

وحري بنا تقديم الشكر وكل عبارات الامتنان لحكومة وشعب الإمارات، اللذين قدما النبل والخلق الأصيل في تعاملهما مع الأزمات الإنسانية، ونطمع في المزيد من المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب داخل السودان وخارجه، خاصة في الدول الأفريقية المجاورة.

وفي هذا الشأن نتذكر مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله: “إن الرزق رزق الله، والمال مال الله، والأرض أرض الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، ومن توكل على الله أعطاه الله، ومن يبينا حياه الله”. وتعكس هذه المقولة القيم الإنسانية النبيلة التي أسس عليها الشيخ زايد رؤيته للحياة، وتسلط الضوء على أهمية الإيثار والتفاني في خدمة الآخرين.

5