ازدواجية المعايير في فيسبوك ليست خطأ برمجيا

الحرب في أوكرانيا كشفت عن ازدواجية المعايير في منصات التواصل الاجتماعي وأن عدم المساواة والتمييز هما سمة وليسا خطأ كما يدّعي القائمون عليها وهو ما يلحق الضرر بالمستخدمين المحاصرين في نزاعات رقمية أخرى وفق ناشطين وحقوقيين.
رينا شاندران
بانكوك - يخالف قرار فيسبوك بالسماح بخطاب الكراهية ضد الروس بسبب الحرب في أوكرانيا قواعده الخاصة بالتحريض، واعتبر خبراء حقوقيون وناشطون أن هذا يظهر “معايير مزدوجة” يمكن أن تلحق الضرر بالمستخدمين المحاصرين في نزاعات رقمية أخرى.
وأفادت رويترز الأسبوع الماضي أن منصة ميتا ستسمح مؤقتا لمستخدمي موقع فيسبوك وتطبيق إنستغرام في بعض البلدان بالدعوة إلى العنف ضد موسكو والجنود الروس في سياق غزو أوكرانيا. كما سيسمح بالثناء على كتيبة يمينية “بشكل يقتصر على سياق الدفاع عن أوكرانيا”، في قرار يقول الخبراء إنه يوضّح انحياز المنصة.
وقالت مروة فطافطة من مجموعة الحقوق الرقمية “أكسس ناو” إن في هذه الخطوة معيارا مزدوجا وصفته بالـ”صارخ” بينما تفشل ميتا في كبح خطاب الكراهية في مناطق الحرب الأخرى. وأضافت فطافطة، وهي مديرة السياسات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن “التباين في الإجراءات مقارنة بفلسطين وسوريا أو أيّ صراع غير غربي آخر يؤكّد أن عدم المساواة والتمييز في منصات التكنولوجيا هما سمة وليسا خطأ. وتتحمل المنصات التقنية مسؤولية حماية سلامة مستخدميها، ودعم حرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان. لكن هذا يطرح السؤال: سلامة من وخطاب من؟ ولماذا لم تمتد هذه التدابير إلى مستخدمين آخرين؟
يُذكر أنه في العام الماضي، أزال إنستغرام وتويتر المئات من المنشورات التي نشرها فلسطينيون احتجاجا على عمليات الإخلاء من القدس الشرقية، وألقي باللوم في وقت لاحق على أخطاء فنية. وانتقدت مجموعات الحقوق الرقمية الرقابة، وحثت على المزيد من الشفافية حول كيفية وضع السياسات وإنفاذها في نهاية المطاف.
سياسة واحدة للجميع؟
وهاب حسو: ليس عدلا أن تقرر شركة ما هو جيد وما هو غير جيد
تعرض موقع فيسبوك لانتقادات لفشله في كبح التحريض على العنف من إثيوبيا إلى ميانمار، حيث يقول محققون من الأمم المتحدة إنه لعب دورا رئيسا في نشر خطاب الكراهية الذي غذى العنف ضد مسلمي الروهينغا.
وقال ناي سان لوين، الشريك المؤسس لمجموعة “فري روهينغا” التي واجهت انتهاكات على فيسبوك، “لا يُقبل الترويج للعنف وخطاب الكراهية تحت أيّ ظرف من الظروف على منصات التواصل الاجتماعي، لأنه قد يؤذي الأبرياء. يجب أن تعتمد ميتا سياسة صارمة بشأن خطاب الكراهية بغض النظر عن البلد والوضع. ولا أعتقد أن اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيسمح لها بالترويج للكراهية أو الدعوات إلى العنف على أساس كل حالة على حدة”.
وكُثّف التدقيق حول كيفية التعامل مع إساءة الاستخدام على المنصات بعد أن سرّب المخبر فرانسيس هوغن وثائق تظهر المشاكل التي يواجهها فيسبوك في مراقبة المحتوى في البلدان التي تشكل أكبر خطر على المستخدمين. وفي ديسمبر، قدم لاجئون من الروهينغا شكوى جماعية في كاليفورنيا، بحجة أن فشل فيسبوك في مراقبة المحتوى وتصميم منصته ساهم في العنف ضد الأقلية في 2017. وقالت ميتا مؤخرا إنها ستحرص على إجراء تقييم مستقل لحقوق الإنسان في عملها في إثيوبيا، بعد أن أوصى مجلس الرقابة بإجراء مراجعة.
وفي تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش الأربعاء قالت المنظمة إن على شركات التكنولوجيا إظهار أن قراراتها حول أوكرانيا “عادلة إجرائيا”، وتجنب أيّ “قرارات تعسفية أو متحيزة أو انتقائية” من خلال استنادها إلى عمليات واضحة وراسخة وشفافة.
استثناء أوكراني
وقالت شركة ميتا إن المتحدثين للغتين الروسية والأوكرانية كانوا يراقبون المنصة على مدار الساعة حول حرب أوكرانيا، وأن التغيير المؤقت في السياسة كان للسماح بأشكال من التعبير السياسي التي “تنتهك القواعد عادة”.
وقال نيك كليغ رئيس الشؤون العالمية في ميتا في تغريدة على تويتر “هذا قرار مؤقت اتّخِذ في ظروف استثنائية وغير مسبوقة”، مضيفا أن الشركة تركز على “حماية الحق في التعبير” في أوكرانيا.
مروة فطافطة: التباين في المنصات يؤكّد أن التمييز سمة وليست خطأ
وحظرت روسيا فيسبوك وإنستغرام وتويتر.
وأكّد مايكل كاستر، مدير برنامج آسيا الرقمي في منظمة المادة 19 لحقوق الإنسان، أن أسلوب ميتا الجديد يؤكد مدى صعوبة صياغة القواعد التي تُعتمد عالميا. وقال “في حين كان من المتوقع أن تتغير سياسات شركة عالمية بشكل طفيف من دولة إلى أخرى، بناءً على التقييمات الجارية لتأثير حقوق الإنسان، إلا أن هناك حاجة إلى درجة من الشفافية والاتساق والمساءلة أيضا”.
وأضاف في تعليقات عبر البريد الإلكتروني “في النهاية، يجب أن تتشكل قرارات ميتا من خلال توقّعاتها بموجب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وليس بناء على ما هو أكثر منفعة اقتصادية أو سلامة من الناحية اللوجستية بالنسبة إلى الشركة”.
قرار أحادي
واعتبر وهاب حسو الناشط الإيزيدي الذي شن حملة لمحاسبة شركات التواصل الاجتماعي لفشلها في العمل ضد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باستخدام منصاتها لتجارة النساء والفتيات الإيزيديات أن تحركات فيسبوك مقلقة للغاية.
واضطرت عائلة حسو إلى دفع 80 ألف دولار لشراء الإفراج عن ابنة أخته من الجهاديين، الذين اختطفوها في 2014 ثم عرضوها “للبيع” في مجموعة واتساب.
تصرفات المسؤولين في ميتا بشأن أوكرانيا تؤكد أنهم يروّجون لما يناسب مصالحهم وما يعتبرونه مهمّا وحظر ما يخالف ذلك
وقال حسو “لقد صدمت من قرار ميتا السماح بخطاب يحض على الكراهية ضد الروس. عندما يمكنهم اتخاذ قرارات معينة من جانب واحد، يمكنهم الترويج للدعاية وخطاب الكراهية والعنف الجنسي والاتجار بالبشر والعبودية وأشكال أخرى من المحتوى المتعلق بإساءة معاملة البشر أو منع ذلك”.
وجمع حسو وزملاؤه من النشطاء الإيزيديين تقارير حثّت الولايات المتحدة ودولا أخرى على التحقيق في الدور الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك فيسبوك ويوتيوب في الجرائم ضد الأقلية الإيزيدية.
وقال حسو، الذي أعيد توطينه في هولندا في 2012، إن تصرفات ميتا بشأن أوكرانيا تؤكد ما أظهرته أبحاثهم. وصرّح “يمكنهم الترويج لما يناسب مصالحهم وما يعتبرونه مهما أو حظر ما يخالف ذلك. وليس من العدل أن تقرر شركة ما هو جيد وما هو غير جيد”.