ارتهان لصالح أطراف خارجية وسعي لهدم الدولة

مع الاعتراف بأهمية تنظيمات المجتمع المدني في الغرب، فإنها في دولنا العربية انحرفت غالبا عن مسارها الذي أنشئت من أجله، وصارت تعمل وفق أجندات خارجية، ورأس حربة لدول أجنبية لا هدف لها إلا تقويض دعائم وأركان الدولة الوطنية العربية.
الانحراف تمثل أيضا في نزوع منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، إلى اقتحام مجالات العمل السياسي الصرف، وتأخير الاهتمام بالبعد المدني في نشاطها، ما قدم الانطباع بأنها أقرب إلى الأحزاب السياسية منها إلى الفعاليات المدنية.
وأكدت التحقيقات في العديد من الدول العربية مدى الارتباط الوثيق بين بعض هذه الجمعيات والمنظمات الحقوقية والإنسانية بأطراف خارجية زودتها بأموال طائلة، وأوضحت الوثائق أن الأموال لم تذهب إلى أي تنمية محلية أو مجتمعية كما يزعمون.
وتقدم حكومات الدول العربية الكثير من الأسباب التي تبرر بها عدم الترحيب بعمل هذه الجمعيات والمنظمات، على رأسها ضعف الحراك السياسي، وعدم وجود البيئة الملائمة لنمو منظمات مجتمع مدني قوية، ما يجعلها تستخدم في أهداف أخرى لا تمت بصلة للأهداف المعلنة.
وترى الحكومات العربية أن الدول الخارجية تعتمد على غياب ذلك النضج السياسي فتقوم بتوجيه منظمات المجتمع المدني إلى أهداف يراد بها زعزعة الاستقرار الداخلي، وتحقيق أجندات غير معلنة، سواء على الجانب السياسي أو الثقافي، تتخفى خلف ستار ما يسمى بالأهداف المجتمعية.
معظم منظمات المجتمع المدني الغربية التي تنتشر في الأراضي العربية تعتمد على قيادات أجنبية وهو ما يثير الشك
ومن الأمثلة على ذلك ما لعبته (ولا تزال) تلعبه قطر في بعض الدول العربية، حيث ظهر بجلاء أنها كانت تمول جماعات إرهابية لتفتيت وزعزعة استقرار الدول العربية، وكان ذلك يتم تحت غطاء منظمات المجتمع المدني التابعة للجماعات الإسلامية، كالإخوان والسلفيين وغيرهم.
سبب آخر يجعل الدول العربية قلقة من منظمات المجتمع المدني، هو أن مصادر التمويل دائما ما تكون غير معلنة من تلك المنظمات بشفافية، وذلك بدوره يؤدي إلى عدم قدرة الحكومات على رصد التحويلات المالية وأرصدة ونشاطات تلك المنظمات بشكل دقيق، ما يمثل عبئا سياسيا على الأنظمة الحاكمة.
وبالنظر إلى تطور منظمات المجتمع المدني ونشأتها في الدول الغربية، يتضح أنها تولدت من داخل النسيج المجتمعي ولم تعتمد قط على التمويل الأجنبي من دول أخرى كما يحدث فى الدول العربية، وقد قاومت الحكومات الغربية بشراسة في بداية ظهور منظمات المجتمع المدني أى تدخل خارجي بشتى الطرق حفاظا على سيادتها الداخلية.
والسبب الثالث لشك الحكومات العربية في جمعيات المجتمع المدني هو انتشار الإرهاب المتنامي في الدول العربية، إذ من المعروف أن المنظمات الإرهابية مثل داعش والنصرة تستخدم الأدوات الإعلامية المتطورة التي تسهل منظمات المجتمع المدني انتشارها بين الشباب للترويج لأفكارها التكفيرية.
مسؤولو بعض الحكومات يتساءلون: إذا كان المجتمع المدني يقوم كما يزعم بدور فعال لتنمية المجتمع بالفعل، فلماذا لم تظهر آثار ذلك على الفقراء والمحتاجين في المجتمعات العربية عندما كانت المنظمات تعمل بكامل حريتها ولا توجد أي قيود مفروضة عليها؟
إن الواقع يشير إلى أنه لا يوجد أي أثر ملموس لتلك المنظمات على أرض الواقع، كما أنها تنتفض عندما يقع اعتداء على المعارضة والعكس ليس صحيحا.
تغلغل منظمات المجتمع المدني الخارجية في المجتمعات، من خلال فروعها في الداخل العربي، له عواقب ثقافية ونفسية وخيمة على المواطنين، فهو من ناحية يرسخ فكرة التبعية والاعتماد على الغير في تحقيق التنمية، ومن ناحية أخرى يساهم في نشر العادات والثقافات الغربية التي لا تتماشى مع عاداتنا العربية الموروثة، وهو ما يمكن أن يكون عاملا كبيرا في طمس هوية المجتمعات العربية.
والأدهى أن معظم منظمات المجتمع المدني الغربية التي تنتشر في الأراضي العربية تعتمد على قيادات أجنبية وربما عمالة أجنبية في الكثير من الأحيان وهو ما يثير الشك، فإذا كان صحيحا أن هدف المجتمع المدني بالفعل تنمية الدول الضعيفة فلماذا إذن الاعتماد على عمالة أجنبية بدلا من تدريب عمالة محلية، على الرغم من أن العمالة المحلية هي الأقدر بطبيعة الحال على فهم ثقافة وعادات المجتمعات؟