ارتفاع وتيرة أخطاء التحكيم يدخل الدوري التونسي النفق المظلم

هل يكون التحكيم الأجنبي الحل الأمثل لتخفيف حدة التوتر في الكرة التونسية.
الأحد 2025/03/02
الصافرة الأجنبية تطوق الأزمة

شهدت الجولات الأخيرة من مسابقة الدوري التونسي لكرة القدم هفوات تحكيمية في جميع المباريات، ما تسبب في حالة من الغضب في صفوف معظم الأندية. وتعيش الكرة التونسية أجواء متوترة للغاية، في ظل الاتهامات التي طالت عدة أطراف مؤثرة في صفوف المكتب الجديد للاتحاد التونسي لكرة القدم.

تونس - تعيش كرة القدم التونسية على وقع أجواء مشحونة وتوتر كبير عقب الأخطاء التحكيمية المتكررة والتي ظهرت في جل المباريات الأخيرة. وتضرب الدوري التونسي موجة  انتقادات لاذعة للحكام المحليين، مما أجبر الاتحاد التونسي لكرة القدم على الاستعانة بالتحكيم الأجنبي.

وارتفاع وتيرة الأخطاء تزامن مع انتخاب مكتب تنفيذي جديد في الاتحاد التونسي، تولى خلافة لجنة التسوية التي قامت بإدارة شؤون الكرة التونسية خلال الفترة السابقة، بتكليف من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

والمكتب التنفيذي الجديد اعتبرته عدة أطراف امتدادا للمكتب السابق، الذي حكم الكرة التونسية لفترة تزيد على العقد من الزمن، بقيادة الرئيس السابق وديع الجريء. وعودة الأسماء القديمة لم تلق صدى إيجابيا في صفوف الرأي العام الرياضي في تونس، بحكم مسؤوليتها التاريخية عن انهيار منظومة التحكيم في الماضي القريب، على حد رأي الكثيرين.

وتسود حالة من التأهب في صفوف الأندية والجماهير، خوفا من تواصل مسلسل الأخطاء التحكيمية في المراحل الحاسمة من المسابقة. وتعتقد عدة أطراف أن الحل الوحيد لإنهاء أزمة التحكيم في الدوري التونسي، ولو بشكل مؤقت، هو الاستعانة بالصافرة الأجنبية، وهذه الخطوة تبدو صعبة التحقق على أرض الواقع في ظل الموقف المتصلب للمشرف العام الجديد على قطاع التحكيم، الجزائري جمال الحيمودي، الذي يتمسك بمنح فرصة كاملة للحكام المحليين خلال النصف الثاني من الموسم الحالي.

وكان الحكم الدولي الجزائري الأسبق رفض طلب فريقي الترجي والملعب التونسي بالاستعانة بحكام أجانب خلال مواجهتهما الأخيرة بالدوري المحلي، إلى جانب مباراة كأس السوبر. لكن الخبير التحكيمي قد يجد نفسه في نهاية المطاف مجبرا على تغيير قناعاته تحت تأثير ضغوطات الرأي العام الرياضي.

أزمة مبكرة

◙ ضغوط كبيرة
◙ ضغوط كبيرة 

افتتح الجزائري جمال الحيمودي مهمته، كمشرف عام على قطاع التحكيم في تونس، بأزمة مبكرة، عندما شهدت مباريات الأسبوع الثامن عشر من الدوري المحلي، احتجاجات كبيرة وجدلا واسعا، بسبب أداء بعض الحكام.

وفي الوقت الذي أعلن فيه الحيمودي تجديد الثقة بالحكام التونسيين، وعدم الاستعانة بالأجانب، وذلك خلال تقديمه في المؤتمر الصحفي، يوم الخميس الماضي، أتت الرياح بما لا يشتهيه الجزائري، خصوصا في مباراتي الملعب التونسي ضد الترجي، واتحاد تطاوين أمام النجم الساحلي، لتشهد صفحات التواصل الاجتماعي حالة من الغضب والنقد الشديد للحيمودي، والمكتب التنفيذي الجديد للاتحاد اتونسي لكرة القدم.

وبعد هزيمة فريقه ضد الترجي، خرج المدير الفني للملعب التونسي، ماهر الكنزاري، بتصريح مثير، عندما انتقد، في تصريحاته للإعلاميين، مسؤولي الاتحاد التونسي، مؤكدا أنهم وصلوا إلى مهامهم من أجل خدمة فرقهم المفضّلة، كما هاجم الكنزاري فريقه السابق الترجي، عندما أشار إلى أن الحكام يهابونه، وذلك على إثر احتجاج الملعب التونسي على الهدف الوحيد في المباراة، بحجة أن لاعب الترجي كان متسللاً، بالإضافة إلى عدم إقصاء المدافع حمزة الجلاصي، وفق ما يعتبر الملعب التونسي.

وتابع “الاتحاد التونسي مطالب بالتفاعل الحيني، والعمل على عدم إدراج الموضوع ضمن الورقات اليومية العادية، التي يتعامل معها، ولا بد أن يفهم أنه مدعوّ لبسط العدل والحفاظ على السلم الأهلي في البلاد، وأن ما خلّفه حكم اليوم خطير على مدرجات الملعب، ويجب أن يُحاسب عليه فورا، لذلك ستتخذ الإدارة القرار المناسب لمستقبل النادي في الدوري، إذ يبدو واضحاً وجلياً أن كل حكم يتم تعيينه لمبارياتنا يكون قراره جاهزا قبل صافرة البداية.”

وكان الحيمودي قد وجّه رسالة شديدة اللهجة لكل حكام الدوري التونسي، وذلك خلال مؤتمره الصحفي، الذي عقده يوم الخميس الماضي، قائلا “لن أقبل أيّ اتصال من أيّ طرف كان، لقد اجتمعت بالحكام، وأكدت لهم أن كل من سيحاول الاتصال بي سيعرّض نفسه للعقوبة، الذي يحتاجني من أجل تجاوز أيّ مشكلة طارئة يمكنه أن يوجه لي رسالة رسمية عبر البريد الإلكتروني، لست صديق أيّ أحد، أنا مسؤول عن الجميع، في إطار الاحترام المتبادل.”

ويعتبر أغلب المحللين أن مشاكل التحكيم التونسي لا تقتصر على جمال الحيمودي، بل هي نتيجة مشكلات عديدة تواجه هذا القطاع، كغياب تقنية حكم الفيديو المساعد “فار”، وعدم توفر الظروف الجيدة للحكم المحلي، على غرار التجهيزات والمستحقات المالية.

فرصة البروز

جمهور متعطش
◙ جمهور متعطش 

أكد الجزائري جمال الحيمودي على ضرورة العمل على رفع عدد الحكام التونسيين الناشطين في مختلف الأقسام من 650 حكما إلى 1200 حكم، مع إيلاء الجودة الأهمية اللازمة في التكوين والتأهيل.

وشدد الحيمودي، خلال مؤتمر صحفي على أهمية الدفع نحو تمكين الحكام الشبان من فرصة البروز وإدارة المباريات الهامة في بطولتي الدوري الممتاز ودوري الدرجة الثانية، مشيرًا إلى أن ذلك سينعكس إيجابيا على التحكيم التونسي الذي يتطلع للعودة إلى الظهور في كبرى التظاهرات الدولية، مثل مونديال 2030 في إسبانيا والبرتغال والمغرب ومونديال 2034 في السعودية.

◙ انعدام ثقة الأندية في الحكم التونسي ورغبتها في الاستعانة بالحكم الأجنبي أمر مقلق تستوجب معالجته من جانب جميع الأطراف

وأكد الحكم الجزائري السابق أن معدل أعمار الحكام التونسيين يتراوح بين 39 و41 عاما، مما يمثل معضلة كبرى نحو عودة إشعاع التحكيم التونسي على الصعيد الدولي، ما يستوجب معالجة هذه المشكلة بالتوجه نحو التشبيب، لاسيما أن اللياقة البدنية العالية هي المقياس الأساسي لجاهزية الحكم. كما كشف أنه سيتم في الأيام القادمة التي تلي شهر رمضان إجراء اختبار بدني للحكام لتقييم جاهزيتهم في إدارة المباريات، مُشددا في هذا الشأن على أن التحكيم يبقى العمود الفقري للمسابقات الرسمية في تونس.

وأوضح أن انعدام ثقة الأندية، خصوصا الناشطة في الدوري الممتاز في الحكم التونسي ورغبتها الملحة في الاستعانة بالحكم الأجنبي في المباريات الهامة، مثل لقاءات الديربي بين الترجي الرياضي والنادي الأفريقي، وهو أمر مقلق تستوجب معالجته من جانب جميع الأطراف المتداخلة في اللعبة.

وعقب ظهور جمال الحيمودي على قناة تلفزيونية وانتقاده الحكام، ردت جمعية حكام كرة القدم في تونس، وهو هيكل يدافع عن حقوقهم، ببيان عاصف ضد الحيمودي. وقالت جمعية الحكام “تعبر الجمعية التونسية لحكام كرة القدم عن استغرابها من تصريحات المشرف العام على قطاع التحكيم جمال الحيمودي تجاه منظوريه الحكمين هيثم القصعي وسيف الورتاني.”

وأضافت أن “التعامل مع أخطاء الحكام يجب أن يكون من قبل إدارة التحكيم وداخلها في إطار التقييم والمتابعة دون تشهير ولا توصيفات تمسّ من كرامة الحكم كإنسان قبل أن يكون حكما.” ودعت الجمعية التونسية لحكام كرة القدم المكتب الجامعي إلى الإيفاء بالتزاماته بخلاص مستحقات الحكام والمراقبين وتوفير الاعتمادات المالية الضرورية لتكريس برنامج تكوين وتطوير على امتداد المدة النيابية.

حضور مصري

◙ المعركة متواصلة
◙ المعركة متواصلة

وارتكب الحكام التونسيون أخطاء فادحة في عدد كبير من المباريات التي أداروها خلال الموسم الحالي، وهو ما جعل الهيكل المشرف على الكرة التونسية في موقف صعب للغاية. وأمام الضغوطات المتزايدة من قبل الأندية، وجد الاتحاد التونسي لكرة القدم نفسه مجبرا على تفعيل اتفاقية التعاون مع نظيره المصري، ليتم استقدام حكام مصريين قاموا بإدارة مباريات الكلاسيكو وبعض المواجهات الحاسمة في المسابقة.

ونجح الحكام المصريون بشكل مطلق في جميع المباريات التي أداروها ضمن المسابقة المحلية الأبرز في تونس، ما جعلهم محل إشادة كبيرة من قبل الجماهير والملاحظين. ويتعلق الأمر بمحمود البنا الذي أدار مواجهتي الكلاسيكو اللتين جمعتا الصفاقسي تباعا بالترجي والنجم الساحلي، فضلا عن أمين عمر ومحمد معروف اللذين قاما بتحكيم مباراتي الترجي والنجم الساحلي.

من جهته، تكفل إبراهيم نورالدين بإدارة مباراة البنزرتي والملعب التونسي الحاسمة على درب التأهل لمرحلة التتويج من الدوري التونسي. ولم يرتكب هؤلاء الحكام أي خطأ خلال كل هذه المباريات المهمة، في حين تواصل الأداء المهزوز للحكام التونسيين في المسابقة المحلية.

الحكام التونسيون ارتكبوا أخطاء فادحة في عدد كبير من المباريات التي أداروها خلال الموسم الحالي وهو ما جعل الهيكل المشرف على الكرة التونسية في موقف صعب للغاية

وفي السياق ذاته، اعتبر الحكم الدولي التونسي الأسبق أمين برك الله أن الحكام المصريين استفادوا من أزمة غياب الثقة في التحكيم التونسي. وقال بخصوص هذه المسألة “الوضع في كرة القدم التونسية أصبح خطيرا للغاية، في ظل انعدام الثقة بالتحكيم المحلي، إذ أصبحت مسألة تقبل أخطاء الحكام التونسيين غير ممكنة.”

وواصل “هناك اتهامات تلاحق رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم وديع الجريء بأنه يتحكم في تعيينات الحكام وفقا لإملاءات معينة ووفقا لغاياته وحساباته، وتبعا لذلك أصبح كل خطأ تحكيمي يدخل تحت طائلة سوء نية.”

 وتابع “أمام هذه الوضعية الصعبة وجد الرجل القوي لكرة القدم التونسية نفسه مجبرا على الاستعانة بالحكام المصريين لتفادي الضغط الجماهيري والإعلامي، فضلا على شراء السلم الاجتماعي والتبرؤ من تهمة خدمة فرق على حساب أخرى.” وأضاف “التحكيم المصري يعيش بدوره أزمة داخلية نتيجة الثقة المهتزة بالحكام المحليين، غير أن مقبولية التحكيم الأجنبي في تونس مهما كانت جنسيته جعلت منه حلا لضمان السلم الاجتماعي.”

انعدام الثقة

مهمة صعبة
◙ مهمة صعبة

والواضح أن تركيز “الفار” في مباريات الدوري التونسي لم يحل المشكلة، وهو ما حدث كذلك في الموسم الماضي، أي أن انعدام الثقة في الحكم المحلي، كان واضحا من قبل وصول الدولي الجزائري السابق إلى مهامه، وهو ما سيجعل مهمة الأخير صعبة من أجل السيطرة على الوضع وإعادة الثقة للأندية، في الأسابيع المتبقية من عمر الدوري، والتي ستشهد تنافساً مشتعلاً، من أجل التتويج باللقب.

وفجّرت استقالة ناجي الجويني من رئاسة لجنة الحكام في الاتحاد التونسي لكرة القدم وباقي أعضاء اللجنة، وتعيين إدارة جديدة، ضجة قوية في الوسط الرياضي المحلي لتطفو على السطح قضية جديدة اعتبرها الكثيرون عقبة أخرى في طريق استقرار أوضاع اللعبة في البلاد.

وتولى الجويني رئاسة لجنة الحكام في يناير الماضي، قبل أن يتقدم باستقالة بعد شهور قليلة ليخلفه الدعمي في خطوة اعتبرها الكثيرون أنها لن تغير من واقع التحكيم طالما استمرت نفس الظروف.

ومنذ أكتوبر 2023، شهدت كرة القدم التونسية سلسلة من الأزمات بعد الفشل في إجراء انتخابات الاتحاد المحلي مرتين، الأولى في التاسع من مارس والثانية في 11 مايو من العام 2024 وذلك بعد وجود مشاكل بالجملة في ملفات المرشحين ما أدى إلى إسقاط كافة القوائم وإعلان تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمّى.

وغاب التحكيم التونسي عن نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2024 في كوت ديفوار باستثناء المساعد خليل الحساني وحكم الفيديو هيثم قيراط مقابل غياب تام لحكام الساحة. فالمساعي حثيثة ومستمرة من الهيئة المكلفة بإدارة شؤون الاتحاد المحلي لتوفير الموارد المالية اللازمة وصرف مستحقات الحكام.

وأصبحت قضية المستحقات المتأخرة للحكام عن المواسم الثلاثة الأخيرة، والتي بلغت أكثر من 3 ملايين دينار (نحو مليون دولار أميركي)، خطرا يهدد الموسم الجديد للدوري الممتاز. وفي محاولة لحل الأزمة، بحث وزير الرياضة مع الاتحاد ملف تطوير التحكيم إلى جانب إيجاد حلول لتغطية تكلفة تقنية حكم الفيديو خلال مباريات دوري الموسم الحالي.

16