اختبار المستوطنات أصعب أمام القضاء من اضطهاد الفلسطينيين

بعد سنوات من التحركات الممزوجة بالإحباط، يبدو أن الفلسطينيين حققوا ما كانوا يسعون إليه بعد صدور قرار من الحكمة الجنائية الدولية يتضمن فتح تحقيق بشأن ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب ضد المدنيين في قطاع غزة. ومع ذلك ستكون هذه القضية ثانوية بالنسبة إلى الإسرائيليين لأن الاختبار الأصعب أمام القضاء الدولي يتعلق ببناء المستوطنات في الضفة الغربية، ما يشكل منعطفا جديدا في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على الساحة الدولية.
القدس - يرجح المتابعون أن تكون المستوطنات التي تعكف إسرائيل على تشييدها في كل من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية أكثر عرضة للملاحقة القضائية دوليا من اضطهادها للفلسطينيين، وذلك في حال قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم الحرب.
ولا يزال مثل هذا التحقيق بعيد المنال، لكن المحكمة الجنائية الدولية اقتربت خطوة أخرى الجمعة الماضي عندما مهدت الطريق للمدعية فاتو بنسودة لفتح تحقيق في جرائم حرب ضد إسرائيل وحركة حماس المسيطرة على قطاع غزة منذ العام 2006.
وقد يتناول التحقيق الأعمال العسكرية الإسرائيلية خلال حرب 2014 المدمرة في قطاع غزة والاحتجاجات الشعبية على الحدود التي بدأت في عام 2018، لكن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية قد يخضع لتحقيق أكثر صرامة.
ومنذ عام 1967 تم تأسيس ما يقرب من 250 مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية بما يتعارض مع القانون الدولي، ولكن رغم الضغوط الدولية والمتغيرات السياسية على الساحة الدولية مع قدوم إدارة جديدة في الولايات المتحدة تستمر إسرائيل في تنفيذ مخططها الاستيطاني.
قرار المحكمة الدولية
يحظر القانون الدولي على أي دولة نقل مدنييها إلى الأراضي المحتلة، مما يجعل إثبات التهم المتعلقة بالمستوطنات أسهل من إثبات الاستخدام غير المتناسب للقوة في ساحة المعركة.
وكانت بنسودة قد أعلنت في ديسمبر 2019 أنها تعتقد أن هناك “أساسا معقولا” لفتح تحقيق في جرائم الحرب في الأعمال العسكرية والنشاط الاستيطاني الإسرائيلي، لكنها طلبت أولا من المحكمة تحديد ما إذا كانت تتمتع بالولاية القضائية الإقليمية.
ومنح قضاة المحكمة الجنائية الدولية في حكم صدر الأسبوع الماضي بنسودة هذا الاختصاص في الضفة الغربية والقدس الشرقية وأيضا قطاع غزة حيث يطالب الفلسطينيون بالمناطق الثلاث التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 من أجل استعادتها وعلى أساسها يتم بناء بلدهم المستقل.
ولم يفتح الحكم تحقيقا فعليا في جرائم الحرب، وقالت بنسودة في بيان مقتضب إنها “ستدرس الحكم عن كثب قبل أن تقرر كيفية فتح باب التحقيق وقد تستغرق هذه العملية شهورا لتنتهي”.
وفي غضون ذلك، شنت إسرائيل هجمات شخصية على بنسودة واتهمت المحكمة بإلزامها بمعايير غير عادلة. وتقول أيضا إنه ليس للفلسطينيين دولة وتتهم المحكمة بالخوض في القضايا السياسية.
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين لا يتمتعون بالاستقلال، فقد تم منح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012. وقد استخدم الفلسطينيون هذا الوضع المحسن للانضمام إلى العشرات من المنظمات الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.
وطلب الفلسطينيون بعد ذلك من المحكمة التحقيق في الممارسات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة والأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وطلبوا أن يعود التحقيق إلى 13 يونيو 2014، وهو التاريخ الذي تزامن مع شن إسرائيل حربا على حكام غزة من حركة حماس الإسلامية المسلحة.
وتهدف المحكمة الدولية إلى أن تكون بمثابة الملاذ الأخير عندما تكون الأنظمة القضائية للدول غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في جرائم الحرب ومقاضاة مرتكبيها.
وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولا تعترف بسلطتها وتقول إن لديها نظام قضائي مستقل على مستوى عالمي، لكن الفلسطينيين يرون أن إسرائيل غير قادرة على التحقيق وتحمل مسؤولية أفعالها ونظام العدالة الإسرائيلي متحيز ضدهم بشكل كامل.
تعنت إسرائيلي
في هذه المرحلة، ليس لدى إسرائيل ما تخشاه، وعلى الرغم من أن قرار الجمعة الماضي يعد بمثابة نكسة محرجة، إلا أن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين مازالت افتراضية.
ومع ذلك، يفتح الحكم الباب لسيناريو مقلق قد يخاطر فيه المسؤولون الإسرائيليون السابقون والحاليون بالاعتقال إذا سافروا إلى الخارج. وذكرت صحيفة “هآرتس” الأحد الماضي أن إسرائيل تستعد لاطلاع المئات من المسؤولين الأمنيين الحاليين والسابقين على مجريات الأمور خشية أن يتعرضوا للاعتقال.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، في حرب غزة قُتل أكثر من 2200 فلسطيني من بينهم ما يقرب من 1500 مدني بنيران إسرائيلية، ووفقا للأرقام الإسرائيلية، على الجانب الإسرائيلي قتل ما لا يقل عن 73 شخصا بينهم ستة مدنيين.
ومع ذلك، قد يكون إثبات جرائم الحرب أمرا صعبا نظرا لاحتمال عدم تعاون إسرائيل مع المحكمة الدولية. وترى إسرائيل أنها شنت هذه الحرب “دفاعا عن النفس” ضد إطلاق الصواريخ دون توقف على مدنها كما تتهم حماس التي أطلقت صواريخ من مناطق سكنية باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وتقول إسرائيل إن نظامها القضائي أكثر من قادر على التحقيق في الأمر، فبعد الحرب مع حماس في قطاع غزة فتح الجيش العشرات من التحقيقات في سلوك جنوده، لكن الأحكام بدت للبعض مجرد ذر للرماد على العيون.

وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من الإدانات بتهم بسيطة، إلا أن ذلك قد يكون كافيا بالنسبة إلى بنسودة التي أسقطت قضية مماثلة ضد القوات البريطانية في العراق العام الماضي لأن السلطات البريطانية قد حققت في القضية بالفعل.
وقد يكون من الصعب الدفاع عن البناء الاستيطاني الإسرائيلي المستمر على الأراضي المحتلة، والذي بدأ قبل نصف قرن، حيث يعيش نحو 700 ألف إسرائيلي الآن في مستوطنات أقيمت في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وينظر إلى المستوطنات على نطاق واسع على أنها غير قانونية استنادا إلى مبدأ اتفاقية جنيف الذي يقضي بمنع القوة المحتلة من نقل سكانها إلى الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في الحرب. وتم إدراج عمليات نقل السكان كجريمة حرب في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وقال يوفال شاني الخبير في القانون الدولي في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية “تعد قضية المستوطنات في الحقيقة القضية الأكبر والأهم”.
وضمت إسرائيل القدس الشرقية بعد حرب 1967 واعتبرت المنطقة جزءا لا يتجزأ من عاصمتها. وتقول إن الضفة الغربية “متنازع عليها” وليست محتلة ويجب تقرير مصيرها من خلال المفاوضات. ومع ذلك، لا تحظى المواقف الإسرائيلية بدعم دولي يذكر، خاصة منذ رحيل إدارة ترامب التي رحبت بالاستيطان الشهر الماضي.
وقال شاني إن حكم المحكمة يعني أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية يمكن أن تخضع لتحقيق يصعب الدفاع عنه. وأكد أن “هذا يفضح النخبة السياسية الإسرائيلية بأكملها التي كانت جزءا من سياسة الاستيطان والأعمال الإجرامية أمام المحكمة. هذه نكسة كبيرة”.
وفي خضم ذلك، يتساءل البعض حول ما إذا كان الفلسطينيون يواجهون بالفعل مخاطر. وفي قرارها لعام 2019 وجدت بنسودة أيضا أساسا معقولا لاستنتاج أن حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى في غزة ارتكبت جرائم حرب من خلال إطلاق الصواريخ بشكل عشوائي على التجمعات السكانية الإسرائيلية.
ورحبت حماس بحكم المحكمة، لكنها امتنعت عن التعليق على احتمال أن تكون الحركة أيضا موضوع تحقيق مستقبلي. ومع ذلك قالت منظمة العفو الدولية إن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، والتي تدير جيوبا مستقلة في الضفة الغربية، يمكن أن تخضع أيضا للتحقيق بسبب مزاعم بأنها تعذب خصومها السياسيين وتشجع الهجمات ضد الإسرائيليين.