"احميني" تطبيق لإدماج مزارعات تونسيات بمناطق "غير ذكية"

المرأة الريفية تحقق نسبة 35 بالمئة من الأمن الغذائي التونسي في حين لا تتمتع بأي ضمانات مهنية ولا تأمين صحي.
الأربعاء 2019/05/08
منظومة "احميني" الإلكترونية موجهة لفئة "أمية" في التعامل مع التكنولوجيا

تنتشر في المناطق الداخلية التونسية ظاهرة نقل العاملات في قطاع الزراعة على متن شاحنات صغيرة تفتقر لأبسط مقوّمات السلامة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حوادث قاتلة، كان آخرها حادث مروري مميت بمحافظة سيدي بوزيد أودى بحياة 13 مزارعة. استفز هذا الحادث الشاب التونسي (ماهر الخليفي) وهو مهندس في الإعلامية، فقد والدته جراء حادث مشابه ليطلق منصة ذكية تحمل اسم “احميني” تمكّن المرأة الريفية من الانتفاع بالتغطية الاجتماعية والصحية باستعمال التكنولوجيا الحديثة.

تونس - أعلنت الحكومة التونسية مؤخرا عن إطلاق برنامج لإدماج عاملات الزراعة ضمن منظومة التغطية الاجتماعية ليتسنى لهن التمتع بالخدمات الصحية الحكومية إلى جانب المعاشات. سيشمل هذا التشريع أكثر من 500 ألف عاملة لا يتجاوز دخلهن اليومي 3 دولارات، في خطوة طال انتظارها، لكنها جاءت إثر فاجعة وفاة 13 عاملة بعد انقلاب الشاحنة التي كانت تقلهن إلى العمل.

وأطلق مؤخرا تطبيق إلكتروني يحمل اسم “احميني” يمكّن العاملات في قطاع الزراعة من الانخراط عن بعد في منظومة التغطية الصحية دون الحاجة إلى أجير وبمبلغ مالي يومي يقدر بـ0.2 دولار. لكن الخطوة وعلى الرغم من أهميتها قد تصطدم بصعوبات تقنية إذ أنها موجهة إلى فئة من التونسيات أغلبهن “أميّات في التعامل مع الذكاء الاصطناعي”، بالإضافة إلى ضعف تدفق شبكات الإنترنت في أرياف تونس وحتى انعدامها في عدد من المناطق الزراعية التي تستهدفها منظومة الإدماج الاجتماعي.

تهدف جميع الحكومات في الدول النامية إلى تعويض تقصيرها في بعض المجالات التنموية بفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية من أجل تدارك النقائص والالتحاق بالركب، إلا أن قطاع الاتصالات في تونس لا يزال دون المأمول رغم وجود مشغلين أجنبيين (أوريدو وأورنج) إلى جانب المشغل الحكومي (اتصالات تونس).

من المفترض أن تنكب مجهودات المستثمرين الأجانب على تطوير المناطق المعزولة وربطها بالشبكة العنكبوتية والاتصالية لمعاضدة المجهود الحكومي إلا أن ذلك ليس الحال في أرياف البلاد التي لا تستفيد من الاستثمارات الأجنبية التي تركز على تطوير بنيتها وتوسيعها في الحواضر، ومن هنا يمكن طرح تساؤل حول دور الاستثمار الخارجي ومدى معاضدته للمجهودات الحكومية؟، تعود أسباب ذلك إلى احتكار المشغل الحكومي لخدمة تطوير البنية التحتية لشبكات الإنترنت الأرضية.

ابن مزارعة ينتصر للكادحات

تشير الأرقام إلى أن عدد المستفيدات من نظام التغطية الاجتماعية الجديد يبلغ أكثر من 500 ألف مزارعة، 90 بالمئة منهنّ خارج منظومة التغطية الاجتماعية. وانطلاقا من هذا الرقم المفزع اختار مهندس الإعلامية الشاب ماهر الخليفي طريقه في ريادة الأعمال عن طريق بعثه لمنصة ذكية “احميني” تمكن المرأة الريفية من الانتفاع بالتغطية الاجتماعية والصحية باستعمال التكنولوجيا الحديثة.

وأوضح الخليفي أن هذه المنظومة تخص كل النساء العاملات في القطاع الفلاحي، حيث تمكنهن من التغطية الاجتماعية والحصول على دفتر علاج من صندوق التأمين على المرض، كما يمكن أن يتمتع أبناء المنتفعة وكذلك زوجها إذا كان مريضا بهذه الخدمات.

وبدأت الفكرة سنة 2016 عندما اكتشفت والدة ماهر إصابتها بورم خبيث كان قد استفحل في جسدها لمدة ناهزت 13 سنة دون علمها.

ومن هنا، بدأ ماهر (ابن المزارعة) خطوته الأولى في رحلته الطويلة قصد بلورة فكرته وتحسينها من أجل إيجاد حل جذري لهذه المشكلة، لتنتهي رحلة البحث سنة 2018 بعد حصاد العديد من الجوائز الوطنية والعربية كأفضل مشروع اجتماعي في مسابقات مختلفة.

تُمكن هذه البرمجية من إدماج المرأة الريفية في صندوق الضمان الاجتماعي وتسهيل عملية استخلاص معلوم الانخراط في منظومة التغطية الاجتماعية حيث يتنقل فريق مبعوث من الشركة إلى كافة النساء الريفيات من أجل إسداء خدمات التسجيل والتأطير في مرحلة أولى، ويمكن بعد ذلك أن يتم دفع معلوم الاشتراك عن بعد عبر الهاتف الجوال مع إمكانية التقسيط في الدفع، إذ يقع تحويل الأموال بمنتهى الشفافية من البريد التونسي إلى صندوق الضمان الاجتماعي.

لاقت الفكرة استحسان الجميع مما دفع الحكومة التونسية إلى توقيع اتفاقية شراكة مع الشركة الناشئة في إطار تنفيذ “الاستراتيجية الوطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في المناطق الريفية” في انتظار تفعيلها سنة 2019.

ماهر الخليفي: المرأة الريفية لا تتمتع بأي ضمانات مهنية أو صحية
ماهر الخليفي: المرأة الريفية لا تتمتع بأي ضمانات مهنية أو صحية

هكذا تحوّل حلم شاب بسيط من قلب ريف القيروان (وسط البلاد) إلى مشروع حقيقي على أرض الواقع. واستطاع، رغم العراقيل القانونية والإدارية والاجتماعية، التي تغلّب عليها، مع كافة العاملين بالشركة، بإصرار وعزم، من بلوغ الهدف.

ويقول مبتكر التطبيق ”والدتي (فاطمة) كانت عاملة فلاحية، ولم يكن لديها دفتر علاج عندما تعرضت للمرض ولم تقدر على توفير مصاريف التغطية الصحية، لو تمتعت بالتغطية الصحية قبل استفحال المرض لأمكنها العلاج، ولكنها توفيت، من أجل ذلك أسعى جاهدا لإصدار آلية علاج وتأمين صحي يضمنان للمرأة الريفية كرامتها الأمر الذي يحقق تحررها الاقتصادي والاجتماعي”.

ويضيف ماهر الخليفي (32 سنة) وهو ناشط مدني، ”كنت أراقب عن قرب كيف تقطع النساء المسافات الطويلة بحثا عن لقمة العيش في المزارع وتتوسل الفلاحين، فتشتغل الساعات الطويلة تحت الأمطار والرياح والحر الشديد دون حماية مهنية”، لافتا إلى أن المرأة الريفية تحقق نسبة 35 بالمئة من الأمن الغذائي التونسي في حين لا تتمتع بأي ضمانات مهنية ولا تأمين صحي.

وخلال بحثه وجد أن الأطر القانونية لا توفر أي ضمانات أو حقوق مادية للمرأة أو أي تغطية اجتماعية (تقاعد أو دفتر علاج). ويقول في هذا السياق إن “المرأة الريفية مهمشة، مقصاة من كل القوانين التي تكفل حقوق الإنسان وحقها كتونسية في التغطية الاجتماعية”.

تطبيقة ذكية ولكن

أحدث ماهر منصة معلومات من أجل فرض تغيير القوانين القديمة التي لا تحمي المرأة العاملة في قطاع الزراعة لأجل فرض تقنين عملها، وتتالت مشاركاته في مناظرات أفكار بالولايات المتحدة تحصل على إثرها مشروعه خلالها على مرتبة متقدمة على المستوى العالمي ووقع اختياره من بين أفضل 50 مشروعا عالميا من ضمن قائمة تضم 600 مشروع. كما أنّ تحصله على المرتبة الأولى في تونس زاده يقينا بإمكانية إنجاز مشروعه، ونجح في نيل موافقة وزارة المرأة على المشروع وهو ما اعتبره مكسبا كبيرا سيمثل حافزا له لمزيد العمل، كما انخرط في حوارات مع شركات الاتصالات قصد إيجاد طريقة لإدماج النساء ضمن آلية تأمين تسمح للمرأة بالانخراط بأحد الصناديق الاجتماعية ويكون الاقتطاع عن طريق رصيد الهاتف الجوال.

ومازالت تونس بعيدة جدا عن الالتحاق بالمقاييس الدولية من حيث سرعة تدفق الإنترنت والشبكات الاتصالية العصرية وحتى تغطية كامل جغرافيا الدولة، رغم أن أكثر من 7 ملايين تونسي يمتلكون كمبيوترا أو هاتفا ذكيا على الأقل، إلا أن تطبيقة إلكترونية تستهدف المزارعات التونسيات “الأميات في التعامل مع الذكاء” تطرح أكثر من تساؤل بشأن كيفية استغلالهن لهذا “المنجز” وهن يقطن مناطق غير ذكية.

ولا تزال معظم أرياف تونس خارج نطاق تغطية الشبكة العنكبوتية وحتى الهاتف الجوال في الكثير من الأحيان، حيث تعزى أسباب ذلك إلى عدم استثمار القطاع الحكومي وحتى الخاص في هذه المناطق. فكيف لمناطق معزولة رقميا أن ينتفع متساكنوها من الذكاء الاصطناعي؟

وتعتبر تونس أول دولة عربية تتصل بشبكة الإنترنت وذلك في سنة 1991. كما أنها تشهد كغيرها من دول العالم ارتفاعا كبيرا في عدد مستخدمي الشبكة مما جعلها تحتل المركز الثالث أفريقيا و31 عالميا بمعدل انتشار يناهز 46.16 بالمئة في 2014. وعلى الرغم من تنوع وسائل الاتصال بالشبكة إلا أن مشكلة التدفق الضعيف تمثل أحد الملفات الأساسية التي تشكو من تهميش ممنهج.

وتشير تقارير الهيئة الوطنية للاتصالات إلى وجود فارق بين جودة الخدمة “المفترض تقديمها” وبين ما يجري على أرض الواقع سواء على مستوى التغطية أو على مستوى الجودة بل إن تصريحات أغلب وزراء التكنولوجيا في تونس وفي أكثر من مناسبة تؤكد على ضعف منظومة الاتصالات.

كما تشير تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي أيضا إلى أنّ معدل سرعة تصفح الإنترنت في تونس هو 26 كيلوبايت في الثانية مما يطرح عديد التساؤلات حول نوعية الخدمة المقدمة وسعة الارتباط بالشبكة الدولية.

وبالرغم من شح الإحصائيات حول مدى رضا التونسيين حول خدمات الإنترنت وبقائها مقتصرة على بعض الأطراف إلا أن امتعاض المستهلكين موجود قطعا. ففي مجتمع يعاني من ارتفاع نسب التضخم مع محدودية الأجر الأدنى يجد التونسيون أنفسهم أمام أسعار مرتفعة خصوصا بالمقارنة مع أوروبا، إذ إن أسعار الاشتراك في تدفق 50 ميغا في الثانية لا تتجاوز 3 بالمئة من الأجر الأدنى في بلد مثل فرنسا. في حين أن أسعار نفس التدفق مرتفعة بشكل ملفت في تونس، إذ إن أسعار تدفق 100 ميغا أعلى بـ3 مرات من مثيلتها في إيطاليا.

ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات

تُمكن هذه البرمجية من إدماج المرأة الريفية في صندوق الضمان الاجتماعي وتسهيل عملية استخلاص معلوم الانخراط
تُمكن هذه البرمجية من إدماج المرأة الريفية في صندوق الضمان الاجتماعي وتسهيل عملية استخلاص معلوم الانخراط

رغم وجود 4 شركات اتصالات (اتصالات تونس- أريدو تونس- أورونج تونس- لايكا موبيل) إلا أن الخدمات المسداة لا ترقى إلى المستوى المطلوب من حيث الجودة وارتفاع الأسعار.

وحسب إحصائيات محلية لعام 2017 فقد بلغ عدد مستخدمي الهاتف القار وتحديدا خلال شهر أبريل أكثر من مليون مستخدم، استحوذت اتصالات تونس على أعلى نسبة بـ84.5 بالمئة من عدد الاشتراكات والذي بلغ 863.518 اشتراكا، تليها أورونج تونس بـ7.8 بالمئة بعدد اشتراكات بلغ 79.177 اشتراكا، وأوريدو تونس بـ7.7 بالمئة بعدد اشتراكات وصل إلى 78.900 اشتراكا.

وعرف عدد مستخدمي الهاتف الجوال خلال السنوات الماضية انفجارا هائلا ليبلغ عددهم وفق نفس الإحصائيات 14.209.000 مستخدم، متجاوزا بذلك عدد سكان البلاد الذين قدرهم المعهد الوطني للإحصاء وفق مسح أجري سنة 2014 بـ11.53 مليون نسمة.

ويبلغ عدد مشتركي الإنترنت 7.232.845 مشتركا، 741.713 بواسطة مفتاح الجيل 3 و4 أما الإنترنت الجوالة فقد بلغ عدد مشتركيها 6.397.782.

وأصبح الهاتف الجوال يحتل حيزا مهما في حياة التونسي وفي عاداته الاستهلاكية، كما أن المدة الزمنية التي أصبح يقضيها مع هاتفه الجوال مبحرا في عالم الإنترنت أو عند قيامه باتصال هاتفي أو تلقي مكالمة أو عندما يرسل أو يتلقى الإرساليات القصيرة أو الصور أو الإرساليات الصوتية، ما انفكت ترتفع من سنة إلى أخرى.

يرى مشتركو الهاتف الجوال أن عدم انتظام الشبكة يؤدي عادة إلى إثقال أرصدتهم الهاتفية بمعاليم إضافية، وكما هو معلوم عند الاتصال يقع اقتطاع معلوم أولي من الرصيد وهو معلوم رفع السماعة ثم يقع بعد ذلك اقتطاع مبلغ المكالمة وأحيانا تتسبب الشبكة “الريزو” في انقطاع المكالمة أكثر من مرة ليضطر الحريف بعد ذلك لإعادة الاتصال، وأكيد أنه في كل مرة سيتكبد المعلوم الأولي الذي يقتطع منذ البداية.

ينطبق الأمر ذاته على خدمات الإنترنت في أغلب الأحيان وكم من مرة تتعطل مصالح المواطنين في الإدارات وتتعطل المؤسسات لا بسبب الاعتصامات أو المطالب الاجتماعية وإنما بفضل لعنة “الريزو”.

هذا المشكل تعاني منه الأغلبية الساحقة ولا وجود لسرعة تدفق الإنترنت سوى في الإعلانات التلفزية، رغم أن هذه الشركات تروج أن سرعة تدفق الإنترنت تتراوح بين 4 ميغابايت و8 ميغابايت.

ورغم وجود سوق مهمة لقطاع الاتصالات والإنترنت في تونس وتطور عدد المستخدمين حتى أنه تجاوز عدد السكان إلا أن الشركات المنتصبة لا تولي أهمية كبرى للخدمات المقدمة للزبائن، فالجودة متدنية والأسعار مرتفعة. لا شك أن هذه الصعوبات قد تؤثر على مشروع “احميني” الذي يرتكز على التكنولوجيا الحديثة، ومع ذلك يبقى بمثابة بصيص أمل للعديد من المزارعات اللاتي ينشدن ظروف عيش أفضل.

12