اجتياح رفح ما بين تهديد المدنيين والسلام

نتنياهو يجد في خطة اجتياح رفح فرصة ثمينة قد لا تتكرر وسيتم الترويج على أنها تصحيح لأخطاء أرييل شارون وخطته الأحادية لفك الارتباط التي لم تراع التبعات السلبية للفراغ الأمني.
السبت 2024/05/04
هل تتحول خطة الاجتياح إلى خطة إبعاد

العد العكسي لتنفيذ خطة اجتياح رفح قد بدأ على ما يبدو.. عشرات العائلات الفلسطينية تحاول مغادرة الخيام المنصوبة على مقربة من الحدود المصرية نحو شمال القطاع، في محاولة لإنقاذ نفسها من عملية عسكرية قد تتحول إلى محرقة، رغم ما يدعيه جيش الاحتلال من إعداده لتجهيزات العملية البرية والتي تشمل خطة إجلاء وفتح ممرات آمنة وتوسيع للمنطقة الإنسانية. هذه الترتيبات، وإن وجدت، فإن فاعليتها ستبقى ضئيلة مع تجمع أعداد كبيرة من النازحين في مدينة مساحتها الجغرافية صغيرة من الصعب الترتيب لخروجهم الآمن في ظرف زمني وجيز، الأمر الذي يعني أن دقة الضربات على الأهداف العسكرية في هذا الاجتياح المتوقع ستكون أمرا شبه مستحيل.

النازحون المتواجدون في مخيمات رفح بين نارين؛ يمكن أن تدفعهم مصيدة النزوح نحو شمال غزة إلى مصير أسوأ من الذي عايشوه في رحلة نزوحهم في الأيام الأولى من الحرب، عندما تحولت الممرات الإنسانية إلى تجربة مميتة، واحتمال تكرارها وارد بقوة. أما بقاؤهم في محيط مدينة رفح فهو يعني تواجدهم على مقربة من ساحة معركة أهدافها ستكون بلا شك عشوائية، والأخطر أنها قد تفتح احتمالات إبعادهم نحو الأراضي المصرية، بالرغم من كلّ ما قيل وما يقال حول وجود تطمينات إسرائيلية للجانب الأميركي والمصري بالعمل على ألا تتحول خطة الاجتياح إلى خطة إبعاد، ولكنها في الحقيقة تطمينات تشوبها الكثير من الشكوك في مصداقيتها.

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان حول خطة اجتياح رفح، وعن إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن معه من المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها، وعن التحفظات الأميركية التي عطلت صدور الموافقة من قبل هيئة الأركان العامة في جيش الدفاع الإسرائيلي والاعتبارات والمحاذير التي اشترطتها إدارة جو بايدن، وبالأخص التداعيات المحتملة لها على العلاقات المصرية – الإسرائيلية، خاصة أنها قد تفتح الباب لوجود عسكري إسرائيلي دائم في جنوب قطاع غزة.

الإدارة الأميركية قد تخاطر بفقدان مصر كشريك قوي في المنطقة من أجل خطة تقودها حكومة إسرائيلية تجهز على آخر ما تبقى من عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط

ليس سرا أن تحمل التحفظات الأميركية على خطة الاجتياح الإسرائيلي في باطنها تركيزا على تقديم الجانب الإسرائيلي لضمانات بعدم استعمال القوة الغاشمة في هذا الهجوم المرتقب للحد من مخاطره، وخشية أن تنعكس خطة نتنياهو سلبا على معركة الاستحقاق الرئاسي القادم في الولايات المتحدة. وإدارة بايدن التي وظفت حق النقض (الفيتو) منذ بدء الحرب لصالح إسرائيل وتعاملت بمنطق التغاضي والتجاهل للعشرات من التقارير التي أكدت تنفيذ إسرائيل ضربات عشوائية في محاور عديدة شمال القطاع، لن تكون حريصة على سلامة المدنيين بقدر حرصها على ألاّ يتسبب نتنياهو بانتكاسة جديدة لشعبية بايدن تخلط الأوراق وتقدم نقطة جديدة لصالح منافسه دونالد ترامب.

رغم ما تشكله الخطة الإسرائيلية من تداعيات على معاهدة السلام المبرمة مع مصر في عام 1979، إلا أن نتنياهو يجد في خطة اجتياح رفح فرصة ثمينة قد لا تتكرر، وسيتم الترويج على أنها تصحيح لأخطاء رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون وخطته الأحادية لفك الارتباط التي لم تراع التبعات السلبية للفراغ الأمني، وهو ما تدفع إسرائيل ثمنه اليوم. الإصرار على تنفيذ الخطة لا يندرج ضمن هدف القضاء على حماس بقدر ما يركز على وضع قطاع غزة بين فكي كماشة أمنية إسرائيلية، ستضمن الإشراف والسيطرة على معبر رفح وبوابة صلاح الدين وخلق وضع شبيه بوضع الضفة الغربية.

إسرائيل أطلعت مصر على خطة بالمناطق التي ستستهدفها في رفح في محاولة لتهدئة الموقف المصري قبل تنفيذ خطة الاجتياح، ومع ذلك لا تجد تجاوبا إيجابيا مع تلك التطمينات. وليس مستبعدا أن تلجأ القاهرة إلى تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل في حال تنفيذ الخطة لما لها من تأثير مباشر على أمنها القومي، ما يعني أيضا أنها ستنسحب من الوساطة القائمة في ملف الأسرى، وبالتالي فإن سيناريو استمرار الحرب لأشهر طويلة بات الأقرب.

من جانب الآخر قد تكون مصر عرضة للابتزاز الأميركي إذا ما تم الحديث عن تعليق المساعدات العسكرية السنوية والتي تقدر بـ1.3 مليار دولار أميركي، لكن هذا الأمر سيكون دافعا قويا لتوجه مصر بكل ثقلها نحو الشرق، ما يعني أن الإدارة الأميركية قد تخاطر بفقدان شريك قوي في المنطقة من أجل خطة تقودها حكومة إسرائيلية تجهز على آخر ما تبقى من عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.

8