اتفاقات السلام توفر لدول الخليج فرصة لمواجهة التهديد السيبراني

تدفع اتفاقات “أبراهام” نحو بلورة رؤية خليجية جديدة لمواجهة التهديدات السيبرانية من خلال التعاون المثمر مع إسرائيل، والتي قد تجعل دول المنطقة قوى مؤثرة وفاعلة، فتعيد رسم ملامح المشهد الأمني والسياسة الخارجية للخليج وللمنطقة بشكل عام، في واحدة من المراحل الحساسة في تاريخها.
لندن – شهدت منطقة الخليج العربي خلال العقد الماضي، عدة تغييرات تبلورت بشكل أوضح في الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان اهتمامه منصبّا على المضي قدما في تنفيذ “صفقة القرن” على الأرض، حيث توجت بعقد اتفاقات سلام بين أربع دول عربية وإسرائيل حتى الآن.
ولأن الهدف الأساسي من هذه الاتفاقات هو نشر السلام في المنطقة مع إرساء أسس حل عادل وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنه يوفر فرصة مهمة لدول الخليج العربي على وجه التحديد للاستفادة من الخبرات المتطورة لإسرائيل في مجال مكافحة التهديدات السيبرانية وخاصة تلك القادمة مع عدوّهم المشترك إيران.
والمجال السيبراني هو مجال يمكن لإسرائيل من خلاله تحسين علاقاتها الدبلوماسية مع دول الخليج ويتم تشجيع هذا التعاون السيبراني أولا في القطاع الخاص من خلال الشركات الإسرائيلية والخليجية والمشاريع المشتركة. ومع ذلك، يمكن ربط هذه الشركات بمصالح دول الخليج وتشجيعها على الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل في نظام بيئي أكثر تكاملا.
وبفضل استراتيجيات حكومات الخليج العربي باتت المنطقة رقمية بشكل متزايد وتم تنفيذ مشاريع مستقبلية في شبه الجزيرة، وغيرت بنيتها الأمنية وتستخدم التقنيات الحديثة للدخول في حقبة مفصلية لاقتصاداتها، مع بناء المدن الحديثة مثل مشروع نيوم السعودية أو المدن الذكية الإماراتية والبحرينية.
ومع ذلك، فإن ظهور هذه القدرات الإلكترونية والرقمية فتح ثغرات جديدة ولم تتمكن دول الخليج حتى الآن من تطوير نظام شامل للأمن السيبراني لحماية الهياكل الحكومية والمرافق الحيوية والشركات والأفراد من مثل هذه التهديدات.
ووفقا لمعهد بوتوماك للدراسات السياسية فإن السعودية لا تزال غير مستعدة بشكل كاف حتى اليوم في جميع العناصر الأساسية للجاهزية الإلكترونية، حيث يوفر تقييم الجاهزية الإلكترونية 2.0 بعض الأفكار لفهم الفجوات في الأمن السيبراني السعودي.
ويعتقد كريستيان ألكسندر، وهو مستشار في مؤسسة تحليلات دول الخليج، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية ومقرها واشنطن، أن الاستراتيجية الوطنية السعودية لأمن المعلومات فشلت في تقديم إرشادات محددة وبنية متسقة للأمن السيبراني.
وأوضح ألكسندر في تحليل نشرته مجلة “موديرن دبلوماسي” الأوروبية أنه في الكثير من الأحيان تقوم العديد من الوزارات والشركات والكيانات الأخرى بتطوير استراتيجياتها الإلكترونية الخاصة بها بشكل مستقل ما يؤدي إلى خلق فجوات مهمة في الأمن السيبراني الوطني.
وعلاوة على ذلك، ومع أزمة فايروس كورونا فقد ازدادت هذه التهديدات مع تكاثر هجمات التصيد الاحتيالي والبرامج الضارة، وفي مثل هذه البيئة، يرى ألكسندر أن دول الخليج تحتاج إلى شركاء ذوي خبرة لتعزيز أنظمتها للأمن السيبراني.
وتعد إسرائيل هي الدولة الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط من حيث الأمن السيبراني، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني الإماراتية دارك ماتر، فمنذ العام 2010، تشجع الحكومة الإسرائيلية بشكل خاص على تطوير نظام بيئي إلكتروني متكامل لمواجهة التهديدات الخارجية.
واستثمرت إسرائيل بشكل كبير في رأس المال الاستثماري لبرامج البحث والتطوير عالية المخاطر، كما طورت قدراتها السيبرانية بين مؤسساتها في المجال المدني، التي تشكل نظامًا بيئيًا إلكترونيًا متكاملًا. وعلى سبيل المثال، يشتمل مجمع التقنيات المتقدمة في مدينة بئر السبع أكثر شركات الأمن السيبراني ديناميكية مع الهياكل الإلكترونية العامة.
ويمكن العثور على العديد من الشركات متعددة الجنسيات هناك، مثل أوراسل وديل وآي.بي.أم ودوتشه تيلكوم مع مراكز البحث والتطوير الخاصة بهم جنبًا إلى جنب مع المعهد القومي للبحوث الإلكترونية والاستجابة الوطنية للطوارئ والهيئة الوطنية للأمن السيبراني وجامعة بن غوريون وغيرها.
ونظرا إلى أن إسرائيل تعد حالة فريدة في ما يتعلق بتدريس الأمن السيبراني منذ المراحل المتوسطة، بحسب المحللين، فإن ذلك شجع على الظهور المستمر للخبراء في هذا المجال، كما تقدم معظم الجامعات الإسرائيلية شهادات متعلقة بهذا المجال.
ووفقا للدكتور ليور تابانسكي، المؤلف المشارك لكتاب “الأمن السيبراني في إسرائيل” ورئيس تطوير الأبحاث في مركز بلافاتنيك متعدد التخصصات للأبحاث السيبرانية في جامعة تل أبيب، فإن إسرائيل هي قوة إلكترونية ويرجع ذلك أساسا إلى أن العديد من شركاتها التكنولوجية تعمل وتدار من قبل عسكريين سابقين.
وعملت وزارة الدفاع كنوع من حاضنة للمواهب السيبرانية وهناك روابط وثيقة بين قطاع الأمن السيبراني والجيش فغالبًا ما يتعرض الجنود أثناء خدمتهم العسكرية الإلزامية في وحدات التكنولوجيا للتهديدات الإلكترونية في العالم الحقيقي، وقد طوّروا حلولا تُرجمت بعد ذلك في وظائف القطاع الخاص.
ومن الناحية النظرية، يمكن لهذه الخبرة في الاستخبارات والحرب الإلكترونية أن تخفف من نقاط الضعف في دول الخليج التي تتوق إلى التعاون، ومع الاتفاقيات التي تمّ إبرامها مع الإمارات والبحرين، أصبح التزام إسرائيل بتطوير العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الخليج واضحا. ومع ذلك، فإن التعاون في مجال الأمن السيبراني يفتح نوافذ جديدة للدول المعنية.
وتقول إسرائيل ودول الخليج إن تعاونهما يهدف إلى صدّ التهديدات الإيرانية في الفضاء السيبراني بسبب السياق الجيوسياسي الحالي والصعوبات المالية في دعم شبكة الإنترنت، لكن من المؤكد أن دول المنطقة ستتعلم من الخبرة الإسرائيلية لتعزيز قدراتها التقنية الخاصة بالأمن السيبراني.
وقد طوّرت إيران قدراتها السيبرانية الخاصة بها منذ هجوم ستاكنت في العام 2011، وخلال العقد التالي، ردت على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. كما بتحسين أنظمة الأمن السيبراني، استهدف المتسللون الإيرانيون بشكل متزايد دول الخليج الأقل حماية.