ابتزاز تركي وانصياع إخواني للضغط على النظام المصري

أنقرة تعود تدريجيا إلى توظيف الإخوان للحصول على تنازلات من القاهرة.
الخميس 2022/11/03
الإخوان يخططون لتظاهرات تشوّش على قمة المناخ

عادت تركيا لتوظيف ملف الإخوان ضد مصر خدمة لمصالحها في المنطقة، عبر صمتها عن تحركاتهم ودعمها لجبهات إخوانية ناشئة، وهو ما شجع الإخوان على التجند استعدادا لضرب قمة المناخ التي ستنعقد في مصر في وقت لاحق من هذا الشهر، وكل أملهم التأكيد للعالم أنهم لا يزالون فاعلين ضمن المعادلة السياسية في القاهرة ولهم القدرة على التأثير فيها.

القاهرة - أثبت تزامن إطلاق كيان إخواني تحتضنه تركيا مع دعوات تظاهر في مصر عودة العلاقات السياسية بين القاهرة وأنقرة إلى مرحلة متدنية بسبب خلافات حول ملفات عديدة وتصميم النظام التركي على توظيف ورقة الإسلام السياسي إلى أقصى مدى وفقا لما تقتضيه مصلحته.

وأعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام عدم استئناف المباحثات -المتوقفة منذ شهور- مع تركيا، الأمر الذي جاء لاحقا للإعلان عن تدشين جبهة داخل جماعة الإخوان تعيد تنظيم صفوفها وتستعد لمعاودة نشاط يشمل الحشد للتظاهر وتشكيل خلايا مسلحة لحماية ما يسمى بـ”الحراك الثوري”.

وخيبت عملية إلقاء السلطات التركية القبض على الإعلامي القريب من الإخوان حسام الغمري ثم إطلاق سراحه، على ذمة قضية تتعلق بالحضّ على الإرهاب، آمال دوائر مصرية راهنت على أن تقوم أنقرة بتسليم الغمري كعربون لصدق نواياها تجاه إبداء المزيد من المرونة في ملف الإخوان، وعادت الدوائر نفسها تتحدث عن احتمال حدوث توتر قريبا.

وتشير دعوات للتظاهر بمصر في الحادي عشر من نوفمبر الجاري، أطلقتها جبهة تيار التغيير الإخوانية التي تتخذ من تركيا مقرًا لها، بالتزامن مع استضافة مصر لقمة المناخ العالمية إلى أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة مقبلة على شتاء ساخن هذا العام.

خلاف بلا نهاية

بينما تسلط جماعة الإخوان الضوء على السلبيات يحرص النظام المصري على مقاومة الضغوط الخارجية للحفاظ على المكاسب الحقيقية
بينما تسلط جماعة الإخوان الضوء على السلبيات يحرص النظام المصري على مقاومة الضغوط الخارجية للحفاظ على المكاسب الحقيقية

كشف تسلسل الأحداث أن أنقرة لم تتوقف عن توظيف علاقتها بجماعة الإخوان، وتعلم أن حاجتها إلى هذه الورقة كبيرة في سياق انخراطها في صراع ممتد على النفوذ والثروة في المنطقة، يحثها على امتلاك الكثير من أدوات الابتزاز والضغط -كلما أرادت- على مصر.

وظلت ورقة جبهة الكماليين (نسبة إلى القيادي الإخواني الراحل محمد كمال)، التي تعتنق النهج القطبي الأكثر تشددًا داخل الإخوان، تحت نظر الأجهزة التركية، ومنحتها مؤخرا الحرية الضامنة لإطلاق ما يسمى بـ”تيار التغيير” من أجل إعادة بناء نفسها خلال السنوات الماضية لإدراكها أنها تحتاج إليها إذا استدعت الحاجة لتوظيف ورقة الإخوان من جديد.

وسبق الاجتماع الأخير لمجموعة الكماليين التي تبنت الدعوة علانية للتظاهر في مصر وعقدته بأحد فنادق إسطنبول وأصدرت وثيقتها التأسيسية، سماح تركيا على مراحل متفاوتة بانتقال قادة وعناصر ناشطة فيها من عدد من الدول -خاصة السودان- إلى تركيا، من بينهم محمد منتصر أحد أنشط قادتها ومتحدث سابق باسم جماعة الإخوان.

ويرجع اهتمام أنقرة بهذه الجبهة وحرصها على احتضانها إلى اعتناقها منهج منظّر جماعة الإخوان المتطرف ومنهج غالبية الجماعات الجهادية التي تحتل مكانة مرموقة لدى العديد من مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم.

النظام التركي الذي يجيد اللعب بالإخوان في الأوقات التي تناسب طبيعة كل جبهة قرر اللعب هذه المرة بجبهة الكماليين

وتُعد المجموعة التي أسسها وقادها القيادي الإخواني محمد كمال هي الجاهزة حركيًا وفكريًا للقيام بمهمات ميدانية على الأرض، مثل الحشد للتظاهر، وهو ما يمنح النظام التركي أداة ضغط مهمة على النظام المصري عبر التلويح بإثارة القلاقل والاضطرابات وتثوير الشارع.

وطبقت جبهة الكماليين فعليًا هذا النهج بداية من يناير 2015 بعدما جرى تصعيد قادتها ليتولوا مقاليد الجماعة من خلال ما أسموه بـ”تطوير العمل الثوري” كي لا يقتصر على مجرد تسيير مظاهرات من السهل فضها.

وقاد هذا النهج إلى ممارسات العنف وقطع الطرق وتنفيذ هجمات على المرافق العامة وتشكيل اللجان النوعية المسلحة من شباب منتمين إلى الإخوان والتيار السلفي، تحت عنوان العقاب الثوري، وجبهة المقاومة الشعبية ضد “الانقلاب”.

وتندرج إعادة هذا النشاط، عبر احتضان الكماليين وتمكينهم من تنظيم صفوفهم ولم شمل قادتهم وعناصرهم النشطة وصولًا إلى إطلاقهم دعوات التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر، في سياق التحولات الجارية في الملفات الإقليمية، خاصة إثر ظهور بوادر فشل إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر بعد سنوات من القطيعة.

وبدا أن النظام التركي الذي يجيد اللعب بجبهات الإخوان المختلفة في الأوقات التي تناسب طبيعة كل جبهة قرر اللعب هذه المرة بجبهة الكماليين بعد سنوات من تقييد نشاطها دون حظره إثر إعلان مصر واليونان في اجتماع مشترك لوزيري خارجية البلدين رفضهما لاتفاقية الغاز والنفط التي وقعتها أنقرة مع حكومة عبدالحميد الدبيبة.

وظلت أنقرة تناور بجبهات أخرى داخل جماعة الإخوان عبر مراحل سير المفاوضات مع القاهرة لإعادة تعويم الجماعة وتدويرها في المشهد المصري بهدف اختراقه وتشكيل كيان موال لها داخله، وهو ما تصدت له القاهرة على الرغم من حجم التنازلات التي طرحها قادة الإخوان على لسان القياديين إبراهيم منير ويوسف ندا وغيرهما.

ومنحت الأجهزة التركية جبهة الكماليين الضوء الأخضر أخيرًا نظرًا لعجزها عن توظيف جبهات الإخوان الداعية إلى الحوار وتقديم تنازلات، وحاجتها إلى أداة أقوى وأكثر تأثيرًا في مواجهة النظام المصري.

كما تتحفظ القاهرة على احتضان تركيا لأعضاء وقادة بارزين في جماعة الإخوان المصنفة قضائيًا جماعة إرهابية، ومن ضمنهم عناصر تحضّ على العنف والاضطرابات داخل مصر.

ولم تنخدع الحكومة المصرية بالخطوات التي اتخذتها أنقرة ضد بعض الإعلاميين المحسوبين على جماعة الإخوان وغلق مقرات قنواتها داخل تركيا، وإن أبدت حينها رضاها بهذا التطور.

وفي الوقت الذي قامت فيه أنقرة بترحيل بعض الإعلاميين وشددت قيودها على مواقع التواصل التابعة للإخوان كانت ترفض وتماطل في مطالب القاهرة المتعلقة بتسليم عناصر خطيرة لا تزال تزاول نشاطا حركيا يتضمن التخطيط لاستغلال الأزمة الاقتصادية في دفع المصريين إلى القيام بثورة.

ولا تمارس هذه العناصر نشاطها فقط من خلال الإعلام إنما أيضًا عبر حساباتها الخاصة على المنصات، ومن بينها حسام الغمري ومحمود فتحي.

حشد إعلامي

hgYo;hk

خلال فترة قصيرة افتتحت الجماعة فضائية بديلة اسمها “الشعوب” ثم “الحرية 11/11” حتى لا تفقد سلاحها الدعائي الذي يعتمد على جهود مذيعين اكتفت أنقرة بوقف نشاطهم على أراضيها رافضة تسليمهم للقاهرة.

واقتصر التحرك التركي على إيقاف برنامج حسام الغمري الذي كان يبث على فضائية “الشرق” الإخوانية، بعدما أُطلقت دعوات التظاهر. وبعثت هذه المناورات رسالة إلى القاهرة مؤداها أن ورقة جماعة الإخوان بحوزة تركيا وبمقدورها اللعب بها في الوقت المناسب.

ولا تملك جماعة الإخوان سوى تجريب حظها هذه المرة بعد أن فشلت دعواتها للتظاهر من قبل، مراهنة على استغلال معاناة الناس من ارتفاع أسعار السلع والظروف المعيشية الصعبة المرتبطة بالأزمة الاقتصادية.

وأظهرت التطورات الأخيرة التخبط والتناقض داخل الجماعة التي جعلتها أزمتها المركبة تأتي بالشيء ونقيضه، ففي الوقت الذي تعرض فيه الحوار والمصالحة تدعو إلى التظاهر وتحض على القيام بثورة.

وفي حين يزعم بعض قادة الجماعة التخلي عن الصراع على السلطة وعدم الخوض في الشأن السياسي، ترهن جماعة الإخوان طاقاتها ومنابرها بهدف حشد قطاع من المواطنين للاحتجاج ضد ما  وصفته  بالغلاءالفاحش.

ويرجع ذلك إلى ارتهان الجماعة لخدمة مصالح تركيا التي تقتضي في بعض الأحيان إبداء مرونة وتقديم تنازلات لمصر، وفي أحيان أخرى يلزمها التلويح بورقة الفوضى وإحداث الاضطرابات في حال تعثر المفاوضات.

وترغب جماعة الإخوان في استغلال اهتمام وسائل الإعلام العالمية بحدث انعقاد قمة المناخ في مصر كي تثبت للقوى الدولية أنها لا تزال حاضرة في المشهد المصري ويمكنها التأثير فيه، ولو من خلال تجمعات صغيرة من الموالين لها يتم تضخيمها والمبالغة في أعداد المشاركين فيها.

جماعة الإخوان ترغب في استغلال الاهتمام بقمة المناخ في مصر كي تثبت أنها لا تزال حاضرة في المشهد المصري

وأصبحت جماعة الإخوان خارج المشهد السياسي في مصر منذ أعوام وتعاني من عزوف شعبي واضح، لذلك تتشبث بورقتها الأخيرة لعل بعض الناقمين على ارتفاع الأسعار يستجيبون فتلتقطهم عدسات مصوري فعاليات قمة المناخ.

ويخدم هذا النشاط مختلف الجبهات داخل جماعة الإخوان على الرغم من التنافس بينها، حيث يتصور قادتها أن ما لم يحصلوا عليه بدعوات الحوار والمصالحة قد ينالونه بالحضّ على التظاهر والعنف وفقًا لتكتيكات تبادل الأدوار التي تتبعها الجماعة منذ نشأتها.

وعلى الرغم من التفاعل مع دعوات التظاهر التي أطلقتها جماعة الإخوان عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال حسابات مجهولة وأخرى تقيم خارج مصر، ونتيجة لنشاط المنصات الإعلامية الإخوانية، فإنها تفتقر إلى الفاعلية والزخم على الأرض وفي الشارع المصري.

وبات أغلب المصريين ضد مبدأ القيام بثورة لتغيير النظام السياسي بالنظر إلى الخبرة التي اكتسبوها على مدار أكثر من عقد، ويجدون أن الأولوية الملحة في حقبة ما بعد الثورات هي عدم الالتحاق بركب الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة والحفاظ على كيان الدولة وتماسك المجتمع.

ويزيد من دواعي إحجام المصريين عن التجاوب مع دعوات الخروج للتظاهر أن الداعين إلى ذلك هم قادة الإخوان الذين كانوا أحد أسباب فشل ثورات الربيع وانحرافها باتجاه الفوضى وانهيار مؤسسات الدول والصراعات المسلحة التي أدت إلى قتل وتشريد الملايين في دول الجوار العربي.

وفي الوقت الذي تسلط فيه جماعة الإخوان الضوء على السلبيات وتتجاهل الإنجازات التي تحققت يحرص النظام المصري على مقاومة الضغوط الخارجية للحفاظ على المكاسب الحقيقية التي تحققت في الأعوام الماضية.

وبمعزل عن مطامع جماعة الإخوان وداعميها، يرى مصريون أنهم حققوا إنجازين كبيرين، الأول متعلق بصد مخطط إشعال المنطقة وتقسيمها بعد 2011، والثاني إنقاذ مصر من العيش تحت سيف التنظيمات السلفية والإخوانية وفكرها الرجعي في يونيو 2013.

وبعد سنوات من البناء على هذين الإنجازين ودفع فواتير الإصلاح الاقتصادي والتضحيات التي قُدمت لحفظ الأمن والاستقرار ينظر مصريون إلى دعوات قادة الإخوان المدعومة في الخفاء من تركيا على أنها خدعة لإنقاذ أنفسهم ومصالحهم بعد أن باتت معركتهم مع القاهرة صفرية.

7