إيطاليا تحاول إنقاذ أطفال المافيا من عالم الجريمة المنظمة

البرنامج القضائي يصبح بروتوكولا لمكافحة المافيا أقرته الحكومة الإيطالية واستفاد منه حتى الآن أكثر من 80 قاصرا.
الجمعة 2021/01/15
مشروع اقترحه القضاء وباركته الحكومة

شينكوفروندي (إيطاليا) – طلبت لوتشيا من توأميها اللذين يبلغان ست سنوات ركوب السيارة بسرعة وصمت في سواد الليل، وفقط عندما أصبحوا جميعا في الطائرة التي نقلتهم من كالابريا إلى وجهة سرّية في شمال إيطاليا، بدأت الأم تشعر بالتحرر من زوجها وعائلته وهم أعضاء في مافيا نافذة.

وقالت “أدركت أن تغيير الحي أو التنقل المتكرر لن يكون كافيا، فكان علينا الهروب من كل ما يمتّ إلى هذا العالم بصلة، ومن هذه العقلية”.

ورحلة الهروب هذه التي تم تنظيمها من بلدة شينكوفروندي الصغيرة وهي مجرد واحدة من بين العشرات من العمليات التي نفذت منذ العام 2012 لإبعاد الأبناء وأحيانا أمهاتهم أيضا، عن عائلات تنتمي إلى مافيا ندرانغيتا، أكثر المافيات الإيطالية نفوذا.

ويهدف هذا المشروع الرائد الذي أطلقه قاضي الأحداث روبرتو دي بيلا إلى منع الأبناء من السير على خطى آبائهم في عالم الجريمة المنظمة.

وتمت إدانة زوج لوتشيا وشقيقه وحماتها بجرائم مافياوية ووالد زوجها بتهمة القتل العمد. وأطلق سراح لوتشيا بكفالة في انتظار نتيجة استئناف لحكم إدانتها بتعاونها مع المافيا.

وأضافت لوتشيا (36 عاما)، التي تم تغيير اسمها الأول لحمايتها في شهادة مكتوبة، “لو حكم عليّ بالسجن، كنت سأضطر إلى ترك أطفالي مع عائلة زوجي، وقد أرعبتني الفكرة. كان عليّ أن أمنع حدوث ذلك!”.

ورغم الانتقادات، أصبح هذا البرنامج القضائي بروتوكولا لمكافحة المافيا أقرته الحكومة الإيطالية واستفاد منه حتى الآن أكثر من 80 قاصرا.

ويعتقد دي بيلا أنه من الممكن تطوير البرنامج في إيطاليا والخارج أيضا لمنع الأطفال من الوقوع فريسة للجماعات الإجرامية. حتى أن البعض يراه كأداة محتملة لمنع انضمام القصّر إلى منظمات دينية متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية.

وتستند ندرانغيتا، التي يحاكم المئات من أعضائها هذا الأسبوع في كالابريا، قبل كل شيء إلى روابط الدم وليس إلى التجنيد على أساس الجدارة كما هو الحال في المافيات الأخرى.

ويهدف برنامج “ليبيري دي شيلييري” (حرية الاختيار) إلى كسر هذه الدورة من التكاثر بين الأجيال.

Thumbnail

وأوضح القاضي أن “الأطفال الذين يحملون أسماء عائلات مرتبطة بالمافيا محكوم عليهم بمصير لا يمكنهم الهروب منه: الموت أو السجن”.

وتجني عصابة ندرانغيتا التي تملك نفوذا في القارات الخمس، المليارات من اليوروهات من خلال نشاطات غير قانونية مختلفة مثل تهريب الكوكايين. ورغم أن وجودها يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنه لم يتم تصنيفها رسميا على أنها مافيا حتى العام 2010.

وقال دي بيلا إن “الأطفال يعيشون ثقافة المافيا ويتنفسونها من المهد: ثقافة السيطرة والعنف (..) بما في ذلك ضد أقاربهم إذا كانوا يخاطرون بخرق ميثاق الشرف”.

ولاحظت روسيلا مارزولو، الخبيرة في العلوم التربوية في جامعة ريجو كالابريا، أن لهذه العقلية “قوة إغواء شاذة على المراهقين”.

وفي إطار هذا البرنامج يمكن للمحاكم أن تأمر بتلقي الجناة الجدد المنتمين إلى المافيا جلسات علاج نفسي ودروس في التربية المدنية ودعم الخدمات الاجتماعية.

وإذا لزم الأمر يمكن وضعهم مؤقتا في بيوت استضافة من أجل أن يكونوا في مأمن من الأخطار المباشرة مثل حيازة الأسلحة أو المخدرات.

وإذا لم يكن ذلك كافيا، يمكن للمحكمة أن تذهب إلى أبعد من ذلك بمساعدة جمعية “ليبرا” المناهضة للمافيا والكنيسة الكاثوليكية، ليتم إخراج الأحداث من كالابريا وإرسالهم ليكونوا تحت رعاية أسر مضيفة حتى يبلغوا سن الرشد.

ولا خيار أمام عائلاتهم، حيث تأتي الشرطة والخدمات الاجتماعية إلى منازلهم دون سابق إنذار لتولي أمور الأولاد المعنيين.

ولم تكن مغادرة شينكوفروندي سهلة بالنسبة إلى أورورا (12 عاما)، ابنة عضو مدان في إحدى المافيات تم أخذها من عائلتها بعدما انضمت والدتها إلى والدها خلف القضبان.

وقالت “بكيت طوال الرحلة. أردت أن أعرف ما الخطأ الذي فعلته! كنت خائفة”.

Thumbnail

وأورورا التي تم تغيير اسمها، عانت مدة طويلة من كوابيس مع صور “الموت والأسلحة ومشاهد الحرب التي كان عليها أن تنجو منها أو أن تنقذ أحد أفراد أسرتها”، وفق ما روى أحد أفراد عائلتها في رسالة عبر البريد الإلكتروني.

وقالت أورورا، التي قطعت اتصالاتها بوالدها منذ ثلاث سنوات، “إنه أناني. يحبّ حياته كمجرم وقد أمضى 90 في المئة من حياته خلف القضبان مثل حيوان في حديقة حيوانات. لقد دمّر حياة والدتي وكذلك حياة بقية أفراد الأسرة”.

وطعن بعض الآباء في قرار المحكمة بأخذ أطفالهم بعيدا، لكن في معظم الأحيان كانت الطعون بلا جدوى. لكن بالنسبة إلى الأمهات اللواتي يشعرن بالقلق على مستقبل أطفالهن، قد يمثل ذلك في النهاية شرخا في درع ندرانغيتا.

وأخبر دي بيلا كيف كانت تتصل به سرا “أرامل بِيض”، وهن شابات تزوّجن قسرا رجالا لم يلتقين بهم من قبل وانتهى بهم المطاف في السجن أو هاربين.

وقال القاضي إن “الرجال يعرفون أن قوة النظام برمته تعتمد على إذعان المرأة. وإذا تم التشكيك في ذلك، فإن قوة ندرانغيتا تتزعزع”. وبحسب ميثاق الشرف “على الزوجات اللواتي يتركن عائلاتهن أن يدفعن حياتهن ثمن ذلك”.

وأشار القاضي جوزيبي سبادارو الذي عمل لسنوات في كالابريا، إلى أن “الأولاد في جماعات المافيا ينشأون تماما مثل جنود تنظيم الدولة الإسلامية، إذ يخضعون لغسيل دماغ ويخضعون أيضا للتدريب العسكري كل يوم”.

20