إيران وإسرائيل.. هل يتحول الصراع منخفض الحدة إلى مواجهة مفتوحة

الصراع اللامتناهي بين إيران وإسرائيل يمكن أن يتحول إلى مواجهة مفتوحة تحاول تل أبيب من خلالها إحباط طموحات طهران النووية.
الاثنين 2020/12/07
لا محرمات في الحرب

لا تترك إسرائيل أيّ وسيلة تمكّنها من الحصول على معلومات تكنولوجية وعسكرية من حليفتها الولايات المتحدة، وفي ضوء ذلك فإن الحرب “منخفضة الحدة” التي أعلنتها تل أبيب بشكل غير رسمي على طهران في العام 2003 كانت لها نتائجها، وقد تتحول اليوم إلى مواجهة مفتوحة في الكواليس أكثر مما هو متوقع وربما لن تصل إلى حرب مباشرة كما يعتقد البعض.

لندن- بقدر ما تلقي حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة قبل أيام، في عملية تشير إلى بصمة جهاز الموساد الإسرائيلي بأنها أسلوب قديم تم اتباعه لردع طهران عن سياسات الاستفزاز النووي وردعها عن امتلاك سلاح نووي، بقدر ما تكشف أن أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية عاجزة عن تتبع ما يحدث على الأراضي الإيرانية.

ورغم أن حياة فخري زادة كانت في الظل، فقد حددته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2011 على أنه رئيس برنامج “آماد”، وهي خطة طويلة المدى نظمتها طهران قبل عشرين عاما، بهدف تحويل إيران إلى قوة نووية كاملة.

ويبدو أن هذا ليس مهما الآن إذا ما تم تقليب الصفحات القديمة في الصراع الخفي بين إيران وإسرائيل منذ سنوات طويلة، فقد اهتم الباحث الإيطالي والمتخصص في الشؤون الدولية جيانكارلو إليا فالوري بتتبع خيوط هذا التوتر اللامتناهي، مشيرا إلى إمكانية تحوله إلى مواجهة مفتوحة.

ويرى فالوري في تحليل نشر على موقع “موديرن دبلوماسي”، الأوروبي المتخصص في تناول ملفات السياسة الدولية أن هناك شواهد تظهر أن احتمال تطور التوتر بين إسرائيل وإيران وارد، ولكن ذلك سيحصل حين النظر إلى عوامل أساسية أشارت إليها الدوائر السياسية والاستخباراتية في تل أبيب.

جيانكارلو إليا فالوري: إسرائيل لديها ثلاث خطط لكنها اختارت خيار ردع إيران
جيانكارلو إليا فالوري: إسرائيل لديها ثلاث خطط لكنها اختارت خيار ردع إيران

وهذا الطرح يأتي مخالفا للكثير من الأطروحات، التي تقول إن إيران لن ترد الفعل حاليا لأكثر من سبب؛ أولا، إنها تنتظر السياسة الأميركية للرئيس المنتخب جو بايدن، وثانيا ربما يتحين المحافظون الذين قد يقفون أمام خطط للإصلاحيين في إيران حول هذا الملف المعقد، الفرصة من أجل الرد على إسرائيل ولكن بأدواتها المعروفة.

كانت إسرائيل قد تعرفت على فخري زادة قبل وقت طويل من تقنيي الأمم المتحدة وتحديدا في مايو 2003، فقد كشف نائب مدير الموساد، تامير باردو، لمديره، مئير داغان، ومديري عمليات المخابرات الإسرائيلية حينها عن أسرار، برنامج سري للغاية لوقف خطة “آماد”، المتمثلة في برنامج جاء نتيجة لأربعة أشهر من التجسس في إيران، بهدف إفشال مشاريعها النووية.

وبحسب مصادر إسرائيلية، أوجز باردو اقتراحه الاستراتيجي بالقول “في هذه الحالة، أمام إسرائيل ثلاثة خيارات: أولا، قهر إيران، ثانيا، تغيير النظام، وثالثا، إقناع السياسيين الإيرانيين بأن الثمن، الذي سيدفعونه لمواصلة البرنامج النووي سيكون باهظا لدرجة أنه من الأفضل لهم إيقافه”.

واعتبر فالوري أنه بما أن كلا الخيارين الأول والثاني كانا غير واقعيين بشكل واضح، فقد شنت الحكومة الإسرائيلية “حربا منخفضة الحدة” ضد نظام آية الله على خامئني بهدف تحقيق الخيار الثالث.

وإلى جانب الإجراءات السياسية والدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق العزلة الدولية للنظام الإيراني، عهدت إسرائيل إلى الموساد بمهمة دعم أنشطة الأقليات الإيرانية مثل الأكراد والجماعات المنظمة والمناهضة للنظام مثل مجاهدي خلق، وكذلك البدء في خطط لتخريب إنتاج المواد الانشطارية.

وقبل كل شيء، تم السماح بالقتل المستهدف والانتقائي لشخصيات رئيسية في برنامج آماد، وهم كبار العلماء في المشاريع النووية. وتمت مشاركة مشروع الموساد مع الولايات المتحدة، التي وافقت على اتخاذ كل من الجانب الدبلوماسي والسياسي من البرنامج وجزء كبير من تمويل مجموعات المعارضة لطهران.

وعلاوة على ذلك، خططت وكالة المخابرات المركزية والموساد معا لمجموعة واسعة من الهجمات الإلكترونية المصممة لتخريب تخصيب وإنتاج البلوتونيوم الإيراني.

وقد تم إطلاق عملية مشتركة تسمى “الألعاب الأولمبية”، والتي أدت إلى هجمات سيبرانية للأنظمة المحوسبة للمنشآت النووية الإيرانية بالفايروسات، مثل برنامج ستاكسنت، والتي أدت في العام 2009 إلى إيقاف جميع أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم.

ووضعت إسرائيل قائمة من 15 شخصية رئيسية في برنامج “آماد” ليتم التخلص منها، وابتعدت الولايات المتحدة عن الخطط لاستهداف العلماء الإيرانيين لأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.أي) كانت تخشى التورط في عمليات غير قانونية بشكل واضح.

ومع ذلك، وكما اعترف مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، مايكل هايدن، فإن استبعاد الفنيين يمكن أن يكون أداة أساسية لإحباط طموحات إيران النووية.

وخلال الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومي في يناير 2009، بحضور  أوباما آنذاك، قال هايدن حول المواد المخزنة في مختبرات نطنز “المسألة ليست كمية المواد الانشطارية، فلا توجد إلكترونات أو نيوترونات يمكن تحويلها لقنبلة نووية ما يبنونه هو المعرفة، وعندما تكون لديهم المعرفة فإنهم سيذهبون إلى مكان آخر لتخصيب اليورانيوم. هذه المعرفة مخزنة في أدمغة العلماء”.

غراف

ومع أن الولايات المتحدة ابتعدت عن عمليات القتل المستهدف للفنيين الإيرانيين، إلا أن الموساد لم يكن يقف على يديه. وكانت لهذه السلسلة التي لا هوادة فيها من عمليات القتل المستهدف، على ما يبدو، تأثيرات مختلفة على المجتمع العلمي الإيراني والسياسيين الإيرانيين.

وشعور العلماء النوويين الإيرانيين بأنهم هدف لاختراق تجسس لا يمكن إيقافه من الخارج، جعل أجهزة الأمن الإيرانية مرتبكة وتحد من جنون العظمة، مما أجبرها على خنق إجراءات الرقابة الداخلية التي غالبا ما شلت عملها.

لكن الاستراتيجية، التي تتبعها إسرائيل تجاه إيران، تحظى بدعم ولو أنه لم يكن علنيا من دول وازنة في الشرق الأوسط مثل الإمارات والبحرين وحتى السعودية ضمن روابط جديدة في سلسلة من التحالفات الإقليمية تحت “اتفاقيات أبراهام”، التي ينبغي أن تقنع إيران بالسعي إلى حل وسط سياسي مع نظرائها على حدودها وإسقاط مخططاتها المهيمنة على المنطقة.

7