إيران وإسرائيل.. الوجه والقفا

الأربعاء 2015/09/16

قضية الأحواز واحدة من القضايا الأكثر عدالة في التاريخ الإنساني، فهذا الشعب العربي المسلم قد وقع تحت قبضة الاحتلال الإيراني منذ أكثر من ثمانية عقود ولا يزال يعاني ويلات هذا الاحتلال، والأصعب من ذلك أن هذا الشعب، البالغ تعداده نحو عشرة ملايين عربي مسلم، قد تعرض – ولا يزال – لقطيعة متعمدة مع ماضيه وحاضره بعد أن سعت إيران إلى تقطيع أوصال علاقاته مع حواضنه القبلية الأصيلة في المنطقة العربية.

قد يجد البعض هنا غضاضة في تشبيه إيران بإسرائيل كحالة استعمارية، ولكني لا أجد حرجا على الإطلاق في ذلك، على الأقل من الناحية البحثية الصرفة، وإلا فليقل لي أحدهم ما الفارق من الناحية الموضوعية البحتة بين احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية؟

وما هو الفارق بين خطط التهجير وطمس الهوية التي تنفذها إسرائيل بإحكام في الأراضي الفلسطينية، وبين خطط إيران لطمس هوية شعب الأحواز منذ احتلاله في عام 1925؟

إنها الممارسات ذاتها التي مضى عليها الاستعمار في كل المناطق والبلاد التي استعمرها منذ بدايات التاريخ البشري، فليس هناك استعمار حميد واستعمار خبيث، ولا احتلال جيد واحتلال سيئ، ولكن البعض يخلطون الأوراق بزعم أن هذه دولة يهودية، وإيران دولة مسلمة فلا تجب المقارنة ولا يجوز التشبيه. في ما يذهب آخرون إلى أن على العرب تحرير القدس أولا من براثن الاحتلال الإسرائيلي على أن يتفرغوا بعد ذلك للمطالبة بحقوقهم في أراضيهم التي تحتلها إيران.

أرى أن هذا منطق جدلي أعوج بل وغـريب، والمبرر بحد ذاته ليس فـي مصلـحة إيران بل يدينها أكثر مما ينصفها، إذ لا يمكن أن تكون ممارسات الاحتلال والاعتداء على حقوق الآخرين، لاسيما من المسلمين، تنتمي، بأي شكل من الأشكال، إلى من يدعي الانتساب إلى أخلاق الإسلام والمسلمين.

فالحقيقة الحاضرة إذن من دون رتوش تجميلية هي أن إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة لجهة إلحاق الأذى بالعرب، ولديهما مصلحة مشتركة في تقطيع أوصال الدول العربية، وتشتيت شمل العرب والمسلمين السنة تحديدا.

إسرائيل احتلت الأراضي الفلسطينية واستولت على أجزاء من سوريا، وشنت حروب واعتداءات وحشية عدة، وارتكبت مجازر وجرائم عدة ضد شعوب عربية منذ أربعينات القرن العشرين، وإيران بدورها قامت بأفعال وارتكبت جرائم لا تقل بشاعة وقبحا، فقد أسهمت في تفتيت دول عربية عريقة مثل العراق وسوريا، وحاولت إشعال اليمن والزج به في دوامة الصراع الأهلي، في ما لا تزال تعبث بأمن لبنان، كما لا تتوانى عن العبث بأمن دول عربية أخرى مثل مملكة البحرين الشقيقة، التي لا تكف طهران عن تهديدها والتلويح بورقة الطائفية فيها، فضلا عن التربص بدول عربية أخرى، من دون اعتبار لحقوق الجوار أو لكون المملكة دولة ذات سيادة لا يحق لإيران، أو غيرها، التدخل في شؤونها بهذه الطريقة المرفوضة.

نقطة نظام أريد الإشارة إليها هنا، وهي أنه عندما تجرى مقارنات بين إيران وإسرائيل فهذا الأمر لا يعني بالضرورة أو بالتبعية تجميلا لوجه إسرائيل القبيح، بل هو في حقيقة الأمر كشف لوجه إيران الذي لا يقل قبحاً وتشوهاً، ولكنه يتدثر برداء الإسلام ومزاعم الدفاع عن المضطهدين والمظلومين من المسلمين، وهو ذات الرداء الذي تتدثر به – للأسف – جماعات الإرهاب وتنظيماته مثل “القاعدة” و”داعش” ووكلائهما وفروعهما التي ألحقت بالإسلام وصورته النمطية أبلغ تشويه وضرر في القرن العشرين. فاستحضار القبح الإسرائيلي إذن لا يعني تخفيفاً من وطأته، بل يعني بالأساس الإشارة إلى وجود قبح مساو له في ملفات أخرى ولكن بعض الناس يتغافلون.

عندما أدين ممارسات إيران في الأحواز أيضا فلا اتخذ منطلقاً طائفيا أو مذهبياً بالمرة، ولكني انتصر لشعب عربي سُلبت إرادته واغتصبت أراضيه، وأدين ممارسات الظلم والقمع والإقصاء والتهميش والتهجير القسري والتطهير العرقي والتمييز العنصري بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون، فجميعها ممارسات مرفوضة ومنبوذة وتستحق وقفة من العرب والمجتمع الدولي.

ما هو الحل؟ وأين المخرج من هذا المأزق العربي المعقد؟

أحد البدائل ينطلق من واقع إيران، وهي بالأساس دولة هشة من الناحية الديمغرافية ويمكن إيلامها ببساطة، وفتح ملف الأقليات المسكوت عنه فيها، والقيادة الإيرانية تدرك ذلك جيدا، لذلك تستخدم أشد أنواع القوة في التنكيل بأي معارضة داخلية، ويستخدم النظام الإيراني فزاعة الأزمات الخارجية منذ قيام الثورة عام 1979 للسيطرة على الداخل، وبناء حالة وهمية من الاصطفاف الشعبي وراء نظام يحمل بداخله عوامل فنائه، ولكنه ظل يواجه أثر هذه العوامل من خلال إثارة الأزمات وافتعال الصراعات، سواء مع ما يصفه دعائيا بـ“الشيطان الأكبر” أو مع الدول الإقليمية، فهو نظام يقتات على الأزمات التي تمثل بالنسبة إليه أنبوب الأوكسجين وإكسير الحياة الذي يطيل في عمره.

ما أريد قوله ببساطة إنه لا ينبغي الصمت على دور “البلطجي الإقليمي” الذي تتلبسه إيران في الوقت الراهن، فطهران لا تسعى كما يتصور البعض إلى استعادة دور “الشرطي الإقليمي” الذي كان منوطا بها خلال فترة حكم الشاه السابق، بل تسعى إلى إعادة صياغة دور جديد أقرب إلى البلطجة الإقليمية بهدف توسيع نفوذها وإخضاع دول الجوار لها مع ابتزاز القوى الدولية لعقد الصفقات معها.

أحد أهم أدوات التصدي للبلطجة الإقليمية الإيرانية يتمثل في استهداف نقاط ضعفها، وخوض اللعبة الإستراتيجية معها بالقواعد ذاتها التي تعتمد عليها، بحيث يتبدل الحال بالانتقال من مربع تلقي اللكمات إلى صيغة “عض إصبع” واضحة، وهنا تأتي أهمية توظيف معطيات إستراتيجية إيرانية تؤكد أن الأحواز تمثل بطن إيران الرخوة وخاصرتها، التي يمكن أن توجعها بشكل مؤلم لو تلقت ضربة مؤثرة فيها.

فالإعلام والفضائيات العربية التي تتلقف كل حادثة صغيرة شرقا وغربا لا تكاد تعرف قضية الأحواز وشعبها لها سبيلا، والجمهور العربي الذي بات ملما بكل صغيرة وكبيرة تحدث في العالم من حوله بفضل طوفان الفضائيات العربية، لا يعرف شيئا عن قضية الأحواز، وربما يستغرب الكثيرون اسمها فما بالنا بأنها قضية شعب عربي وقع في قبضة النسيان والظلم والاضطهاد والاحتلال الإيراني.

كاتب وباحث في القضايا السياسية – الإمارات العربية المتحدة

9