إيران تراهن على الطائفيين والطائفية في العراق

المشروع الإيراني يحاول أن يجد له طريقا مفتوحا للتسلل إلى أذهان البسطاء عبر بوابة الطائفة والمذهب، والحالة الأخطر هي التسلل المنظم إلى القطاعات العراقية للهيمنة على نُخب البلد المؤثرة في المجتمع.
الخميس 2025/01/23
عزف إيراني على وتر الطائفة والمذهب

استحضرتُ خبرا يقول إن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي أكد أن حلّ قوات الحشد الشعبي يهدف إلى تقوية الجماعات الإرهابية في المنطقة. ونقلت وكالة أنباء “خانه ملت” التابعة للبرلمان الإيراني عن عزيزي قوله خلال استقباله وفداً من زعماء العشائر العراقية بطهران “نحن نعارض أي تدخل من جانب دول من خارج المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة، في الشؤون الداخلية للعراق، ونعتبره مضراً بكل دول المنطقة.” وأكدت الوكالة أن عزيزي بحث مع الوفد العشائري أوضاع العراق والمنطقة.

وتشير الوكالة الإيرانية إلى سلسلة لقاءات أجراها الوفد العشائري مع أعضاء في لجنة الأمن القومي الإيراني، من بينهم نائب رئيس لجنة الأمن القومي، محمود نبويان.

انتهى الخبر، لكن السؤال الكبير الذي انطلق في عقولنا دون أن نجد له إجابة هو: ما علاقة هذه العشائر العراقية بالبرلمان الإيراني أو مسألة حلّ الحشد الشعبي؟ وما هو سر تجاوز إيران القنوات الحكومية والبروتوكولات المتعارف عليها بين الحكومات في المخاطبات الرسمية لتلجأ إلى العشائر؟ ثم ما هو الموقف الحكومي العراقي من هذا التدخل في شؤون البلد الداخلية؟ ألا يعتبر ذلك ضمن جرائم التخابر وإفشاء أسرار البلد إلى الغير؟ ماذا لو حدث العكس والتقت جماعات إيرانية بأحد أعضاء البرلمان العراقي لبحث مسألة في الداخل الإيراني؟ أما كان ذلك الفعل يعتبر من ضمن المحرمات أو الخطوط الحمراء لسياسة الولي الفقيه؟

من المرجح أن إيران أدركت أن مشروعها التوسعي في العراق قد شارف على نهايته، فبدأت تلجأ إلى كل الطرق من أجل تحييد المتغيرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، لأن إيران تدرك أن دمج الحشد مع القوات الأمنية أو محاولة تفكيكه يعنيان نهاية الطبقة السياسية الشيعية.

◄ محاولة إيران العزف على وتر الطائفية من خلال رسائلها بأن السلاح المنفلت إذا ما أصبح تحت سلطة الدولة فإن ذلك يُسقط من هيبة المذهب ونفوذه، لكنها دائما ما كانت واهمة في تقدير الشعب العراقي

ونحن بصدد تفكيك هذه التحركات وتبيان التفسيرات والتحليلات، لا يمكن إلا اختزالها بجواب واحد هو أن إيران ترفض بالقطع حلّ الحشد الشعبي حتى لو ذهبت بالعراق وشعبه إلى سيناريوهات غير محمودة العواقب.

في وقت سابق كشف النائب المستقل في البرلمان العراقي سجاد سالم عن وجود زيادة مفاجئة تصل إلى عشرات الآلاف في أعداد منتسبي هيئة الحشد الشعبي. وأضاف سالم أن أعداد منتسبي الحشد الشعبي في عام 2014 لم تتجاوز حوالي 60 ألف مقاتل عندما كانت الحرب طاحنة مع تنظيم داعش الإرهابي، وفجأة أصبحت أعدادهم أكثر من 236 ألف مقاتل بعد أن ارتفعت الموازنة المخصصة لهيئة الحشد من واحد تريليون دينار إلى ثلاثة تريليونات دينار، أي ما يعادل 3 مليارات دولار.

المشروع الإيراني يحاول أن يجد له طريقاً مفتوحاً للتسلل إلى أذهان البسطاء عبر بوابة الطائفة والمذهب، والحالة الأخطر هي التسلل المنظم إلى القطاعات العراقية للهيمنة على نُخب البلد المؤثرة في المجتمع العراقي عبر تجاوزه الخطوط الحكومية والبروتوكولات التي تحدد نوع العلاقات بين الدول. لكن العتب ليس على الجارة الشرقية، وإنما على من سمح لها بالتدخل في شؤونه الداخلية، وتلك هي المصيبة.

في مفردات المشهد السياسي، فإن نظام طهران لا يكترث بكل التقاليد والأعراف الدبلوماسية وغير الدبلوماسية حين تتهدد مصالحه الإستراتيجية ويتراجع أو يخفت سحر “لعبة المذهب”.

ما حصل من توظيف دور العشائر العراقية في البرنامج الاستهلاكي الإيراني ما هو إلا انتداب جديد يحاول فرض وصايته عبر إعادة استخدام أدوات الدين والمذهب بعد أن أصبحت هذه الأدوات منبوذة ومحتقرة من قبل أبناء الشعب العراقي الواحد، وتحاول إيران تكرار سيناريو الطائفية المقرف.

محاولة إيران العزف على وتر الطائفية من خلال رسائلها بأن السلاح المنفلت إذا ما أصبح تحت سلطة الدولة فإن ذلك يُسقط من هيبة المذهب ونفوذه، لكنها دائما ما كانت واهمة في تقدير الشعب العراقي، فالعراق يحكمه جميع العراقيين، ونقول جميعهم.

9