إنسان الشاشة المبتلى بخراب الأرض والاحتباس الحراري

شاشات السينما تقدم الديستوبيا الأرضية بأشكال وتحولات وصراعات مختلفة ومتبانية أغلبها ترسم مآلا مأساويا للإنسان.
الأحد 2021/09/05
الإبحار في ذكريات الماضي

لا تكاد تنتهي أزمة الإنسان في بيئته المتصدعة، العلماء من حوله يقرعون أجراس الإنذار منذ زمن محذّرين أن لا عودة إلى الأرض والطبيعة ودرجات الحرارة والأمطار والرياح التي نعرفها، إنها بمقدار وفي أوقاتها، أما الآن فلا مقدار ولا أوقات محددة.

كل شيء يخرج عن السيطرة في ما يتعلق بحياة الإنسان سواء في الحقيقة أو على الشاشة، وتاليا سوف تتولد تلك المتعة الجمالية على شاشات السينما بتقديم الديستوبيا الأرضية بأشكال وتحولات وصراعات مختلفة ومتبانية، وصولا إلى الزي ومفردات الحياة اليومية، وغالبا ما سوف تختص بالناجين من الكارثة لوحدهم.

الحديث لا يتعلق بسينما الكوارث والجائحات بل بسينما أخرى سوف ترتبط بمهارات فذة في إقامة الصراعات وإدارة السرد الفيلمي وتقديم متعة جمالية خالصة، وكما شهدنا ذلك في الرواية الأكثر شعبية في هذا الباب وهي رواية “1984” لجورج أورويل، والتي تم تقديمها على الشاشة بأسلوب مختلف للمخرج مايكل رادفورد الذي أنجز الفيلم في نفس ذلك العام، وكانت قد قدمت في معالجات سابقة في الخمسينات ولاحقة في التسعينات وسط شغف عالمي بتلك الرواية والأفلام المأخوذة عنها على السواء.

لكن الاشتقاق المنطقي للظواهر الديستوبية سوف يتسع ليتحول إلى نوع من السلوك الجماعي الفريد كما في سلسلة “ماتريكس” و”متسابق المتاهة” وفيلم “كوكب القردة” ثم في الفيلم المنتج حديثا “ذكريات” للمخرجة ليسا جوي، فالعالم المحطم الذي دمرت فيه السدود وتفشت السموم في الهواء صار يدفع الإنسان إلى العودة إلى الماضي الجميل والمفقود وإيجاد محطات في ذلك الماضي المفقود هروبا من حاضر مأسوي.

ينطبق ذلك على فيلم المد والجزر للمخرج تيم فيلباوم حيث تتصارع جماعات إجرامية في ما بينها في إطار المنافسة والصراع من أجل البقاء.

والحاصل أن بإمكاننا استعراض المزيد من الأفلام السينمائية التي عنيت بعالمنا الديستوبي القاحل والافتراضي، لاسيما وأنها تشترك في تلك الثيمة المرتبطة بما حل بالأرض والحياة من جهة وبالحياة اليومية للناجين أو المتبقين على سطح الأرض، وكيف يصبح الصراع من أجل البقاء هو الهاجس الأهم وهو الذي يحرك الشخصيات في تلك الدراما.

ولاحظ خلال ذلك تلك الاختلالات النفسية والعاطفية التي تتجلى بوضوح وتدفع باتجاه مواقف شديدة الأنانية فضلا عن قتال مأسوي وشديد الشراسة بين أقوام تقطعت بهم السبل فلجأوا إلى الانتقام، ويمكننا هنا أن نتذكر سلسلة “مادماكس” التي قدمت شخصيات متفردة في عنفها وفي غرابة سلوكها العدواني ونزعتها الانتقامية وهم يجوبون الصحراء بسيارات ومركباتهم غريبة التصميم.

وسواء كان النزاع بين الناجين على الثروات الطبيعية أو الكنوز أو المال أو على الماء إلا أنهم سرعان ما سوف يصلون إلى نتيجة أن زمن صالات قمار لاس فيغاس لا عودة إليه وأنه قد انتهى، بمعنى أن ترف الحياة لم يعد له وجود وأن الكائنات المتوحشة البشرية هي التي تسود وتريد أن تستحوذ على كل شيء.

ولنعد كذلك إلى شكل المكان، ومثال ذلك فيلم أبناء الرجال للمخرج ألفونسو كورون، حيث يتجلى نفس ذلك الخراب المكاني في فيلم إيليسيوم للمخرج نيل بلومكامب وحيث ينفر البشر من المكان الملوث بالسموم باحثين عن مكان بديل وحياة أخرى تضمن لهم النجاة في مغامرة لا حدود لها ونزاعات ليست موجودة في المخيلة إلا أنها سرعان ما سوف تشتعل لأبسط الأسباب.

بالطبع كل ذلك الخراب والديستوبيا القاتمة إنما ترتبط بالصراعات على مستوى الدول العظمى واتباعها ونتائج الحروب والضربات النووية فضلا عن احتمالات التدهور الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وكلها تصب في مصب واحد، إنسان مأزوم في زمن صعب ومكان محطم وعليه أن يعيش على أي حال.

 
15