إنجازات لا تتوقف.. سنوات طويلة من المجد للترجي

انتفاضة الكنزاري تعيد شيخ الأندية إلى عرش الكرة التونسية.
الأحد 2025/05/18
كتابة التاريخ تستمر

تسلّم الترجي الرياضي التونسي عشية الخميس 15 مايو 2025 رمز بطولة موسم 2024 – 2025 وهي البطولة الـ34 في تاريخ فريق باب سويقة. وانتظمت مراسم تسليم رمز البطولة في ملعب حمادي العقربي برادس بعد المباراة التي جمعت بطل تونس بالاتحاد الرياضي المنستيري ضمن الجولة الأخيرة من الرابطة المحترفة الأولى والتي انتهت بالتعادل السلبي.

تونس - أسدل الستار على منافسات الدوري التونسي لموسم 2024 – 2025 بتتويج الترجي بلقب المسابقة. ورفع الترجي رصيده إلى 65 نقطة في الصدارة، متفوقا بفارق 4 نقاط على الاتحاد المنستيري، صاحب المركز الثاني، ليحسم الفريق الملقب بـ”شيخ الأندية التونسية” تتويجه باللقب هذا الموسم، قبل خوض المرحلة الأخيرة للمسابقة. ويتصدر الترجي التونسي ترتيب أكثر الأندية تحقيقا للفوز خلال موسم الدوري التونسي 2024 – 2025.

لقب يتبعه لقب، وإنجازات لا تتوقف. سنوات طويلة من المجد للترجي زعيم كرة القدم التونسية الذي لا يشبع من الألقاب. وحين تأسس الترجي الرياضي التونسي عام 1919 بمقهى في حي باب سويقة، بقلب المدينة العتيقة في تونس، لم يكن يعلم الثنائي المؤسس محمد الزواوي والهادي القلال أنهما يمهدان لعملاق كبير سيسيطر على الكرة التونسية والأفريقية لسنوات طويلة، وأنه بعد أكثر من 100 عام، سيصل عداد الألقاب إلى هذا الحد غير القابل للتكرار محليا.

هيمنته محلية

العديد من الفنيين أكدوا أن هذا الإنجاز يضع الترجي في وضعية ممتازة للاستعداد للمشاركة المنتظرة في مونديال الأندية
العديد من الفنيين أكدوا أن هذا الإنجاز يضع الترجي في وضعية ممتازة للاستعداد للمشاركة المنتظرة في مونديال الأندية

واعتلاء عرش الكرة التونسية للمرة الـ34 ليس حدثا عاديا، حيث توج الترجي الرياضي بلقب الدوري التونسي لموسم 2024 – 2025، مؤكدا بذلك هيمنته على عرش الكرة المحلية. ولم يكن هذا اللقب مجرد تتويج اعتيادي، بل جاء ليؤكد على قوة شخصية الفريق وقدرته على تجاوز التحديات، خاصة بعد الصحوة اللافتة التي شهدها تحت قيادة مديره الفني ماهر الكنزاري.

وتحدث الموقع الإلكتروني الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن إنجاز الترجي الجديد بإسهاب، حيث أوضح أنه في مارس الماضي، وصل المدرب التونسي ماهر الكنزاري لقيادة الفريق الملقب بـ”شيخ الأندية التونسية”، وقام الرجل البالغ من العمر 52 عاما، والذي سبق له قيادة الترجي عام 2010 بعد أن عمل مساعدا للمدرب، بالتدريب في وطنه وفي غرب آسيا، كما قاد منتخب تونس للناشئين، وخاض معهم غمار كأس العالم تحت 17 سنة في كوريا الجنوبية عام 2007، بالإضافة إلى منتخبي الشباب تحت 20 سنة وتحت 23 سنة، كما تولى قيادة المنتخب الأول مؤقتا لمباراتين عام 2018.

ووصل الكنزاري في وقت كان الترجي خلاله يعاني من الاهتزاز في أدائه، حيث مر ببعض الأزمات الداخلية، مع انخفاض لمستوى عدد من اللاعبين الكبار، فضلا عن تراجع النتائج بعض الشيء، وتهديد بفقدان لقب الدوري، حيث كان يتقاسم الصدارة مع الاتحاد المنستيري، مع تبقي خمس مراحل على النهاية. ولذلك، قال المدرب التونسي بعد التتويج باللقب “تخطينا الكثير من العقبات في هذا الموسم، بفضل خبرة اللاعبين والإدارة ودعم الجماهير، ولم يستسلم أحد داخل النادي للأوضاع الصعبة.”

واستعادة التوازن، وعدم الخسارة في أيّ من المباريات الخمس المتبقية، حيث الفوز بأربعة منها وتعادل وحيد في الجولة الأخيرة بعد حسم اللقب كان وراء التتويج، خاصا وأن هذا الموسم يعد استثنائيا للترجي على صعيد الأرقام رغم كل ما حدث فيه. وتصدر الترجي قائمة الأندية الأكثر تحقيقا للانتصارات في الدوري برصيد 19 فوزا، إلى جانب 9 تعادلات وهزيمتين فقط، كما أنه الأقوى هجوما برصيد 57 هدفا.

الإنجاز البارز

حضور تاريخي
حضور تاريخي

وهناك عدة عوامل أسهمت في هذا الإنجاز البارز، يأتي في مقدمتها الاستقرار الإداري الذي ينعم به النادي منذ عقدين من الزمن تحت قيادة الرئيس حمدي المدب. هذا الاستقرار الإداري والمالي مكن الترجي من الحفاظ على نجومه البارزين، وإجراء تعاقدات نوعية ساهمت في تعزيز قوة الفريق. والتعاقد مع النجم الجزائري يوسف البلايلي كان أحد أبرز هذه الصفقات، حيث قدم اللاعب إضافة هجومية كبيرة للفريق بمهاراته الفردية وقدرته على صناعة وتسجيل الأهداف، بتسجيل 9 أهداف وصناعة 6 في 21 مباراة، ما غطى على الرقم القياسي السلبي له بالحصول على 12 بطاقة صفراء. وتحدث الجناح المخضرم عن وفائه بوعده لجماهير الترجي بالفوز بلقب الدوري التونسي، وقال في تصريحات للتلفزيون التونسي “نحن الترجي وهذا هو مكاننا الطبيعي، وما يمنح التتويج بعدا إضافيا هو سيناريو الموسم والتقلبات التي حدثت خلال العام.”

وبرز أيضا البرازيلي يان ساس الذي قدم مع الترجي مستويات مميزة، وصنع 10 أهداف في الدوري التونسي، مع تسجيله هدفين في 27 مباراة، مع العديد من اللاعبين البارزين مثل محمد أمين بن حميدة. ولا ننسى صفقة ضم لاعب الوسط شهاب الجبالي في فترة الانتقالات الشتوية، حيث أحدثت تأثيرا مهما، وكان لها دور كبير في تعزيز قوة خط الوسط وإضافة حلول تكتيكية جديدة للفريق، إذ ساهم في 7 أهداف بدوره، بتسجيله هدفا، وصناعته 6 أهداف، مع منحه الكثير من المزايا هجوميا ودفاعيا للفريق.

وعلاوة على ذلك، أظهر الترجي قدرة فائقة على حسن التعامل مع الأزمات التي واجهته خلال الموسم، سواء على الصعيد المحلي أو القاري. ولم تهتز ثقة الإدارة والجهاز الفني، بل تم إجراء إصلاحات فنية حاسمة كان لها بالغ الأثر في تغيير مسار الفريق، ويعد التعاقد مع المدرب ماهر الكنزاري خلفا للروماني لورينت ريجيكامب نقطة تحول محورية.

ويبقى التتويج بلقب الدوري التونسي لموسم 2024 – 2025 علامة فارقة في تاريخ الترجي، ليس فقط لأنه يضيف لقبا جديدا إلى خزانة النادي، بل لأنه يؤكد على قدرة الفريق على التطور والتجدد ومواجهة التحديات بطموح وثقة، وهو ما يجعله على أهبة الاستعداد لكتابة فصل جديد من النجاحات في التحديات المقبلة، والتي ستكون أبرزها كأس العالم للأندية 2025. وبالنظر إلى الأداء القوي والروح المعنوية العالية التي يتمتع بها الفريق بعد التتويج باللقب، فإن هذا الإنجاز يضع الترجي في وضعية ممتازة للاستعداد للمشاركة المنتظرة في مونديال الأندية.

هناك عدة عوامل أسهمت في هذا الإنجاز البارز، يأتي في مقدمتها الاستقرار الإداري منذ عقدين تحت قيادة الرئيس حمدي المدب

والفوز بالدوري منح اللاعبين والجهاز الفني ثقة مضاعفة وحافزا كبيرا لتمثيل الكرة التونسية بأفضل شكل ممكن في هذا المحفل العالمي الهام. وحجز الترجي مقعده في البطولة الموسعة للمونديال عبر مسار التصنيف للاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، بفضل أدائه المميز والمستمر في مسابقة دوري أبطال أفريقيا على مدار المواسم الأربعة الماضية، حيث شارك العملاق التونسي في 14 نسخة متتالية من البطولة.

والترجي سينافس في المجموعة الرابعة بمونديال الأندية في الولايات المتحدة الشهر المقبل إلى جانب أندية فلامينغو البرازيلي، وتشيلسي الإنجليزي، والفائز من مباراة لوس أنجلس الأميركي وكلوب أميركا المكسيكي. وتبدو الفرصة سانحة أمام الترجي لاستغلال حالة الزخم التي يتمتع بها الفريق، من أجل كتابة التاريخ الذي سيظل ملازما لاسمه في حال نجح في تقديم شيء كبير في البطولة العالمية.

وقال ماهر الكنزاري، المدير الفني للترجي، إن مباراة فريقه أمام الاتحاد المنستيري (0 – 0)، في ختام الدوري التونسي، لم تكن مواجهة شخصية مع فوزي البنزرتي، المدرب المخضرم للمنافس. وشدد الكنزاري، في تصريحات للتلفزيون التونسي الوطني “المباراة كانت بين الترجي والاتحاد المنستيري، وليست بيني وبين فوزي البنزرتي.”

وأضاف “فقدت المباراة أهميتها بعد تتويجنا بلقب الدوري رسميا، في الجولة الماضية، ما أثر على أدائنا اليوم.” وتابع “لم نكن في كامل تركيزنا، ولم نظهر بأفضل مستوياتنا، لكن هذا متوقع بعد مشوار طويل.. ويحق للاعبين الشعور ببعض الراحة، بعد حسم اللقب.” وأشاد الكنزاري بجودة المنافسة، قائلا “هذه النسخة من الدوري التونسي، من أفضل النسخ التي شاهدتها، حيث قدمت عدة فرق مستويات مميزة حتى الجولة الأخيرة.” كما أثنى على فريقي الملعب التونسي والترجي الجرجيسي، موجها الشكر لهما على أدائهما المميز، خلال الموسم الحالي.

دعم سخي

قصة عشق لاتنتهي
قصة عشق لا تنتهي

يترأس رجل الأعمال المعروف حمدي المدب فريق الترجي منذ سنة 2007، ومنذ ذلك الحين استطاع تسيير النادي دون صعوبات أو مشاكل كبيرة تُذكر، وذلك لما يمتاز به من قوة مالية تساعده على تسيير الفريق باقتدار وتوفير جميع متطلباته من انتدابات قوية وتوفير كل ظروف الراحة في السفر وتحضيرات الفريق، والالتزام بتقديم الأجور الشهرية للجميع في موعدها. ويعتمد مجلس إدارة الترجي على نفس الأسماء منذ سنوات، ولعل أهمها المدير الرياضي رياض بنور، الرجل الثاني في النادي.. وهذا الاستقرار على المستوى الإداري أسهم في نجاحات الفريق، على عكس الفرق التونسية التي تعيش، وفقا لمراقبين، حالة من الفوضى والتخبط والضعف.

ويملك الترجي مصادر دخل متنوعة، سواء من الجماهير أو من خلال الفوز بالبطولات المحلية أو من المنافسة الأفريقية والفوز الدائم والمتكرر فيها، ما ساعد الفريق على إبرام العديد من الصفقات المميزة في السنوات الأخيرة. وبالنظر إلى أغلى الصفقات في الدوري التونسي خلال السنوات الماضية، يتبين أن الترجي يسيطر عليها بكل قوة. وسيطر نجوم فريق الترجي على ترتيب الأغلى في الدوري المحلي؛ إذ حضروا بكثافة في المراكز الـ10 الأولى، حسب مؤشر موقع “ترانسفير ماركت” الشهير. واستقطب الترجي عدة أسماء مميزة خلال العشرية الأخيرة أسهمت في حصد الألقاب المحلية والقارية وتحقيق أرباح مالية طائلة من عملية خروجها خصوصا للأندية الخليجية.

وعُرِف الترجي على مدار تاريخه بامتلاكه إدارة قوية للغاية، تستطيع التفاوض والاتفاق مع أكبر وأقوى اللاعبين والمدربين على مدار التاريخ الحديث للكرة التونسية، وبعد جلبهم كان النادي يمنحهم السلطة الكاملة لتسيير الفريق، وتزامنت قوة إدارة الترجي مع ضعف إدارات الأندية الأخرى من الناحيتين المالية و”الكاريزمية”، ما انعكس على تاريخ “الرابطة المحترفة التونسية” التي يسيطر فيها الترجي على البطولات لفترة طويلة ثم يظهر فريق أو فريقان بمفاجآت ليخطف اللقب ثم ينتهي الأمر بجلب نجم من كل فريق لتعود السيطرة مرة أخرى “للمكشخة”.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن نجوم فريق “الدم والذهب” على المدى القريب وليس البعيد هم نجوم تألقوا في باقي الفرق وحصل عليهم النادي العاصمي بكل سهولة بسبب قوة التفاوض، وجاء بعض هؤلاء النجوم مجانا، وبعضهم بمبالغ قليلة جدا، على غرار فخر الدين بن يوسف وفرجاني ساسي وعلاء المرزوقي وهاني عمامو وحمدي النقاز وغيرهم الكثير.

16