إمكانات الطاقة الخضراء في أفريقيا تنتظر من يستثمرها

الرهان على التصنيع يحرر البلدان الأفريقية من بقايا الاستعمار وينشئ اقتصادات قوية.
الاثنين 2022/06/20
الطاقة المتجددة هي الحل للاقتصاد الأفريقي

لا يسع الدول الأفريقية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية إلا التفكير في إمكانات الطاقة الخضراء التي بحوزتها، وحتى إن كان الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة يتطلب مجهودا عالميا وميزانيات ضخمة إلا أنه يظل الحل الأكبر لمشكلات القارة الاقتصادية بالإضافة إلى تنويعها للاستثمار، رغم أن ذلك لا يمكن أن يحدث بسرعة.

أثارت الاضطرابات المفاجئة في أسعار النفط العالمية مخاوف جديدة حول جهود إزالة الكربون في أفريقيا، ولأن الدول الغربية تبنت أهدافًا للخلاص من الكربون من خلال الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة المتجددة وغيرها من المبادرات، إلا أن أفريقيا تخلفت عن الركب. وبالرغم من أن القارة تنعم بالعديد من أشكال الطاقة المتجددة، لا يوجد رأس مال أو بنية تحتية أو حتى إرادة سياسية في العديد من الدول الأفريقية لبدء التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري. فهل سيكون ارتفاع أسعار النفط والغاز هو الشرارة التي ستشعل ذلك التحول؟

الجواب المباشر هو لا؛ فلا يمكن التفكير في تحول قابل للتطبيق في مجال الطاقة المتجددة بالنسبة إلى العديد من بلدان القارة الكبرى بسبب التكلفة الباهظة للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، فضلاً عن العوائق الحكومية التي تحافظ على ارتفاع التكاليف، وحتى مع الأسعار القياسية التي نشهدها لا يزال استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري بالنسبة إلى الزعماء الأفارقة أرخص من التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.

وتعد جنوب أفريقيا -وهي الدولة الأكثر تصنيعًا في القارة- خير مثال على تحديات إزالة الكربون، حيث يأتي أكثر من 90 في المئة من طاقة جنوب أفريقيا من مصادر غير متجددة، ويشكل الفحم نصيب الأسد من مصادر تلك الطاقة. وتحصل بلدان شمال أفريقيا أيضًا على أكثر من 90 في المئة من طاقتها من الوقود الأحفوري، بينما تحصل البلدان الواقعة في وسط أفريقيا على أكثر من 80 في المئة من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة، وأسطول جنوب أفريقيا المتعثر من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحاجة ماسة إلى الإصلاحات، ولكن لا توجد أموال كافية لذلك بسبب عقد من الفساد وسوء الإدارة الحكومية.

إن تنشيط الاقتصادات المحلية من خلال الاستثمار في قطاع الصناعة سيضع الأساس لإزالة الكربون لأنه سيوفر رأس المال اللازم لإجراء ذلك التحول

والنتيجة هي استمرار انقطاع التيار الكهربائي الذي من المتوقع أن يزداد سوءًا في السنوات القادمة، والوضع في القارة ملائم بالنظر إلى وفرة أشعة الشمس وطاقة الرياح التي تميز مناخ جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من تلك الوفرة ترددت حكومة جنوب أفريقيا في منح عطاءات جديدة خوفًا من أن تنضب عائدات الكهرباء الوطنية بسرعة، وهو وضع معقد بلا داع، ويعكس صورة قضية أعمق تؤثر على العديد من البلدان الأفريقية.

وفي رد منشور على مقال نُشر مؤخرًا في “فايننشال تايمز” بشأن العوائق التي تحول دون تحقيق أهداف صافي الصفر في أفريقيا، أشار فاضل كابوب (رئيس المعهد العالمي للازدهار المستدام) ومحمد أدو (مؤسس ومدير “بور شفت أفريقيا”) إلى أن أفريقيا لا تستطيع إزالة الكربون دون إنهاء الاستعمار.

وكتبا “يجب على (أفريقيا) إعطاء الأولوية لبناء البنية التحتية للطاقة المتجددة، والمعدات الزراعية، ومعدات المياه والصرف الصحي، فضلاً عن الصحة العامة، والتعليم، والبنية التحتية للمواصلات، وهذه هي الظروف التي ستسمح لأفريقيا بإنهاء الاستعمار وإزالة الكربون من اقتصادها مع تجنب مصائد الديون الخارجية، وأوجه القصور الهيكلية، والأصول المتعثرة بسبب الوقود الأحفوري، و’التنمية’ الاستعمارية الخضراء”.

وبينما شهدت القارة نموا معماريا هائلاً ومعدلات تاريخية للتواصل من خلال زيادة الوصول إلى الإنترنت، لم يكن هناك ظهور للطبقة الوسطى بشكل مستدام أو نمو في قطاع التصنيع الأفريقي، وقد غذى قطاع الصناعة القوي النمو الغربي وكان مكونًا رئيسيًا في صعود القوى الاقتصادية غير الغربية، مثل الصين والهند وغيرهما مما يسمى بـ”النمور الآسيوية”.

وقد كتبت قبل خمس سنوات أنه إذا أرادت البلدان الأفريقية تحرير نفسها من بقايا الاستعمار وإنشاء اقتصادات قوية، فيجب على القادة أن يكونوا جادين بشأن التصنيع، وتلك الفكرة هي أكثر صحة الآن من أي وقت مضى، وحتى قبل جائحة كوفيد - 19 كان الجيل القادم من الأفارقة بحاجة ماسة إلى وظائف، وبحلول عام 2050 سيتضاعف عدد سكان أفريقيا تقريبًا إلى 2.5 مليار نسمة، والطريق الذي تم تجريبه واختباره للوصول إلى الاستقلال هو قطاع التصنيع القوي الذي يستوعب العديد من العمال. ويوفر الإنتاج الضخم للعمال طريقا من الطبقة العاملة إلى الطبقة الوسطى وحتى إلى الإدارة العليا، وهو طريق لا يمكن لأي قطاع آخر توفيره.

السياسيون الأفارقة يحتاجون إلى فسح المجال للتجارة مع الجيران، عن طريق سن قوانين التصنيع والتجارة الميسرة
السياسيون الأفارقة يحتاجون إلى فسح المجال للتجارة مع الجيران، عن طريق سن قوانين التصنيع والتجارة الميسرة

ولا يحتاج قطاع التصنيع إلى التركيز على الصناعات الثقيلة التي تتطلب كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، فبينما كان يتم تطعيم معظم سكان الدول الغربية ضد فايروس كورونا، كان على العديد من الدول الأفريقية الانتظار، لأنه لم يكن هناك إنتاج كبير للقاحات في القارة، وقد بدأ التحول في هذا الجانب ببطء، ولكن يمكن إنجاز المزيد.

لكن لن يكون هناك تغيير يذكر دون توفّر التزامات سياسية داخل البلدان الأفريقية وفيما بينها. وبالتزامن مع رغبة الكثير من الناس في تحرير أنفسهم من إرث الاستعمار، يجب تسهيل الاستثمار في قطاع الصناعة باعتباره طريقًا إلى الاستقلال، ويحتاج السياسيون الأفارقة إلى فسح المجال أمام هذا المسعى، وذلك عن طريق سن قوانين التصنيع والتجارة الميسرة، وإنهاء الفساد الذي يكبح الميل إلى الابتكار، وإنشاء البنية التحتية اللازمة للتبادل التجاري مع الجيران.

إن تنشيط الاقتصادات المحلية من خلال الاستثمار في قطاع الصناعة سيضع الأساس لإزالة الكربون لأنه سيوفر رأس المال اللازم لإجراء ذلك التحول، وفي حين أن أسعار البنية التحتية للطاقة المتجددة آخذة في الانخفاض، إلا أنها لا تزال باهظة الثمن بالنسبة إلى دول الأسواق الناشئة التي لا تزال تكافح للبقاء واقفة على قدميها. إن ازدهار التصنيع مثل ما حدث في الصين أو الهند من شأنه أن يوفر الأموال لجعل مثل ذلك التحول ممكنًا، والجزء المثير للإعجاب في ذلك التحول هو الإمكانات الهائلة الموجودة في الأسواق الأفريقية.

وقبالة الساحل الجنوبي في مدينة كيب تاون، وبعد 10 كيلومترات فقط من جنوب المحيط الأطلسي، توجد فعليًا كمية غير محدودة من طاقة الرياح، وقد أخبرني العديد من محللي الطاقة بأن موارد الرياح هائلة إلى درجة أنه إذا تم تسخيرها وترجمتها إلى طاقة فإن جنوب أفريقيا ستصبح لديها من طاقة الريح ما تمتلكه المملكة العربية السعودية من طاقة النفط، ويعد إنشاء البنية التحتية البحرية لاستثمار تلك الرياح مهمة مكلفة تتطلب تعاونًا دوليًا، فضلا عن استعداد حكومة جنوب أفريقيا لتبني مصادر الطاقة المتجددة، وسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل توفر كل تلك العناصر، لكن احتمال تحويل أفريقيا إلى قارة تعتمد على الطاقة النظيفة هو احتمال قائم وليس بعيدا عن شواطئها.

7