إلى أين يأخذنا صراع الأحزاب في العراق؟

أنهت الأحزاب السياسية آمال العراقيين في بناء عراقٍ جديد، مختلف جذريًا عن ماضيه القريب. تلك الأحزاب، التي امتهنت التلاعب بإرادة الناس، وجدت لنفسها أبوابًا عديدة لاستغلال الشعب، وتوجيهه نحو صراعات لا تخدم سوى مصالحها، وعلى رأسها الصراع الطائفي الذي مزّق نسيج المجتمع وأدخل البلاد في نفق مظلم.
اليوم تعيش هذه الأحزاب حالة من الخوف لا لأن أيامها الأخيرة قد حانت كما يروَّج بل لأنها باتت تشعر بأن مكتسباتها لم تعد آمنة. فالخزينة شبه فارغة، والموارد شحيحة، والدولة بالكاد قادرة على تلبية الالتزامات الأساسية من رواتب الموظفين والنفقات الإلزامية للوزارات. أي إخفاق إضافي قد يعني انهيارًا اقتصاديًا شاملاً.
لذلك بدأنا نشهد تحركات غير معتادة، تمثّلت في لجوء بعض القوى السياسية إلى استثمار مدخراتها المالية الخاصة، بدلًا من تعميق أزمة الدولة، في محاولة للحفاظ على حضورها السياسي وشرعيتها، على أمل استرداد تلك “الخسائر المؤقتة” مستقبلًا عبر الموازنات والمشاريع العامة بعد عبور الأزمة.
الأخطر من ذلك أنّ بعض الأحزاب، لاسيما الشيعية منها، بدأت تستخدم سلاح التخويف من جديد، محاوِلةً إعادة إنتاج خطاب قديم يقوم على “الرعب من السنّة”، وتحديدًا من احتمال عودة “البعثيين” إلى الحكم، رغم غياب المؤشرات الواقعية على ذلك. هذا التخويف لا يستهدف الخصوم بقدر ما يهدف إلى تعبئة الشارع الشيعي المتذمّر، الرافض لتجربة هذه الأحزاب، والعازف عن المشاركة في الانتخابات.
◄ اليوم تعيش هذه الأحزاب حالة من الخوف لا لأن أيامها الأخيرة قد حانت كما يروَّج بل لأنها باتت تشعر بأن مكتسباتها لم تعد آمنة
ويُضاف إلى هذا المشهد غياب التيار الصدري عن الحياة السياسية، وهو ما شكّل مكسبًا تكتيكيًا لقوى “الإطار التنسيقي” التي تنظر إليه كمنافس جماهيري ثابت وثقيل. ومع ذلك، فإن غياب المنافس لا يكفي لبناء شرعية. لذا بدأنا نشهد محاولات مستمرة لدفع جمهور الصدر نحو الانتخابات، ليس عبر خطاب الإصلاح، بل عبر بث الشكوك والخوف من التغيير، أو تصوير الانتخابات كمعركة مصيرية بين “الشيعة” و”البعثيين السنة”، لا بين الفساد والكفاءة.
الخطورة لا تكمن فقط في هذا التكتيك، بل في استمراره وتطبيعه كوسيلة إدارة دولة، بدلًا من تقديم برامج حقيقية تحاكي احتياجات العراقيين وتفتح لهم أفقًا جديدًا.
وفي خضم هذا المشهد تُطرح تساؤلات جوهرية:
إلى متى سيبقى العراقيون رهائن لخطاب التخويف الطائفي؟
أين هي النخب السياسية المستقلة القادرة على بناء مشروع وطني جامع؟
لماذا فشلت قوى التغيير في تقديم بديل حقيقي يملأ فراغ فقدان الثقة؟
هل سيستمر الناخب العراقي في الاختيار بين الفاسد والمخيف، أم آن الأوان لقلب المعادلة والرهان على وعيه وإرادته؟
الكرة اليوم في ملعب الشعب. فالمستقبل ليس مرهونا بما تفعله الأحزاب فقط، بل بما يمكن للعراقيين أنفسهم أن يفعلوه لإنهاء هذه الدوامة وبناء دولة تقاد بالحق لا بالخوف.