إكرام يوسف تتبنى معارضة ناعمة في مصر للإفراج عن ابنها

أم وصحافية ومترجمة تبث شكواها عبر العالم الافتراضي.
السبت 2022/10/08
معارضة لكن بأسلوب حرفي وناعم

القاهرة - اخترعت الصحافية والمترجمة المصرية إكرام يوسف وسيلة خاصة بها عبر العالم الافتراضي للدفاع عن ابنها الناشط والحقوقي زياد العليمي المحبوس على ذمة قضية “خلية الأمل” بعد اتهامه منذ حوالي ثلاثة أعوام بنشر أخبار كاذبة بغرض تكدير السلم العام وتمويل أعمال عنف والانضمام لجماعة إرهابية أنشئت على خلاف أحكام القانون، أي جماعة الإخوان المسلمين، وهي قضية سياسية وأمنية بامتياز، تحتاج منها إلى جهد قانوني وسياسي وإنساني كي تحصل على عفو نهائي لابنها.

تعتمد "السيدة إكرام"، وهكذا ذاع صيتها في مصر مؤخرا، على كتابة ما يشبه المذكرات اليومية الحافلة بالمعاني الإنسانية حول ابنها، تشرح فيها علاقتها به وتبث من خلالها مشاعرها حياله وتحكي ما يحدث معها عند كل زيارة له، ولا تستخدم فيها تحريضا أو عبارات خشنة أو توجه عبرها انتقادات حادة للمؤسسات الرسمية التي تتعامل معها قبل الزيارة وأثناءها وبعدها، وهي طريقة يمكن وصفها بـ”المعارضة الناعمة”.

تكتب خواطرها ويومياتها بحرفية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستخدم فيسبوك بصورة رئيسية في بث أحاسيسها الشخصية والإنسانية وكأن ابنها قريب منها، وبدأ هذا النهج ينتشر ويجد العديد من المتابعين له، القليل منهم تعرفهم يوسف بصورة مباشرة والكثيرون تسللوا إليها عندما وجدوا فيما تكتبه شيئا مفيدا، لأن مشاعرها تجاه ابنها تنفذ إلى قلوبهم بلا استئذان، وأصبحت أشبه براعية للمعتقلين والمعتقلات من النشطاء والسياسيين، وتصب عندها الكثير من الحكايات والقصص والمواقف التي تكشف جانبا من عالم السجون المجهول للكثير من المصريين.

مذكرات حافلة

◙ "السيدة إكرام" لقب يطلقه المصريون على الصحافية التي أصبحت أشبه براعية للمعتقلين والمعتقلات
◙ "السيدة إكرام" لقب يطلقه المصريون على الصحافية التي أصبحت أشبه براعية للمعتقلين والمعتقلات

لم يقتصر حديثها الشيق عن ابنها الذي تقدمه بطريقة أدبية بارعة نظرا لمهنتها كصحافية ومترجمة معروفة، بل امتدت إلى أصدقائه ومعارفه ممن يعيشون ظروف الحبس في أيّ من السجون التي تعترف أحيانا أنها تقدم رعاية مقبولة للسجناء ولا تخلو من عشوائية في مسألة تنظيم الزيارات وتوقيتاتها والترحيل من مكان إلى آخر.

تبتعد في كتاباتها عن الشكوى والرفض والاحتجاجات الساخنة، وتتعمد بث الأمل من حين إلى آخر في نفوس المعتقلين الذين بدأت تحكي قصصا اجتماعية عن ذويهم وهي لا تعرفهم كأنها اخترقت قلوبهم عندما تكتب عن أمّ أحدهم التقتها صدفة قادمة من أقصى جنوب مصر أو شمالها، أو معتقل أفرج عنه ولا ينتظره أحد، ما شكل تعاطفا مع كل حالة، فقد عرف متابعو نشاطها على فيسبوك الكثير من أسماء المحبوسين غير المعروفين إعلاميا والمعاناة التي تواجهها أسرهم للزيارة.

زياد يعدّ في طليعة من رفضوا حكم جماعة الإخوان وأسهموا في حركة “تمرد”

لم تعد حكايات صفحتها مقتصرة على ابنها، حيث تقدم قصصا إنسانية عن كثيرين لا توجد بينها وبينهم روابط اجتماعية أو سياسية، وبدأت نماذج من هؤلاء تتسرب من خلال صفحتها وتنشر على مواقع أخرى، ما جذب المزيد من الاهتمام لما تكتبه، وهي تعلم أن سلاح الكلمة لا يزال مؤثرا في وجدان الناس، والإنسانية التي تؤمن تجد طريقها إليهم، ولا تقف أمامها حواجز من تلك التي تواجهها عند زيارة زياد العليمي.

عرفت شريحة عريضة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر زياد عبر كتابات والدته التي تشع عاطفة وحنانا وأمومة، وتتعفف فيها عن طلب المساعدة من أحد، وتؤكد أن كل ما تحتاجه من متابعيها فقط الدعاء لابنها، وعندما يطلب شاب معاونتها في مشوار أو قضاء حاجة لها تعتذر برقة وتواصل مسيرتها على فيسبوك، وتبدأ كل يوم بعبارة صباح الخير يا زياد، كأنها تخاطبه وهي توقظه من النوم.

قالت مرة إن ثلاثة أرباع كيانها ومشاعرها وأحاسيسها وتفكيرها مع ابنها، وما تبقّى تعيش به وسط الناس، بمن فيهم ابنها الآخر بسام الذي يشاركها همها بلا ضجيج، وبدأ جمهورها يعرف أشياء كثيرة عنها وعن أحفادها من خلال القصص التي تنشرها بغريزة الأمومة الطاغية على تصرفاتها.

تشعر السيدة إكرام متابعيها أنها تتنفس زياد وليس هواء طبيعيا، وتحوّل تعلقها به إلى أمل كبير في أن يعود إليها من دون أن تظهر علامة يأس واحدة تشكك في إمكانية خروجه قريبا، وكل التطمينات التي تتلقاها من معارف ومقربين وإعلاميين حول قرب إطلاق سراحه عن طريق لجنة العفو الرئاسي التي أعيد تشكيلها في أبريل الماضي لا تؤثر فيها، وقالت "أنا أول من يعرف موعد إطلاق سراحه عندما يحدث".

فلديها كتيبة من المحامين وشبكة من الأصدقاء والصحافيين يستطيعون معرفة موعد خروجه إذا قررت اللجنة ذلك، وفي كل مرة يتم الإعلان عن قائمة يتوقع الكثيرون أن يكون زياد بين أفرادها، وتحوّل خروجه إلى مطلب للكثير من المهتمين بالشأن العام.

رغم طاقة الأمل التي تقدمها لمتابعيها يوميا، غير أنها صادقة مع نفسها وربما لا تريد التعلق بأمل خاص بمستقبل قد يتحول فجأة إلى سراب، حيث تكشف كتاباتها اللينة عن الكثير من المرارات التي تقابلها في ذهابها وإيابها لزيارته، وتحكيها بتفاصيل دقيقة جذابة تشعر من يقرأها أنه عاش معها قسوة تعانيها أثناء الرحلة التي جعلتها خبيرة في شؤون السجون وعارفة بدهاليز قواعدها وتفاصيل ما يجري خلال الزيارات.

بعيدا عن الرعونة

◙ براعة الأم حوّلت عددا كبيرا من المختلفين سياسيا مع ابنها إلى متعاطفين، بعد أن ذاع اسمه خلال ثورة يناير 2011
◙ براعة الأم حوّلت عددا كبيرا من المختلفين سياسيا مع ابنها إلى متعاطفين، بعد أن ذاع اسمه خلال ثورة يناير 2011 

تراكم لديها الكثير من الخبرات الإنسانية التي جعلتها تحكي عن واقع تعيشه بالفعل، وما مكنها من أن تكون أكثر تأثيرا أن رفضها لم يتخذ طابعا خشنا أو تبدو عليه رعونة أو مبالغة في تقدير الألم أو متاجرة بالقضية السياسية والحالة التي يعيشها زياد.

حوّلت ببراعة عددا كبيرا من المختلفين سياسيا مع ابنها إلى متعاطفين، فهو ناشط وحقوقي ذاع اسمه بعد ثورة يناير 2011 في مصر وكان في طليعتها الشبابية التي لعبت دورا في مجرياتها، ثم نجح في انتخابات مجلس الشعب في العام التالي، وصار عضوا في البرلمان، استكمالا لمسيرة بدأها قبل الثورة عبر نافذتي حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغير وقادتا الاحتجاجات ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

◙ التطمينات التي تتلقاها يوسف من معارف ومقربين وإعلاميين حول قرب إطلاق سراح ابنها عن طريق لجنة العفو الرئاسي التي أعيد تشكيلها في أبريل الماضي لا تؤثر فيها

وفرت أسرة زياد بيئة سياسية خصبة ليكون حقوقيا وناشطا في صدارة المشهد التالي لثورة يناير، فالأم صحافية ومترجمة ومعنية بقضايا حقوق الإنسان ومن رواد الحركة الطلابية الشهيرة في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي مع زوجها الدكتور عبدالحميد العليمي، وهي الحركة التي قادت المعارضة في الجامعات المصرية ضد الرئيس الراحل أنور السادات بسبب عدم خوضه الحرب مبكرا ضد إسرائيل.

بدأ انخراط الابن في السياسة منذ أكثر من عقدين، وأول مرة حلّ فيها ضيفا على السجن كان عام 2003 إبان حكم مبارك عندما اتهم بالتظاهر وتهديد الأمن العام مع آخرين احتجاجا على بعض سياساته، وقتها لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي قد سطع دورها وكانت مرارة السجن أخف وطأة والفضاء العام يسمح بهذا النوع من الممارسات.

دخل العليمي السجن في يونيو 2019 في القضية المعروفة بـ”خلية الأمل” التي ضمت نشطاء وصحافيين من الشباب، وحكم عليه بالسجن خمسة أعوام، وينتظر إفراجا صحيا أو عفوا رئاسيا أو تسريحا لقضاء ثلاثة أرباع مدة الحبس وفقا للقوانين المصرية، وهو أمل تعيش عليه السيدة إكرام التي تشير كتاباتها إلى أنها تثابر وتصابر لأجل تحقيقه قريبا.

خرج عدد من أصدقائه وزملائه في “خلية الأمل” ضمن قوائم لجنة العفو، منهم هشام فؤاد وحسام مؤنس، لكن وضع زياد أكثر حساسية، وهو ما يقلق والدته التي تعلم الكثير من الخفايا السياسية وحساباتها المعقدة، لأنه تطاول على رئيس المجلس العسكري المصري المشير محمد حسين طنطاوي عندما كان عضوا في البرلمان، وطُلب منه الاعتذار مباشرة فلم يفعل، مكتفيا بالقول إن كلامه فسّر خطأ، بينما ذهب إلى مكتب الشيخ محمد حسان للاعتذار له في موقف مشابه.

إشكالية العفو

الليونة وسيلة لكسب الجماهير والقضية في آن واحد
◙ الليونة وسيلة لكسب الجماهير والقضية في آن واحد 

يعرقل هذا الموقف عملية الإفراج عن العليمي، ويبدو أن يوسف لديها مخاوف من أن تؤجل هذه المسألة خروجه، لذلك وجدت في الليونة وسيلة لتوصيل رسائلها دون استفزاز للمؤسسة العسكرية التي لا تنسى من يتطاول على المشير طنطاوي.

لجأت إلى المنهج الإنساني بلا تراجع عن ثوابتها، فكل ما تفعله شرح زياد من الداخل لأن قضيته معروفة من الخارج، ما يشكل كتلة حرجة ومهمة من التعاطف معه ربما تدفع النظام المصري للتفكير في الإفراج عنه، فالخلاف ينصبّ على تصرفات، فقد كان زياد في طليعة من رفضوا وقاوموا حكم جماعة الإخوان وفي مقدمة من أسهموا في حركة “تمرد” التي قادت الحراك في الشارع وصولا إلى ثورة يونيو 2013.

أصبحت يوسف من الوجوه المعروفة للسياسيين والنشطاء والحقوقيين، وتحظى قضيتها بتعاطف كبير لدى أعضاء في لجنة العفو الرئاسي، لكن بعض الإفراجات لا تصلح معها خواطر إنسانية أو عواطف مجتمعية، وقد تكون حالة زياد من بينها، مع أن خروجه يحسب للنظام وقدرته على العفو والتسامح مهما ارتفعت درجة الخصومة.

لم تفقد الأم هذا الأمل، وتسعى جاهدة لتحقيقه بلا ضجيج ومن خلال أدوات ناعمة مؤثرة جعلتها أمّا جديدة للمصريين في الوقت الراهن وواحدة من أيقونات التفاؤل على الرغم من تصاعد الوجع والألم، حيث تتحدث وتكتب وتترجم مشاعرها ومواقفها بقلب أمّ وعقل سياسية وصحافية ناضجة، لا تريد سوى الإفراج عن زياد.

 

12