إعادة نظر خليجية في المشاركة في القرن الأفريقي

الغرب يراهن على دول الخليج لمواجهة نفوذ الصين وروسيا في البحر الأحمر.
السبت 2021/06/05
دول الخليج شريك موثوق به

باتت دول الخليج تحظى بثقة لدى دول القرن الأفريقي، بعد الاهتمام اللافت الذي أبدته تجاه المنطقة في السنوات الأخيرة من خلال ضخ الاستثمارات وإنشاء مشاريع كبرى اقتصادية وعسكرية وأمنية. كما دخلت في تنافس شديد مع قوى إقليمية أخرى على النفوذ في المنطقة الاستراتيجية بالنسبة إلى الملاحة الدولية. ونافست دول الخليج أجندات تركيا وإيران كما نافست النفوذ التقليدي لدول مثل الصين، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تراهن على شراكة معها في تأمين القرن الأفريقي. لكن كل هذا قد تتم مراجعته بسبب الضغوط الاقتصادية التي أنتجها الوباء.

واشنطن - تسعى دول الخليج إلى الاستفادة من علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وخاصة المطلة على البحر الأحمر لتعزيز نفوذها هناك وتأمين أمنها القومي ودخول منافسة قوية مع قوى إقليمية ودولية أخرى. لكن مخلفات كورونا وتأثيرها الواضح على الاقتصاديات الخليجية قد يؤديان إلى مراجعة هذا الخيار أو على الأقل انكافائه ولو بشكل مؤقت.

وعلى مدى العقد الماضي، كانت دول الخليج نشطة للغاية في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي واستثمرت فيها بشكل كبير. حيث إن الأسواق الاستهلاكية المزدهرة والموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي على طول أحد أكثر الطرق البحرية ازدحاما في العالم تجعل المنطقة محفزة للاستثمار.

وفي هذا الإطار، سعت دول الخليج إلى إعادة تأكيد مصالحها على أطرافها الغربية في موجة من الارتباطات السياسية والاستثمارات الاقتصادية مع دول القرن الأفريقي.

وعلى غرار المصالح الاقتصادية، مهدت التهديدات الإيرانية المستمرة الطريق لتطوير العلاقات الخليجية مع دول القرن الأفريقي.

ولتشكيل محور ثقل جديد، اجتمع ممثلون من جيبوتي ومصر وإريتريا والسعودية والصومال والسودان والأردن واليمن في الرياض في يناير عام 2020، لتدشين المجلس الجديد للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

وعلى رغم ما اكتسبته العلاقات من زخم، يلفت محللون إلى أن دول الخليج قد تعيد النظر في أدوارها في هذه المنطقة لما سببته أزمة الوباء من ضغوط كبيرة على مواردها المالية، ما من شأنه أن يحرم المنطقة من فوائد اقتصادية وسياسية.

وتشير كميل لونز الباحثة بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إلى أنه بعد سنوات من الحضور القوي والمثمر، قد تخفف دول الخليج من نفوذها في المنطقة، حيث سيكون إنعاش الاقتصاد المتضرر من تراجع سوق النفط والاهتمام بالمشاغل الداخلية أولوية قصوى بالنسبة لها.

كميل لونز: واشنطن تنظر إلى دول الخليج كشريك مفيد في القرن الأفريقي
كميل لونز: واشنطن تنظر إلى دول الخليج كشريك مفيد في القرن الأفريقي

إعادة الحسابات

كانت مشاريع دول مجلس التعاون الخليجي في القرن الأفريقي وبشكل خاص الإمارات والسعودية مثمرة بالنسبة إلى هذه الدول، فيما يؤكد المتابعون أن التراجع عنها قد يحرم سكان هذه الدول من مكاسب اقتصادية إضافة إلى تداعياته الوخيمة على الصعيد الأمني، أمام مساعي التنظيمات المتطرفة والجهات التي تدعمها في الاستفادة من هذا الفراغ لتعزيز حضورها والتمدد.

وتسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى الظهور ضمن دائرة الشركاء الموثوقين للإدارة الأميركية الجديدة، بتبني نهج أكثر براغماتية بشأن القضايا الإقليمية، وتفاعلها مع رغبة واشنطن الساعية إلى تغليب مسار الحوار في ما يخص العلاقات مع قطر.

ولا تخفي دول الخليج استعدادها للمساهمة في استقرار منطقة القرن الأفريقي في موجهة الأجندات الإيرانية والتركية في المنطقة. لكن الظروف الاقتصادية الطارئة وإعادة تقييم الملفات دفع دولا مثل الإمارات إلى مراجعة مشاركتها في حرب اليمن وما ارتبط بها من وجود في القرن الأفريقي.

وخفضت الإمارات طموحاتها بإنشاء قاعدة عسكرية في بربرة بأرض الصومال إلى تجديد الميناء والمطار. وتم تعليق مشروع تطوير ميناء بوصاصو منذ اغتيال مدير شركة مشغلة للموانئ مقرها دبي في إقليم بلاد بنط شبه المستقل بالصومال في ظروف غامضة في يناير 2019. وتباطأ تطوير ميناء هوبيو في غالمودوغ، الذي نفذته قطر في عام 2019 وبعدها تركيا. ولا تزال خطة إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي في مهدها، بعد خمس سنوات من إعلانها.

كما قامت الإمارات بتفكيك قاعدة عسكرية تديرها في ميناء عصب الإريتري في خطوة قال مراقبون إنها تُظهر وجود مراجعة إماراتية لتمركزها في القاعدة بعد أن بدأت بتنفيذ قرارها بالانسحاب من اليمن، كما تشير إلى إعادة تموضع إستراتيجية تتناسب مع متغيرات الأمن في  منطقة البحر الأحمر والممرات البحرية الإستراتيجية القريبة.

مأزق سد النهضة يضع دول الخليج في موقف صعب بينما تحاول موازنة علاقاتها مع الأطراف الثلاثة

وكانت الإمارات قد شيدت ميناء ووسعت مهبطا للطائرات في مدينة عصب منذ سبتمبر 2015، واعتُمدت المنشأة كقاعدة لنقل أسلحة ثقيلة وقوات سودانية إلى اليمن أثناء قتالها إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران هناك.

وعلى غرار تغيرات المشهد الإقليمي والدولي وما ستفرزه ساحات الصراع في المنطقة، تميل دول الخليج إلى إعادة حساباتها في منطقة القرن الأفريقي لدواع اقتصادية وأخرى تتعلق بالتطورات الداخلية لهذه الدول.

وأسفرت محاولات الخليج للتدخل في سياسات القرن الأفريقي عن نتائج متباينة. إذ أن الاستثمارات المالية والسياسية الكبيرة التي ضخّتها دول الخليج في المنطقة لم تحقق نتائج في إعادة تشكيل الحسابات الإستراتيجية لصانعي السياسات في القرن الأفريقي.

وفي فبراير، عندما غرقت الصومال في أزمة سياسية بعد تأجيل الانتخابات، اختارت قطر وتركيا، الداعمتان الأكثر ولاء للرئيس محمد عبدالله محمد فرماجو، النأي بنفسيهما عنه. وأكّد تواصل الدوحة مع قادة المعارضة الصومالية وأرض الصومال في مايو 2021 هذا النهج الحذر. كما ظل نفوذ قطر في حل الأزمة السياسية الصومالية محدودا، حيث انتهت مساعيها للتوسط في نزاع بحري بين الصومال وكينيا بالفشل.

دعم إماراتي سعودي لعملية الانتقال السياسي في السودان
دعم إماراتي سعودي لعملية الانتقال السياسي في السودان

وفي السودان، حققت الجهود السعودية والإماراتية الداعمة للانتقال السياسي بعد الإطاحة بعمر البشير في أبريل 2019 نجاحات، لكنها في المقابل واجهت صعوبات كبيرة في دعم السودان الجديد، بسبب تعقد مشكلاته، وإن كانت النتيجة الأبرز أنهما نجحتا في تقليص نفوذ الإخوان الذي تقف وراءه كلّ من قطر وتركيا.

وطيلة الأحداث التي شهدها السودان وأفضت إلى سقوط نظام البشير، وبعدها، أظهرت الإمارات والسعودية استجابة للظروف الدقيقة للسودان من خلال دعمهما له سياسيا وماديا.

وفي إثيوبيا، يواجه رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي دعمته الإمارات والسعودية، أزمة سياسية وأمنية كبيرة، وهو ما يثير شكوكا بشأن مآل الاستثمارات الخليجية في البلاد.

أخيرا، يضع مأزق بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير دول الخليج في موقف صعب بينما تحاول موازنة علاقاتها مع الأطراف الثلاثة: إذ أن مصر حليف استراتيجي، لكن لهذه الدول مصالح كبيرة في السودان وإثيوبيا.

وعرضت الإمارات والسعودية، من بين دول أخرى، العمل كوسطاء في كل من قضية الحدود السودانية الإثيوبية ونزاع سد النهضة. ولم تشمل موافقة السودان الحذرة سوى على اقتراح الوساطة الإماراتية للنزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وذلك على خلفية نجاحها في الوساطة بين إثيوبيا وإريتريا.

الغرب يثق بالخليج

Thumbnail

تؤكد أوساط سياسية أن الغرب يرى في دول الخليج شريكا موثوقا فيه بالمنطقة، في مواجهة التهديدات الأمنية بشكل خاص.

وتقول لونز إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينظران إلى دول مجلس التعاون الخليجي كشركاء مفيدين في القرن الأفريقي، بشرط أن تكون الظروف مناسبة. فهي تتمتع برأس مال للاستثمار تفتقر إليه القوى الغربية، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية الجيدة. كما يرى اللاعبون الغربيون دول الخليج كشركاء محتملين لمواجهة نفوذ الصين وروسيا في البحر الأحمر أيضا.

وقد حاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تكثيف مشاركتهما مع السعودية والإمارات في القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة. وشجعا دول الخليج على تقديم حزم استثمارية كبيرة في البنية التحتية مثل المياه والكهرباء في مصر والسودان وإثيوبيا كحافز لتسوية نزاع سد النهضة على سبيل المثال.

في أوائل أبريل 2021، قاد وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي ألكسندر روندوس زيارة الرياض وأبوظبي للحصول على الدعم الخليجي لمواجهة أزمات القرن الأفريقي.

ومع إعادة نظر دول الخليج في مشاركتها في القرن الأفريقي، قد تضطر القوى الغربية لإقناع دول الخليج للعودة عن قرارها من أجل المزيد من التنسيق والمشاركة البناءة في جهود تحقيق الاستقرار الخاصة بها.

7