إعادة الإعمار.. الهاجس التالي لما بعد الحرب

لو افترضنا جدلًا أن حماس ستخرج منتصرة في هذه الحرب وستتمكن من البقاء وأن السنوار سيخرج من الأنفاق ليعلن خطاب النصر فهل بإمكان حماس الاستمرار في الحكم فوق ركام الأنقاض؟
السبت 2024/08/24
تركة طوفان الأقصى ثقيلة جدا

وفقًا لأحدث التقارير، فإن فاتورة خسائر إسرائيل الاقتصادية جراء الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ عشرة أشهر قد تجاوزت 67 مليار دولار، في ما قدر تقرير لوكالة بلومبيرغ تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة بحوالي 80 مليار دولار. وعلى كل حال، فإن إسرائيل لها من الميكانيزمات الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية والاحتياطات النقدية والحلفاء والأصدقاء ما يمكنها من تدارك هذه الخسائر والتعافي. أما عن قطاع غزة، فالخسائر تتجاوز الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني بخمسة أضعاف، والدعم العربي والغربي للسلطة الفلسطينية بالكاد يكفي لتغطية عجز الموازنة المزمن.

منذ وصول حماس إلى الحكم، عاشت غزة جولات من الحروب والمواجهات العسكرية الدامية حولتها إلى رقعة جغرافية محاصرة ومفصولة سياسيًا واقتصاديًا عن الجزء الآخر مما تبقى من فلسطين 67. ولم تتمكن أيّ من الحروب السابقة من تغيير المعادلة أو استرجاع جزء بسيط من أراضي فلسطين 48، وهي نتيجة منطقية نظرًا للفارق الشاسع في القوة العسكرية.

ولو افترضنا جدلًا أن حماس ستخرج منتصرة في هذه الحرب وستتمكن من البقاء، وأن يحيى السنوار سيخرج من الأنفاق ليعلن خطاب النصر ويعد الغزيين بحياة أفضل ما بعد السابع من أكتوبر، فهل بإمكان حركة حماس الاستمرار في الحكم فوق ركام الأنقاض؟ وهل بإمكان حلفائها، وفي مقدمتهم إيران، أن يحشدوا الدعم المالي الكافي لعودة جزء بسيط من الحياة اليومية التي اعتادها الغزيون ما قبل السابع من أكتوبر رغم أنها في الأصل كانت توصف بالأوضاع السيئة؟ قطعًا لا، فحماس رسمت نهايتها السياسية بطوفان الأقصى وفقدت مجمل قدرتها العسكرية، ومن المستحيل أن تعود لحكم قطاع غزة إلا إذا مكنها بنيامين نتنياهو من ذلك.

◄ الصورة السوداوية للوضع العام في قطاع غزة لا تعني بالضرورة أن الحياة أصبحت مستحيلة هناك وأنه لا فائدة من الحديث عن مستقبل مشرق بعد كل الخراب الذي لحق

التكلفة المادية والبشرية لطوفان الأقصى تجاوزت كلفة الحروب الخمس التي خاضتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، والنتائج المحصلة قد يصح وصفها بالعكسية، رغم النفخ الإعلامي الذي تمارسه جهات لها مصلحة من بقاء أذرع إيران في المنطقة. والتحدي الأكبر لن يكون في شكل السلطة التي ستحكم القطاع ما بعد وقف الحرب، بل في مشكلة إيجاد آلية تمويل قادرة على التعامل مع الحجم الهائل من الضرر الذي وقع على البنية التحتية، خاصة وأن تركة طوفان الأقصى ثقيلة جدًا وليس بالإمكان أن تتحملها ملايين الدولارات من لجنة إعمار غزة القطرية أو ملايين الدعم العربي الذي لم يعد سخيا.

يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا إلى أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة قد تستغرق 10 سنوات على أقل تقدير، ما بين رفع ركام الحرب والبدء في مشاريع الإعمار واستعادة البنية التحتية والخدمات عافيتها الكاملة. هذا في حال لم تعرقل إسرائيل تحويل الأموال واستيراد المواد الضرورية في عملية البناء، وفي حال لم يتخلف الداعمون العرب والغرب عن وعودهم بالدعم المالي لأسباب سياسية كما كان الحال في الحروب السابقة.

وجود مليوني شخص في بقعة جغرافية توقفت فيها جل المصانع ومؤسسات الإنتاج والخدمات عن العمل يعني أننا في حاجة إلى دعم مالي كبير لسد احتياجات الأسر وكلفة المساعدات الإنسانية التي سيتعين على السكان تلقيها لسنوات حتى تعود غزة إلى مستويات ما قبل أكتوبر 2023. ستكون أيضًا من بين الهواجس الكبرى التي تنتظرنا ما بعد وقف إطلاق النار.

الصورة السوداوية للوضع العام في قطاع غزة لا تعني بالضرورة أن الحياة أصبحت مستحيلة هناك وأنه لا فائدة من الحديث عن مستقبل مشرق بعد كل الخراب الذي لحق. صحيح أن طوفان الأقصى كان مغامرة ارتدت بشدة على الغزيين، لكنه بلا شك سيرسم مشهدًا مغايرًا لمستقبل قطاع غزة بعيدًا عن أتون الحروب، ومعه بصيص أمل في تحريك عملية السلام التي لا بد أن تؤدي إلى إعادة تفعيل حل الدولتين كأساس واقعي وعقلاني وعادل.

8