إسرائيل تلعب مع مختلف أطراف الصراع في سوريا

تخلت إسرائيل في الفترة الأخيرة عن الكثير من تحفظاتها في ما يتعلق بالتدخل في الملف السوري وباتت اليوم أكثر وضوحا من حيث التصريحات الرسمية ومن حيث الفعل السياسي والعسكري، ضمن موقف يقرب الإسرائيليين من الروس أكثر منه من الأميركيين في مفارقة مردها التحذيرات الإسرائيلية من التواجد الإيراني في سوريا والتي لم تلق الاهتمام الكافي من واشنطن، فيما اختار الروس طمأنة إسرائيل بتعهدات حول السلوك الميداني للإيرانيين.
الثلاثاء 2017/08/22
روسيا تقدم لإسرائيل ما تتردد بشأنه الولايات المتحدة

كان الرئيس السوري بشار الأسد يكابر في خطابه (الأحد 20 أغسطس 2017) عن كون الموقف العدائي من إسرائيل هو أحد ثوابت وأركان السياسة التي يعتمدها. إسرائيل حاضرة في المشهد السوري، وتنسق مع الروس بخصوص كل التطورات أولا بأول، وسيلتقي رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، الأربعاء 23 أغسطس، مع الرئيس فلاديمير بوتين، في مدينة سوشتي الروسية، لبحث مقترحات وقف النار وخطوطها وتمحيص مواقف ومقاربات الأطراف المتحاربة ووضع آليات لكبح التمدد الإيراني في ساحة الحرب والتوصل إلى التفاهمات التي تعطي إسرائيل ما تريد.

لسنا هنا بصدد مناقشة المحددات التي طرحها الأسد حول المشهد السوري ولا استمراره في التغاضي عن المتطلبات الأساسية للشعب السوري، وفي الحديث عن الشعب كما يتخيله أو الشعب الذي يريد. فلا يختلف عاقلان، أو منصفان، على أن المعادلة ليست من طرفين اثنين، ولا هي تتشكل من النظام ومعه حلفاؤه أو النظام في ذيل حلفائه، مقابل إرهاب تحل تركيا والخليج في ذيله. فاللاعبون على الأرض كُثر ولهم أدوارهم الوازنة، وليس في مقدور النظام أن يحسم أمرا أو شيئا.

يلعب الإسرائيليون بأوراق عديدة؛ وفي محاولاتهم إقناع الأميركيين بتكثيف وتوسيع دورهم الميداني والسياسي لتقليص مساحات النفوذ الإيراني، تراهم يراهنون أيضا على الروس، وهؤلاء اختاروا طمأنة إسرائيل بتعهدات حول السلوك الميداني للإيرانيين، على اعتبار أن إسرائيل غير مستهدفة وظلت العقدة هي قوات حزب الله. أما الميليشيات العراقية ذات المرجعيات الإيرانية فلا تتطير منها إسرائيل.

الحلفاء الروس

يركز الإسرائيليون على رهانهم الروسي، لا سيما بعد أن رفضت الولايات المتحدة الالتزام بأن يتضمن الاتفاق حول التسوية في سوريا الشرط الإسرائيلي بخروج القوات الإيرانية من هذا البلد.

وتحقق الوفد الأمني الإسرائيلي الذي سافر إلى واشنطن، برئاسة يوسي كوهين رئيس وكالة الاستخبارات والمهام الخاصة الإسرائيلية (الموساد) من أن الأميركيين ليسوا مهتمين بإخلاء سوريا من الإيرانيين حتى بعد أن قدم الوفد الإسرائيلي معلومات استخباراتية وصفتها صحيفة يدعوت أحرونوت بأنها “في غاية الإزعاج وموثوق بها ومعززة بالبراهين من صور ووثائق على الانتشار الإيراني المتنامي في سوريا”. وعُرضت الأدلة أمام الأميركيين لكي يأخذوها في الحسبان قبل التسوية المتوقعة بين واشنطن وموسكو لإنهاء القتال في سوريا.

الإسرائيليون يركزون على الروس بعد أن رفضت واشنطن أن يتضمن الاتفاق حول التسوية في سوريا خروج القوات الإيرانية منها

اللافت المؤسف في هذا السياق، هو بؤس الأدوار العربية. إنه بؤس ناجم عن سوء التعاطي مع تطورات الصراع في سوريا، والنوم على وسادة الأفكار الثابتة عن الواقع المتحرك. فسوريا، التي لطالما وصفت بـ”قلب العروبة النابض” باتت في موضع تجاذبات أطرف كثيرة، ليس من بينها طرف عربي واحد وازن، ولا طرف النظام بالطبع.

ولعل أكثر الأسباب إيلاما لهذا الغياب هو أن الأطراف العربية التي تحمست لقتال قوات النظام السوري وحلفائه، واعتبرت أن مساندة شعب سوريا تكون بتسليح المجموعات المقاتلة وتمويلها كانت هي نفسها، في التعامل المباشر مع شعب سوريا وجموعه التي أرادت النجاة من البراميل المتفجرة والنيران، أكثر البلدان جفاء مع السوريين. فلا منطق في اقتصار المحبة على الأذرع العسكرية مع ممارسة الجفاء مع المجتمع السوري.

حرب الجبهة الشمالية

في هذا الخضم، تلعب إسرائيل بكل الأطراف الضالعة في الصراع الدائر في سوريا، ويتسم دورها بخليط من الدهاء والتشكي الكاذب. ومثلما هو سلوكها في حروب الإبادة، تتعمد تسمين الهدف بالديماغوجيا المخادعة، لكي تضلل طرفا ثالثا. فهي بكل مخرجات موقفها المعلن من التواجد الإيراني في سوريا، وقد وصل إلى مرحلة التمكين، يعلو صوتها صراخا وكأنها تعارض التواجد وتخشاه وترغب في القتال لدحره، وتستحث الأميركيين على التصرف معه. وهي كانت قادرة على منعه أصلا والتصدي له بعد خمس دقائق من وصول الميليشيا الإيرانية الأولى.

وصدقها بعض العرب، الذين رأوا موقفها المعلن، جديرا بجعلها حليفا، علما بأن الإيرانيين لن يقاتلوها، ولا العرب بمقدورهم الاعتماد عليها في شيء، في حال تفاقم علاقاتهم مع إيران، وستجد في التضليل ألف سبب لتبرير موقفها.

وفي هذا السياق، اخترعت مصادر استخبارية إسرائيلية سيناريو لحرب متوقعة سمتها “حرب الجبهة الشمالية” التي ستشمل سوريا ولبنان معا بوجود القوات الإيرانية. لذا فإن أعضاء الوفد الأمني الإسرائيلي إلى واشنطن أكدوا خلال المحادثات مع الأميركيين أنهم قادمون للتحذير من نشر قوات حزب الله وإيران وسوريا، وقالوا للأميركيين “إذا لم يطرأ التغيير الملموس على نهجكم، وإذا لم تنخرطوا بشكل أكبر وأكثر حزما، وأكثر عدوانية، فإنكم ستتركون الشرق الأوسط للإيرانيين برعاية روسية”.

ربما يقول بنيامين نتنياهو لبوتين إن الغالبية العربية في الإقليم تكن العداء للإيرانيين، لذا وجب تحذيركم من مغبة الاستمرار في دعم الإيرانيين والاستنكاف عن كبح جماحهم إن لم تغير موسكو نهجها، فإنها ستترك الشرق الأوسط للأميركيين.

كاتب وسياسي فلسطيني

6