إريك زمّور.. ترامب فرنسا الذي قد يفاجئ الجميع

الحملة الانتخابية لزمور استندت على عدد من المبادئ والشعارات الرنانة، منطلقة من مطالبته لمؤيديه بـ"تغيير مجرى التاريخ واسترداد فرنسا".
الثلاثاء 2022/04/05
مرشح رئاسي يريد تغيير مجرى التاريخ

باريس- أحدث فصول الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي الفرنسي المثير للجدل إريك زمور، كان طرده قبل يومين على يد شقيق نجم كرة القدم زين الدين زيدان من ملعب رياضي بناه زيدان بِبلدية إيكس أون بروفونس في الجنوب الفرنسي.

وانتشرت مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر كيف حاول زمور دخول الملعب مرتديا ملابس رياضية قبل أن يتم طرده بسبب مواقفه المعادية للمسلمين والعرب في فرنسا.

لا يتوقف زمور الذي يعرّف عن نفسه بأنه فرنسي يهودي، أولا ثم يهودي من أصل بربري، عن إثارة الجمهور بفعل الأفكار التي يطرحها والأساليب التي يختارها للتعبير عن توجهاته من خلالها. فمرة يتعهّد بدعم الجزّارين الفرنسيين في وجه اللحم “الحلال”، منسجما مع ما وعدت به منافسته ماريان لوبان بمنع اللحوم “الحلال” و”الكوشير” في فرنسا، سواء كانت للمسلمين أو لليهود. أما زمور فقد دخل سباق اللحوم السياسي لاستعادة ما سماها بعراقة وريادة المطبخ الفرنسي على مستوى العالم. وكان يقول ذلك وهو يمشي في سوق رانجيس قرب باريس، حاملا بين يديه دجاجة مذبوحة بالصعق الكهربائي.

استرداد فرنسا

◙ أحدث فصول الحملة الانتخابية لزمور الذي يقول عن نفسه "أنا أمازيغي تم استعماري من قبل العرب الجزائرين"، طردُه قبل أيام من ملعب رياضي بناه نجم كرة القدم زين الدين زيدان بِبلدية إيكس أون بروفونس بِالجنوب الفرنسي

استندت حملة زمور على عدد من المبادئ والشعارات الرنانة، منطلقة من مطالبته لمؤيديه بـ”تغيير مجرى التاريخ واسترداد فرنسا”. وهذا ليس جديدا على زمور، فقد كان وعلى مدى أعوام طويلة مضت يرفع صوته برفض المظاهر الثقافية للجاليات المسلمة في فرنسا، وقد عبّر عن ذلك في كتابه “فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة بعد”، ما تسبب بموجة من الاتهامات التي وجهت إليه بالعنصرية والهوموفوبيا والتمييز ضد النساء. لكن زمور لا يكترث، بل يزيد من جرعة تصريحاته ليس فقط حيال الطقوس والعادات بل حتى تجاه الأسماء.

يقول زمور “إذا أصبحت رئيسا لفرنسا فسأمنع تسمية المواليد الجدد باسم محمد”. مقتديا بالإمبراطور نابليون بونابرت وأسلوبه في التعامل مع اليهود إبان الثورة الفرنسية. وحينها أطلق القانون 1803 الذي يمنع منح المولودين في فرنسا أسماء غير فرنسية. وللمفارقة فقد ظل هذا القانون ساريا حتى العام 1993. وهو يعزّز حملته تلك بالمزيد من الحديث عن الناخبين وكيف يرون فرنسا، حين يقول “لم يعد الوقت مناسبا الآن لإصلاح فرنسا، بل لإنقاذها، فالكثير من الناخبين لم يعودوا قادرين على التعرّف على بلادهم”.

كل تلك الأفكار لم تدفع الحكومة إلى تصنيفها تحت بند العنصرية أو العداء للسامية أو غير ذلك، فقط اكتفت وزيرة الثقافة الفرنسية بالقول إن الحكومة رأت أن الأفكار التي يروج لها زمور يجب أن تتقلّص مدة بثها في الإعلام، مع الحفاظ على حقه في التعبير عن توجهه.

خصومه ومؤيدوه يعتبرونه “ترامب فرنسا”، ولكن لهذا ضريبته، فترامب بقدر ما صعد بشكل ساحق، كانت آثاره على المجتمع الأميركي بليغة وهزيمته مدوية في الانتخابات الأخيرة أمام بايدن. فهل ستكون فرنسا مستعدة لمثلما واجهته الولايات المتحدة؟

زمور المولود في مونتروي عام 1958 وسط عائلة يهودية هاجرت إلى فرنسا من الجزائر، يُعرف ككاتب وصحافي وشخصية تلفزيونية، كان والده أيضا صحفيا في “لوفيغارو”. ثقته بفوزه بمنصب رئاسة الجمهورية لا حدود لها، كيف لا وهو الذي منحته استطلاعات الرأي طيلة الشهور الماضية مرتبة متقدمة في سباق الشعبية بعد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

تمكّن من ترسيخ نبرته اليمينية بإصرار، ولم يوفر فرصة لانتهازها ووضعه تحت الأضواء، كي تكون ردود الفعل، ها هو زمور المهاجر عنصريٌ أكثر من العنصريين، وجه انتقادات حادة لوزيرة العدل السابقة رشيدة داتي، معتبرا إياها غير وطنية بإقدامها على اختيار اسم عربي لابنتها. وقبل ذلك أعلنت قناة “تيلي آي” إنهاء تعاملها مع زمور بسبب تصريحاته لصحيفة ديلا سيرا الإيطالية التي قال فيها إن “للمسلمين قانونهم المدني وهو القرآن، والمسلمون يعيشون منغلقين على أنفسهم في الضواحي التي أرغم الفرنسيون على مغادرتها”، إلى جانب انتقاده للاتحاد الأوروبي الذي لم يقم باستيعاب المهاجرين الذين قدموا إلى فرنسا.

لكن صورة زمور خارج فرنسا ليست أفضل حالا فقد اعتبرته مجلة دير شبيغل أسطورة “التبادل الكبير”، وهذا المصطلح دارج بكثافة في أوساط اليمينين الأوروبيين. إذ يعني التبادل الكبير استبدال السكان الأوروبيين بالمهاجرين المسلمين وأحفادهم.

"لصوص وقتلة ومغتصبون"

◙ الإسلام حسب زمور، لا الجماعات الإسلامية وحدها كما ترى لوبان، غير متوافق مع مبادئ فرنسا
الإسلام حسب زمور، لا الجماعات الإسلامية وحدها كما ترى لوبان، غير متوافق مع مبادئ فرنسا

تصريحات زمور عن اللاجئين والمهاجرين، عادة ما تكون خليطا من الشتائم والإهانات التي طالت أخيرا حتى الرئيس ماكرون ذاته الذي وصفه مؤيدو زمور بأنه “قاتل“. الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة ورافضة.

كل ذلك العنف اللفظي جعل من زمور ضيفا دائما على المحاكم الفرنسية، بعد أن رفعت ضده أكثر من خمس عشرة دعوى تحريض وإهانة. أما صحيفة ليبراسيون الفرنسية فتتهم زمور بالقرب من مجموعات النازيين الجدد، إلا أنه يبستم دوما للكاميرات ويقول إنه يفعل ذلك فقط من أجل المتعة دون أن ينسى التلفظ بذلك وهو يصوب فوهة بندقيته نحو الصحفيين.

إلا أن الرفض الأوروبي لخطاب زمور لا يبدو رفضا جذريا، فعلى الرغم من شكواه المستمرة من أنه يتعرض لعمليات حظر وحجب ورقابة ظالمة، إلا أن شيئا من هذا لم يتم رصده على أي من وسائل التواصل الاجتماعي، حتى حسابه على تويتر لا يزال مفتوحا، بل إن التحذير الذي ستجده حين تفتح صفحته من داخل بريطانيا، تحذير يشبه ذاك الموضوع على علب التبغ، سيخبرك تويتر بأن محتوى الصفحة “حساس” ثم سيسمح لك بالدخول بشكل طبيعي بلا أي قيود. وهناك من يتساءل ما هو مصير هذا الذي بات موضوعا للكثير من المواد الإعلامية وأغلفة المجلات والصفحات الأولى في الصحف، رابطين ذلك بالطريقة ذاتها التي أسهم بها التلفزيون الأميركي “بمليارات من الإعلانات المجانية لحملة ترامب الانتخابية في عام 2016 بسبب هوسهم به”.

◙ البيض الأوروبيون يطالبهم زمور بإنجاب المزيد من الأطفال، تخوفا مما يسميها بالديموغرافيا الإسلامية الضخمة

لكن زمور الذي لا يضيع الوقت، أخذ يطلق تهديداته من الآن، حول أنه في حال وصل إلى الرئاسة قد يستولي على منازل وممتلكات زعماء أفارقة ويوقف التحويلات المالية إلى بلدانهم إذا رفضوا استعادة مهاجريهم. وهو لا يرى أن اليمين الفرنسي كان محقا في انتقاده للجماعات الإسلامية في فرنسا وحدها، بينما هو يرى أن الإسلام كله غير متوافق مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، فهذا الدين، حسب زمور، نقيض لمبادئ الجمهورية ويشكل خطرا عليها. ما يعرّض فرنسا لاحتمال أن تنشب فيها حرب أهلية وأن تصبح “لبنان آخر” على حد تعبيره.

يطرح برنامجا انتخابيا بخطط وأهداف من بينها الحد من سياسة الهجرة إلى فرنسا ووقف المساعدات الاجتماعية المقدمة للمهاجرين. إضافة إلى خطة متكاملة لتنفيذ عملية طرد نهائي لجميع المهاجرين غير النظاميين من فرنسا، ونزع الجنسية من آخرين. ومن أجل هذا البرنامج طاف زمور على مؤسسات الدولة والنقابات والجمعيات، والتي كان من بين أبرز لقاءاته فيها ذاك الذي جمعه بنقابات الشرطة، حين قال إن “ما يحدث ليس مواجهة سلطة مع منحرفين بل أكثر من ذلك، هو صراع بين حضارتين في فرنسا، ويجب على الحضارة الفرنسية أن تفرض نفسها على الأخرى. إن المنحرفين الذين يقطنون الأبنية السكنية المرتفعة هم رفاق للجهاديين، في معركة تضع المهاجرين في مواجهة الثقافة الفرنسية الأصيلة”.

من بين وعود زمور مشروع إنهاء الهجرة تماما، وإلغاء قانون حق لم شمل الأسر، وقوانين اللجوء، وإلغاء المساعدات الاجتماعية والطبية للأجانب من غير الأوروبيين. ومثل هذا الخطاب الشعبوي، يناكف الحالة الثقافية

لفرنسا التي لم تعتد على هذا المستوى من العداء للآخر، حتى من اليمينيين التاريخيين أنفسهم. ما يجعل من زمور تهديدا حتى لدور فرنسا في التأثير في الشعوب والثقافات الأخرى، ومثال ذلك حين اتهم زمور الوزير الأسبق جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي في باريس، بأنه ومعه معهد العالم العربي، إلى جوار نشر اللغة العربية. مجرد وسائل لأسلمة فرنسا.

ومن أجل ذلك يطالب زمور البيض الأوروبيين بإنجاب المزيد من الأطفال، ويقول “نحن واقعون بين ديموغرافيا إسلامية ضخمة، وبين هذا الخطاب التفكيكي باسم المساواة بين الرجل والمرأة، وباسم حرية المثليين”.

ما بعد أوكرانيا

◙ اللاجئون الأوروبيون المسيحيون، بنظر زمور، أفضل من العرب والمسلمين
اللاجئون الأوروبيون المسيحيون، بنظر زمور، أفضل من العرب والمسلمين

وفي منتصف شهر مارس الماضي، وبعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، قال زمور، إنه يفضل دعم بولندا بالمساعدات الطبية والغذائية والمالية، حتى تستطيع النساء والأطفال اللاجئون القادمون من أوكرانيا البقاء بالقرب من أزواجهن وآبائهم الذين يقاتلون القوات الروسية داخل البلاد. داعيا لعدم استقبال اللاجئين الأوكرانيين، قبل أن يعدّل من تصريحاته.

قال زمور إن الأوكرانيين شعب أوروبي مسيحي وأكثر قربا للفرنسيين من أمواج المهاجرين من البلدان العربية المسلمة ودول الشرق الأوسط. مع أن الهجرة أضعفت فرنسا وأفقرتها وأحدثت فيها نوعا من الفوضى. وحن سألته الصحفية التي أجرت معه الحوار “أنت مع هجرة البِيض الأوروبيين لكنك ضد العرب والمسلمين؟” أكّد زمور ذلك معتبرا أنه من الصعب تثقيف وتعليم العرب والمسلمين عكس الأوروبيين المسيحيين.

يرى زمور أن عدم انتخابه من قبل المواطنين الفرنسيين سيكون خسارة كبيرة لفرنسا، وهو يبشّر ببرنامج ينقذ الفرنسيين من انهيار النظام التعليمي وغزو المهاجرين وتدهور المستوى الاقتصادي للعائلات كما يقول.

ولا ينسى استثمار الحروب والاضطرابات في العالم مجددا، حين يبرر أنه في حال تمت إعادة انتخاب ماكرون فسيعيش الفرنسيون مرة أخرى زيادة في أعمال العنف والجرائم، مع وصول مليوني أجنبي إلى فرنسا خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى ارتفاع الضرائب، ما سيرفع من احتمال تحوّل فرنسا إلى “بلد أفريقي مسلم”.

وحين يطرح مفكر وسياسي فرنسي مثل هذا الرأي، مدافعا عن استعمار بلاد وطرد مواطنيها من فرنسا التي استعمرتهم واستثمرت ثرواتهم، فهذا لم يعد انغلاقاً عنصريا وحسب، بل فاشية من نوع جديد. خاصة حين يتلاقى زمور ويدعم تصريحات الرئيس ماكرون حول عدم وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وتأكيده أن فرنسا هي من صنعت الجزائر طيلة 132 عاما. ويتوّج زمور هذا كله بأغرب تصريحاته التي يقول فيها “أنا من أصل أمازيغي وتم استعماري من قبل العرب الجزائريين، وأنا أبارك الاستعمار الفرنسي”.

زمور يعتبر في أوروبا أسطورة "التبادل الكبير" أي استبدال السكان الأوروبيين بالمهاجرين المسلمين

 

12