إدمان المخدرات التحدي الجديد أمام الدول العربية

تشير الأرقام والإحصائيات إلى تنامي ظاهرة إدمان المخدرات في الدول العربية، لاسيما بالتزامن مع قيود جائحة كورونا التي فرضت على تجار المخدرات البحث عن طرق جديدة لترويج بضاعتهم عبر منافذ الإنترنت المظلم ما جعل الحكومات أمام تحديات معقدة لمواجهة هذه الآفة الخطيرة.
لندن- غذّت جائحة كورونا ظاهرة إدمان المخدرات بتحول التجار إلى الإنترنت لترويجها، حيث تتسبب هذه الظاهرة في زيادة احتمالية الإصابة بأمراض خطيرة وتهديد النسيج المجتمعي في وقت تتزايد فيه المطالب بالقضاء على هذه الظاهرة بالتزامن مع إحياء اليوم العالمي لمكافحة الإدمان على المخدرات.
ويعاني أكثر من 35 مليون شخص حول العالم الآن من إدمان تعاطي المخدرات وفقًا لأحدث تقرير سنوي عن هذه الآفة الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وتناول التقرير الأممي التأثير بعيد المدى لجائحة كورونا على أسواق المخدرات العالمية، حيث أكد أن هناك حوالي 269 مليون شخص تعاطوا المخدرات خلال عام 2018 مما يشكل قفزة بنسبة 30 في المئة من عام 2009.

غادة والي: مخاطر إدمان الفقراء تؤدي إلى تعرضهم للتمييز والوصم خلال مساعيهم للحصول على علاج فعال
وقالت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة غادة والي إن “الفئات الضعيفة والمهمشة والشباب والنساء والفقراء يدفعون ثمن مشكلة المخدِّرات العالمية”.
وامتد تأثير جائحة كورونا إلى إمدادات المخدرات حيث أدت القيود المفروضة على الحدود وإجراءات العزل المرتبطة بالجائحة بالفعل إلى نقص في المخدرات في الشارع، وبالتالي أدى ذلك إلى تناقص درجة نقائها وارتفاع أسعارها.
وسائل جديدة لترويج المخدرات
بما أن الجائحة تدفع المتاجرين في مختلف أنحاء العالم إلى إيجاد طرق وأساليب جديدة، رجحت منظمة الأمم المتحدة أن تزداد الأنشطة غير المشروعة عبر ما يسمى “الإنترنت المظلم” (دارك واب) وتهريب المخدرات ضمن شحنات بواسطة البريد، وفقا للتقرير.
ولأن هذه الجائحة قد أدت إلى نقص شديد في الإدمان على المواد الأفيونية، قد يبحث الأشخاص عن المواد المتاحة بسهولة أكبر، بما في ذلك الكحول والمهدئات أو باتباع طرق أكثر ضررا مثل الحقن في الوريد.
وحسب التقرير وفي حال تصرفت الحكومات كما فعلت في السابق تجاه الأزمة الاقتصادية لعام 2008 من خلال الحد من التدخلات السياسات المتعلقة بالمخدرات وتوفير خدمات الوقاية والعلاج، فإن تدابير مكافحة إدمان المواد الأفيونية يمكن أن تتأثر بشكل خاص، كما ورد في التقرير.
في حين أن توافر المواد الأفيونية الطبية يختلف في جميع أنحاء العالم، إلا أن التقرير يشير إلى أن البلدان منخفضة الدخل لا تزال تعاني من نقص حاد في العلاجات لإدارة الألم والرعاية التلطيفية.
ولا يؤدي الفقر والتعليم المحدود والتهميش الاجتماعي إلى زيادة خطر إدمان المخدرات فحسب، بل إنها نطاقات قد تواجه من خلالها الفئات المهمشة التمييز والوصم فيما تسعى للحصول على علاج فعال.
وفي عام 2018 تم توفير أكثر من 90 في المئة من المواد الأفيونية الصيدلانية لـ12 في المئة فقط من سكان العالم المقيمين في البلدان ذات الدخل المرتفع. وفي الوقت نفسه استهلك نحو 88 في المئة من سكان العالم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل أقل من 10 في المئة.
وبحسب التقرير فإن التشريعات والثقافة والأنظمة الصحية وممارسات وصف الأدوية كلها عوامل مهمة من أجل الوصول إلى المواد الأفيونية الصيدلانية.
وشدد التقرير على ضرورة العمل على التضامن وتقديم الدعم للبلدان النامية قبل كل شيء للتصدي للاتجار غير المشروع بالمخدرات وتقديم خدمات قائمة على الأدلة لاضطرابات تعاطي المخدرات والأمراض ذات الصلة.
وحسب البيانات تتزايد المؤشرات عن ارتفاع نسبة الإدمان في عدد من البلدان العربية فضلا عن تزايد الإشكاليات والتحديات التي ترافقها من انهيار الأنسجة المجتمعية وتنامي الجريمة والانتحار والإصابة بأمراض خطيرة.

شباب مدمن ينتظر العلاج
وفي هذا الإطار كشف مجلس القضاء الأعلى في العراق مؤخرا أن نسبة الشباب المدمنين على المخدرات قد تصل إلى 50 في المئة، عازياً الأمر إلى “سوء الأوضاع الاقتصادية” في البلاد.
ونقل بيان للمجلس عن قاضي محكمة تحقيق المسيب في بابل (وسط) نبيل الطائي قوله إن “نسبة الإدمان قد تصل إلى 50 في المئة بين الشباب، لكن هذا الأمر غير مكتشف بشكل رسمي”.
وأضاف أن “الأشخاص الذين يعملون بالمخدرات ويروجون لها موجودون في كل المناطق، وليس في منطقة محددة، لكن نستطيع القول إن النسبة الأكبر وحوالي 70 في المئة منها هي في الأحياء الفقيرة والمناطق التي تكثر فيها البطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية”.
وأشار الطائي إلى أن “سوء الأوضاع الاقتصادية ونسبة البطالة الكبيرة تؤدي إلى إقدام الكثير من الأشخاص على تناول المواد المخدرة، ظنا منهم أنها تنتشلهم من هذا الواقع المؤلم”.
ولفت إلى أن “جرائم المخدرات لم تعد محصورة بالرجال، بل أصبحنا نلاحظ تورط النساء فيها، ولعل أهم أسباب انتشارها تتركز في زيادة الإنتاج العالمي للمخدرات، كما أن لتطور تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات دوراً حيوياً في تسهيل انتشارها”. وقال الطائي إن “دعاوى المخدرات في المحاكم كبيرة جداً، والخط البياني في تصاعد مستمر”.
وكان يُنظر إلى العراق طوال عقود على أنه ممر لعبور المخدرات من أفغانستان وإيران إلى أوروبا ودول الخليج العربي. إلا أن البلد تحول إلى مستهلك رئيسي لمختلف أنواع المخدرات منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 على يد قوات دولية قادتها الولايات المتحدة، إذ تسود البلاد حالياً نزاعات وأوضاع أمنية واقتصادية غير مستقرة.
وفي تونس قال رئيس اللجنة الفنية لمكافحة الإدمان والسلوك الإدماني بوزارة الصحة نبيل بن صالح خلال إحياء اليوم العالمي لمكافحة الإدمان على المخدرات والإتجار غير المشروع بالمؤثرات العقلية خلال يوم 26 يونيو الجاري في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (وات) إن “تونس تعتمد على إستراتيجية وفق ستة محاور للنهوض بالصحة والوقاية من تعاطي المخدرات”.
التشريعات والثقافة والأنظمة الصحية وممارسات وصف الأدوية كلها عوامل مهمة من أجل الوصول إلى المواد الأفيونية الصيدلانية
وأشار وزير الصحة التونسي فوزي مهدي خلال موكب إطلاق الإستراتيجية إلى “وجود مقاربتين في التعاطي مع مسألة إدمان المخدرات؛ مقاربة أمنية تعتبره جرما وأخرى طبية تعتبره مرضا مزمنا”.
وأفاد أن السلطات تعمل على تمكين المدمن من العلاج باعتباره مريضا، وذلك عن طريق تهيئة أقسام للتعهد الطبي والاجتماعي لفائدة المدمنين. وأكد على ضرورة دعم المجهود العلاجي والوقائي عبر الحوار داخل الأسرة وتعزيز دور مكونات المجتمع المدني والتوعية والتحسيس بأهمية الإقبال على العلاج.
وفي وقت سابق قالت دراسة ميدانية أنجزتها وزارة التربية التونسية إن 9.2 في المئة من التلاميذ يتعاطون المخدرات، 17.4 في المئة منهم مدمنون ويتوزعون حسب الجنس إلى 78 في المئة من الذكور و22 في المئة من الإناث.
وأشارت الدراسة إلى أن حوالي 76.1 في المئة ممن شملتهم يعتبرون الحصول على المخدرات أمرا سهلا، مؤكدة أن 44.7 في المئة من المخدرات تباع في المحيط السكني للمستهلك و34.2 في المئة منها تباع بالقرب من المؤسسة التربوية و25.4 في المئة تباع داخلها.
كما بين مسح عنقودي لسنة 2018 لعينة تقدر بحوالي 11473 أسرة في تونس، أن نسبة تعاطي التبغ في صفوف المراهقين تصل إلى 42 في المئة لدى الذكور، مقابل 5.3 في المئة لدى الإناث ونسبة تعاطي الكحول تصل إلى 10.7 في المئة لدى الذكور و0.3 في المئة لدى الإناث.
في سوريا أصبحت المخدرات من أبرز آثار الحرب التي تدور في البلد منذ العام 2011، إذ انتعشت تجارتها وترويجها بين الشباب في مناطق مختلفة من البلاد، وفي وقت سابق اعتبر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هذه ظاهرة تنمو تدريجيا حتى باتت تنتشر بشكل واسع وملحوظ في مناطق الشمال السوري.
الحرب غذت الإدمان في سوريا
ونقل المرصد عن أحد العاملين بمركز متخصص في محاربة الإدمان بإدلب قوله إن المركز يستقبل بشكل شهري من 30 إلى 40 حالة تقريبا لأشخاص يعانون من حالات الإدمان بشكل عام من أرياف إدلب وحلب. ولفت الرجل إلى أن بعض الشباب السوري أصبح يتعاطى الأدوية المهدئة والمهلوسات، زيادة على إدمان تعاطي الكحول والمخدرات.
ومن بين حالات الإدمان الأكثر انتشارا “هناك الإدمان على الحشيش بنسبة كبيرة، ثم يأتي بعد ذلك الإدمان على أدوية مثل الترامادول والكبتاغون، والتي يشبه تأثيرها إلى حد كبير نتائج وتأثير المخدرات” وفق التقرير.
وحسب مراقبين يغذي غياب الرقابة والفوضى الأمنية، وانتشار الصيدليات غير المرخصة التي تبيع بعض أنواع الأدوية التي تنافس المخدرات في تأثيرها والفساد تجارة المخدرات في سوريا.
وفي ليبيا كشفت دراسة أجراها المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي أن هناك كارثة مجتمعية، حيث أن هناك ما يقرب من 87 في المئة من مدمني المخدرات في ليبيا قد أصيبوا بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
وأكد المجلس على ضرورة الإقرار أن الهيروين البودرة هي أحد أكثر أنواع المخدرات المنتشرة في ليبيا وهي التي يتم تعاطيها من خلال الحقن الوريدي، حيث يتم تعاطيها من خلال مشاركة أكثر من شخص للحقنة الواحدة. وساهمت عدة عوامل في تفشي المخدرات في ليبيا مثل انتشار عصابات التهريب عقب الاضطرابات الأمنية التي سهلت الحصول على المخدرات.
ويسبب الإدمان على المخدرات أضرارا تشمل الفرد والأسرة والمجتمع ككل، وفي حقيقة الأمر تشمل أضرار المخدرات جميع المناحي الحياتية من حيث الآثار الجسدية والنفسية على الأشخاص خاصة الإصابة بالاضطرابات النفسية.
وتكمن خطورة الإدمان حسب خبراء في توليده لآفات أخرى أشد ضررا مثل الإصابة بالأمراض التي تنجر على نقل الحقن ومخاطر الانتحار لاسيما لدى المراهقين، وترفع معدلات الجريمة حيث يساهم مفعول المخدرات في إذهاب إدراك العقل البشري فضلا عن التفكك الأسري والمجتمعي ككل.
وتهدف جهود المنظمات العالمية التي تحتفل بيوم 26 يونيو كل عام لمكافحة استخدام المخدرات والاتجار غير المشروع بها من أجل تعزيز العمل والتعاون لتحقيق هدف إقامة مجتمع دولي خال من استخدام المخدرات.
ويهدف هذا الاحتفال العالمي الذي يدعمه كل عام الأفراد والمجتمعات المحلية والمنظمات المختلفة في جميع أنحاء العالم إلى زيادة الوعي بالمشكلة الرئيسية التي تمثلها المخدرات غير المشروعة في المجتمع.
أكثر من 35 مليون شخص حول العالم يعانون الآن من إدمان تعاطي المخدرات وفقًا لأحدث تقرير سنوي عن هذه الآفة الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.