إدارة بايدن في مرمى الانتقادات والهدنة ضرورة قصوى

بعد تعرضها لضغوط من داخل الحزب الديمقراطي والشارع الأميركي ومن حلفائها في المنطقة وفشلت في كبح جماح نتنياهو الذي لا يعترف بالخطوط الحمراء أصبحت إدارة بايدن في مرمى الانتقادات.
الأربعاء 2023/11/08
الرهان على ورقة نتنياهو يضر بمصلحة بايدن

في الوقت الذي يزداد فيه عناد وتصميم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المضي قدما في عمليته العسكرية رغم المتاعب الكبيرة التي تتكبدها قواته على حدود قطاع غزة، يبدو أن الإدارة الأميركية أصبحت تمارس ضغوطا عليه وتحثه على هدنة إنسانية بعد أن أصبحت الجوانب الأخلاقية مسألة تحرج إدارة بايدن وتضعها تحت ضغط داخلي وخارجي، لاسيما وأن دعمها المطلق لإسرائيل في حربها ضد حماس يشوش على علاقاتها مع شركائها في المنطقة، ومن هذا المنطلق فإن الإدارة الأميركية إذ تحث نتنياهو على هدنة إنسانية فهي تبحث من خلال ذلك عن إضفاء التوازن ما بين دعم إسرائيل والإصغاء لشركائها الرافضين لاستمرار الحرب بهذه الطريقة.

حمل وزير الخارجية أنتوني بلينكن في زيارته الثالثة إلى إسرائيل خطة أميركية تقضي بإعطاء فرصة أكبر لجهود الوساطة بشأن الرهائن، ورغم حرصه الشديد على إظهار الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل لكنه في نفس الوقت لمح إلى أن للإدارة الأميركية تصوراتها الخاصة حول طريقة القضاء على حماس، وهي غير راضية عن المسار الذي اتخذه نتنياهو في التعامل مع قطاع غزة بعد طوفان الأقصى. طبعا ليس لأن إدارة بايدن تحرص على حياة المدنيين الفلسطينيين، ولكنها حريصة على أن ينسب لها النجاح في تحقيق هدنة إنسانية تبعد عنها تهمة السكوت عن حرب الإبادة الجماعية.

لم تكتف هذه الحرب بعرقلة مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وبتقديم الفرصة لفلاديمير بوتين للهجوم على الإدارة الأميركية وتحميلها مسؤولية فشل حل الدولتين وبتعليق البحرين لعلاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، لقد امتد أثرها السلبي ليحدث انقساما داخل البيت الأميركي وخاصة من قبل اليساريين حول موقف إدارة بايدن من الحرب وانحيازها الواضح لإسرائيل دون الاهتمام بحياة المدنيين في غزة، وتبعت ذلك استقالة جوش بول الذي كان يشغل منصب مدير شؤون الكونغرس بالخارجية الأميركية، كما تقدم أكثر من 100 عضو في الكونغرس الأميركي برسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن طالبوا فيها بتحرك أميركي فوري للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة. كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة التي نشرتها مؤسسة غالوب تراجعا كبيرا في شعبية بايدن بسبب انحيازه السلبي لإسرائيل في الحرب.

◙ الإدارة الأميركية إذ تحث نتنياهو على هدنة إنسانية فهي تبحث من خلال ذلك عن إضفاء التوازن ما بين دعم إسرائيل والإصغاء لشركائها الرافضين لاستمرار الحرب بهذه الطريقة

إدارة بايدن تضع في الحسبان تداعيات حرب أوكرانيا على الورقة الانتخابية، وهي مدركة أيضا لانعكاسات هذه الحرب على أصوات الناخبين المسلمين واليهود المعتدلين ونحن على بعد عام فقط من انتخابات الرئاسة، وهو ما يعني أن الرهان على ورقة نتنياهو الخاسرة قد يصبح مقامرة من شأنها أن تضر بمصالح بايدن في طريق البحث عن ولاية رئاسية ثانية، وبالتالي فإن الوصول إلى هدنة من شأنه أن يقلل من حدة الانقسام وأن يضبط الأمور استعدادا لاستحقاق 2024.

بالرغم من أنه نجا من الضغوط الشعبية التي حصلت في معركة التعديلات القضائية، إلا أن سقوط نتنياهو بات مصيرا محتوما، بعد أن انضمت أصوات أخرى لتطالب برحيله ومحملة إياه مسؤولية الفشل السياسي والأمني الذي قاد إسرائيل إلى ما حصل في 7 أكتوبر. ولا شك أن الإدارة الأميركية استشعرت أن أيام هذا الرجل على رأس حكومة إسرائيل قد باتت معدودة، وأن إصراره على فرض تصوره الخاص في هذه الحرب وربط الهدنة بملف الرهائن يهدف إلى إطالة أمد الأزمة، وذلك بغية الهروب إلى الأمام والإفلات من المساءلة التي يعدها معارضوه للنيل منه وإنهاء مشواره السياسي.

بعد تعرضها لضغوط من داخل بيت الحزب الديمقراطي والشارع الأميركي ومن حلفائها في المنطقة وفشلها في كبح جماح نتنياهو الذي لا يعترف بالخطوط الحمراء، أصبحت إدارة بايدن في مرمى الانتقادات، وهي اليوم أحوج من أي طرف آخر إلى تحقيق اختراق يفضي إلى هدنة إنسانية ترفع بعضا من الحرج عنها، ومن غير المستبعد أن تفرض الضغوط الدولية والإقليمية وتطورات المشهد السياسي في إسرائيل تحولا دراماتيكيا في الموقف الأميركي في الأيام القليلة القادمة يترجم بالمطالبة بوقف فعلي لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات في حال فشلت العملية البرية في حسم الحرب، وهو فشل متوقع لاعتبارات عديدة منها طبيعة الميدان الذي ستجري فيه المواجهة.

8