إخوة طارق متخاذلون ومازالوا يتآمرون على العلواني
ابتلي السنّة العرب بالعراق في الفترة التي أعقبت التاسع من أبريل 2003 بمجموعة من الأفاقين والمغمورين، طفحوا على السطح واشتغلوا في السياسة على أساس أنها تجارة وبزنس وليست مبادئ ومفاهيم ومعارك، فهذه اعتبارات “ما توكّلْ خبز” كما يردّدها بمناسبة وغير مناسبة الكثير من المشاركين في العملية السياسية وعديد النواب والوزراء في الحكومات المتلاحقة، وآخرها حكومة العبادي الحالية.
ومن يتمعن جيدا في وجوه ومواقف من يسمون أنفسهم بممثلي “المكون السني” يلاحظ أن أكثرهم غير معني بما تتعرض له مناطق ومحافظات هذا المكون، ولا يبالي بالأوضاع المأساوية التي يعيش تحت وطأتها الملايين من المواطنين وهم يواجهون القهر والتنكيل والتقتيل والبراميل المتفجّرة وذبح المليشيات الطائفية والتشريد والتهجير، دون أن يبادر واحد منهم ويذهب إلى منطقته وبلدته ويشارك أهله وقومه إنسانيا وإعلاميا على الأقل، جزءا من المعاناة التي هيمنت عليهم وباتت السمة السائدة لحياتهم اليومية، دون أن يحدث ولو تغيير بسيط أو جزئي في مسارها.
تحول هؤلاء إلى كائنات خرافية في السرقة واللصوصية، ولا فرق عندهم بين سرقة بقرة الجيران في الماضي، أو اختلاس ملايين الدولارات من العقود والمقاولات حاليا، وبعضهم توزعوا على حصص هذه الدولة أو تلك، أو ارتموا تحت جناح هذا الطرف أو ذاك، فمنهم من أسرع ودخل في حضانة الأميركان والسي آي إيه، وعدد منهم صار من حصة إيران وقاسم سليماني، وآخر أصبح ضمن “سنّة المالكي” في السنوات الأخيرة، ويستعد للانتقال إلى خانة “سنة التحالف الشيعي” بقيادة العبادي وآل الحكيم والجعفري، والفئة الأخيرة من أخطر الفئات.
وتصوروا مسؤولا سياديا- هكذا يسمونه- لا يفتح فمه بكلمة واحدة تندد بما تفعله المليشيات الطائفية من عصائب الخزعلي وبدر هادي العامري ولملوم الحشد الشيعي في قضاء المقدادية وعشرات النواحي والقرى التابعة له في محافظة ديالى، والطامة الكبرى أن هذا المسؤول “السيادي” من أبناء هذا القضاء والمحافظة، وهو يشاهد بأم عينيه ما يتعرض له حوالي نصف مليون إنسان من أبناء القضاء الصامد بوجه عصابات الموت والفرق الإيرانية، التي تسعى إلى تغيير بيئة وطبيعة وتاريخ هذا القضاء الأكبر في محافظة ديالى، وثالث قضاء إداري من حيث المساحة والسكان في العراق.
وما يحدث في محافظة ديالى وقضاء المقدادية يحدث مثله في محافظة الأنبار والفلوجة والرمادي وبقية المدن والبلدات في المحافظة، مع العلم أن نائب رئيس الوزراء ووزيري التخطيط والكهرباء الحاليين من هذه المحافظة، وربما سيلتحق بهم رابع ليتولى وزارة الدفاع، وجميعهم ممّن يسمون بـ“المنبطحين” المستعدين لبيع مناطقهم وعشائرهم وحتى أقاربهم مقابل صفقة مليونية أو الحصول على منصب وزير أو موقع نائب، وأحدهم مسح المالكي به الأرض وأهانه كثيرا، ولكنه استمر معه نائبا له بالاسم فقط، بلا سلطات ولا صلاحيات، وواصل مسيرته المفعمة بالذل مع العبادي.
أما الوزير (الفلوجي) الذي سقط في الانتخابات الأخيرة، فإنه تمكن بنفاقه وتهافته من تعويض خسارته النيابية بمقعد وزارة، لا علاقة له بمهامها من قريب أو بعيد (ويقولون إن حكومة العبادي جاءت للتغيير والإصلاح)!
هذا الوزير وهو ينتسب إلى عشيرة عربية أصيلة قدّمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين خلال الهجمات على الفلوجة الباسلة، تعرض منزله في المدينة إلى برميل متفجر في أول يوم باشر فيه بمنصبه، وبدلا من أن يحتج، رد لا مباليا (خلي ينهجم.. أعوضه بعشر بيوت) والتعويض هنا معروف المصدر، وقد شوهد مؤخرا في عمان وهو يرتدي بدلة كان الشيخ خميس الخنجر قد تبرع بها إليه في صيف 2006 على رؤوس الإشهاد والشهود، وبالطبع فإن تمسكه بالبدلة العتيقة، ليس من باب الاعتزاز بالهدية وصاحبها، أو استذكار أفضاله وهباته الكثيرة، وإنما من باب البخل المشهور به سابقا وحاليا وبالتأكيد مستقبلا، والطبع يغلب التطبع دائما.
أما الوزيران اللذان تم استيرادهما من محافظة صلاح الدين، وهما أبناء عمومة، فالحديث عنهما يشل العقل عن انتهازيتهما، فهما الآن من أشد المحرضين على قصف مدن ومناطق المحافظة، بل إنهما قدما مع نائب مستجد من طينتهما، معلومات استخبارية ملفقة إلى القوات الأمنية وميليشيات بدر والعصائب والحشد الشيعي ضد شيوخ عشائر ومواطنين أبرياء وآمنين في سامراء والضلوعية والشرقاط وبيجي والعلم والصينية.
والكلام عن الموصل أم الربيعين، التي كانت مسبية من قوات المالكي ومهدي الغراوي وصارت أسيرة لدى داعش وأخواتها، فلا أحد من الذين (بربعوا) بخيراتها وتحدثوا باسمها يتذكرها الآن، وهي تعيش وحيدة تواجه جور تنظيم الدولة الإسلامية وصواريخ الطيران الحكومي على أحيائها وهجمات قوات البيشمركة الكردية على أطرافها وأقضيتها، بينما من كان يدعي أنه ابنها، جلس على كرسي نائب رئيس الجمهورية وصمت صمت القبور، وشقيقه المحافظ يشم طيب الهواء في منتجعات أربيل وصلاح الدين، أما النواب الذين يفترض أنهم يمثلونها، فقد غادروا السبل السوية التي تحفظ ماء وجوههم على الأقل واتجهوا إلى الطرق الملتوية بحثا عن فتات الموائد.
هذه الوجوه الكالحة وأصحاب المواقف المخزية، لاحظوهم كيف تنكروا لرفاقهم السابقين ممّن حاربهم المالكي بتحريض إيراني، فلا واحد منهم تذكر طارق الهاشمي ومحمد الدايني وأحمد العلواني وعبدالناصر الجنابي وعدنان الدليمي الذين- اتفقنا معهم أو اختلفنا- تصدوا علناَ لجرائم المالكي وسياساته الطائفية وفضحوا التدخلات الإيرانية وممارساتها العدوانية ضد العراق وعروبته، فكان مصيرهم الملاحقات القضائية الباطلة والاعتقال والتشريد، والمفروض أخلاقيا ومنطقيا، وقد ولّى المالكي إلى غير رجعة وهو أصل المشكلة، أن يبادر من يزعمون أنهم من السنّة العرب ويطالبوا بجزء من العدالة وذرة من الحق لزملائهم السابقين، الذين تشفع لهم مناهضتهم للطاغوت ورفضهم الخضوع لإرادته وجبروته، وهذه المواقف وحدها تدعو إلى إنصافهم، فكل من رفع صوتا ضد طائفية المالكي وقال “لا” لسلوكياته أو تصدى لجرائمه وانتهاكاته، يجب أن يستعيد حقوقه المغتصبة على أقل تقدير، أما من شهر السلاح الحق بوجه المالكي الباطل، فهو يستحق التكريم والاعتزاز، هذه بديهية يقرها التاريخ والحياة، ولا يستطيع أحد تجاهلها.
ولاحظوا كيف اتفق قادة الكتل الشيعية على إعادة الاعتبار للمالكي، وأجمعوا على تعيينه في منصب نائب رئيس الجمهورية، لتفادي ملاحقته قانونيا ومحاكمته مستقبلا على جرائمه وانتهاكاته، رغم خلافاتهم السياسية معه، وظلوا يجادلون بأن المالكي أخطأ، ويعترفون بأنه آذى السنة العرب، ولكنه وفق رأيهم لا يستحق الإقصاء والمحاكمة لسبب بسيط هو أنه شيعي، هكذا يجاهرون بأعلى صوت بلا حرج أو تردد، بينما أسامة النجيفي وسليم الجبوري وسلمان الجميلي، ويقال إن صالح المطلك قد التحق بهم مؤخرا، يتوسلون الآن للأميركان والعبادي ومعصوم وبعض القيادات الشيعية والكردية، لإغلاق قضية صاحبهم رافع العيساوي تمهيدا لترشيحه وزيرا للدفاع، وهم يعرفون أن قضيته مفتعلة، اختلقها المالكي بعد أن أحس أن وزير ماليته بدأ يغرّد خارج السرب، ولو كان هؤلاء الأربعة أصحاب غيرة ومروءة لرفضوا المشاركة في هذه الحكومة، بأي شكل من الأشكال، إلا بعد إنصاف ربعهم وإعادة الاعتبار إليه، خصوصا وأن القاصي والداني يعرف حجم العدوان والظلم اللذين سلطهما المالكي على زملائهم السابقين، نتيجة رفضهم الخنوع له.
أحد العراقيين ويقيم في لندن وهو من أصول شيعية ومعروف بوطنيته واستقلاله السياسي، حاول وكلاء المالكي وأتباعه جر رجله إلى عقود ومناقصات حكومية، ولكنه أبى ولم يضعف أمام الإغراءات، وهو أيضا يرتبط بعلاقة (سلام ومرحبا) مع طارق الهاشمي حسب وصفه، وله صلة اجتماعية مع العبادي، هذا العراقي العربي تطوع من تلقاء نفسه، بالاتصال هاتفيا برئيس الحكومة الجديد مهنّئا وناصحا بأن يكون على نقيض المالكي في كل شيء، اعتقادا منه بأن هذه السمة وحدها كافية لنجاحه، مشيرا من طرف خفي إلى ضرورة إغلاق ملفات طارق الهاشمي ورفاقه الآخرين المعتقلين والملاحقين من السنة العرب، وكانت المفاجأة له أو الفجيعة كما أسماها، أن أحد مساعدي العبادي خطف سماعة الهاتف وخاطبه منفعلا: يا معود.. قل غيرها، أبا يسر- يقصد العبادي- أشار في إحدى الجلسات إلى زميله السابق في اللجنة الاقتصادية النيابية أحمد العلواني ملمحا بأنه سيهتم بقضيته، فانبرى له ثلاثة من الوزراء السنة- أورد أسماءهم- وتوسلوا إليه بأن يؤجل الموضوع إلى فترة أخرى.. واستطرد مساعد العبادي يقول: و(جمّالة) وهي مفردة شعبية متداولة في اللهجة العراقية، تعني إضافة جديدة أو مطلبا جديدا، تريد غلق قضية طارق!
كاتب سياسي عراقي