إخوان إسطنبول يروجون لأنفسهم بإحياء "حديث الثلاثاء"

القائم بأعمال المرشد يسير على خطى مؤسس الجماعة حسن البنا.
الثلاثاء 2023/05/02
عبدالحق يحاول إصلاح صورة الإخوان

أعاد القائم بأعمال مرشد الإخوان صلاح عبدالحق عقد “حديث الثلاثاء” المرتبط بمؤسس التنظيم حسن البنا والمرشد الثالث عمر التلمساني في محاولة للترويج لنفسه كامتداد للخط الإصلاحي خاصة في ظل الخلافات والانقسامات التي يمر بها التنظيم.

القاهرة– باتت محاولات قادة الأجنحة المتصارعة داخل الإخوان محصورة في نطاق كسب المؤيدين وترجيح الكفة للفوز بشرعية قيادة التنظيم دون أن تحقق نجاحات في سياق خطط العودة إلى المشهد السياسي.

وضمن محاولاته لتقديم نفسه واكتساب الشرعية أعاد القائم بأعمال مرشد الإخوان الجديد صلاح عبدالحق (والمنافس لمحمود حسين)، عقد ما عُرف بـ”حديث الثلاثاء” المرتبط بالدروس الأسبوعية للمؤسس حسن البنا ثم المرشد الثالث عمر التلمساني أثناء حقبة السبعينات من القرن الماضي.

ويعود اختيار القائم بأعمال المرشد الجديد مواصلة لطقس أسبوعي وثيق الصلة بالراحلين البنا والتلمساني، إلى رغبته في تقديم نفسه كامتداد للنهج الذي زعم مروّجوه تبنيهم للخط الإصلاحي الأكثر انفتاحًا على الواقع.

ويتبين من حيث الشكل وطريقة الظهور ومضمون الخطاب الذي ظهر به عبدالحق في أولى إطلالاته الإعلامية الثلاثاء (الحادي عشر من أبريل الماضي) أنه حريص على الترويج لنفسه وجماعته بمعزل عن التيار القطبي المتشدد والإيحاء بالتباعد عنه.

الجماعة اعتادت إخفاء أطماعها ومناهجها المتشددة في فترات الضعف، مقابل حرصها على إبراز جانبها الإصلاحي

ويهدف صلاح عبدالحق من وراء إعادة تقديم “حديث الثلاثاء” إلى خلق اصطفاف حول شخصية حسن البنا كرمز للإخوان والحركة الإسلامية ما يمكن أن ينهي التشرذم والانقسام إذا أخفق في إطلاق مبادرة تتعلق بما سمي بـ”الصحوة الإسلامية” التي طفت على السطح بمصر في السبعينات.

وتكشف استعادة عبدالحق لطريقة أداء وخطاب عمر التلمساني عن ملامح خطة لبناء الجماعة المصرية، مستوحاة من مرحلة عمل فيها المرشد الثالث بحنكة على لمّ شمل التنظيم وزيادة عدده واستقطاب أعداد من شباب الجامعات بعد محنة السجون في فترة الستينات من القرن الماضي.

وبعث المرشد الجديد في ظهوره الإعلامي الأول رسائل عديدة إلى الغرب والتيار المدني المعارض والأقباط في الداخل، محاولًا طمأنتهم زاعمًا أن عددًا من المستشرقين أنصفوا البنا كصاحب مشروع نهضة، وعندما عقد ندوة الثلاثاء بجنوب مصر دعا لحضورها القساوسة والمطارنة والكرادلة.

وألمح عبدالحق إلى أخطاء وقعت فيها الثورة التي كانت تحتاج إلى قيادة تمتلك رؤية وشخصية ومنهاجا وخارطة طريق تسير عليها، محاولًا تبرئة جماعته من تهمة خيانة القوى المدنية والثورية، متقمصا شخصية التلمساني الذي يُعرف بأنه دشن التأسيس الثاني للجماعة بعد انهيارها متداركًا الأخطاء التي وقع فيها من سبقوه، وفي مقدمتهم حسن الهضيبي وسيد قطب، متوخيًا الانفتاح على المجتمع بتياراته السياسية والفكرية.

يوُعزى للتلمساني الفضل في إعادة تأسيس جماعة الإخوان عقب انهيارها وتفككها الأول، حيث عقد تحالفات مع أعداء الأمس وأبرزهم حزب الوفد، وتدشين شراكة سياسية لخوض الانتخابات البرلمانية أسفرت عن فوز الجماعة لأول مرة في تاريخها بسبعة مقاعد ما ساهم في توسعها وتمددها وخروجها من العزلة الشعورية التي غذتها سابقًا أفكار سيد قطب.

وغازل الرجل من خلال هذا الاستدعاء التاريخي شباب الجماعة ليلتفوا حوله ويدعموه في مهمة الهيمنة على مقاليد الجماعة وإعادة تأسيسها، حيث اشتهر المرشد الثالث عمر التلمساني باعتماده على الشباب الذين أسهموا بقوة في أن تصبح جماعة الإخوان عنصرًا فاعلًا في الحياة السياسية المصرية بداية من حقبة السبعينات من القرن الماضي.

وبدلًا من طرح سلفه الراحل إبراهيم منير عندما عرض تنازلات تبتعد الجماعة بمقتضاها عن المنافسة السياسية وتتحول إلى منظمة دعوية تربوية، عدّل صلاح عبدالحق الرؤية من خلال محاولة إقناع الفرقاء في المشهد السياسي بقبول الجماعة كطرف أجرى إصلاحات على خطابه وممارساته والزعم بأنها حركة براغماتية وديمقراطية ومتنوعة.

rr

وشكك مراقبون في صدق هذه التغييرات، إذ اعتادت الجماعة إخفاء أطماعها السياسية ومناهجها القطبية المتشددة في فترات الضعف، مقابل حرصها على إبراز جانبها الإصلاحي والدعوي.

وتسقط مع مرور الوقت القشرة الإصلاحية وتنكشف المآرب السياسية الخفية للإخوان مع اقتراب وقت التمكين، وتظل هذه الحالة المزعومة من الإصلاح بوابة للعنف حيث تطبع المفاهيم المتطرفة وتنشرها، وثبت في كل المراحل ارتباط النشاط السياسي للجماعة بشبكة المنظمات الإرهابية ونشاط جهازها السري.

وفي ظل تكرار هذه الحيلة خلال الأزمات السابقة للجماعة لم يعد هناك مجال للاستجابة لجماعة بارعة في التلون والمراوحة بين تكتيك التدرج تجاه التمكين وإضفاء الصفة القانونية على أنشطتها والانخراط في مسارات ثورية وعنيفة، وجميعها تخدم هدفًا نهائيًا وهو الإطاحة بالنظام القائم والهيمنة الكاملة على مقاليد السلطة.

ويقلل من قيمة لعب مرشد الإخوان الجديد بورقة المعارضة الوطنية لإيجاد نوع من الاصطفاف معها بالداخل رفض القوى المدنية سابقا لدعوات الجماعة للتعاون والتنسيق لتسيير مظاهرات ضد النظام المصري في مناسبات مختلفة.

مراقبون يشككون في صدق الحديث عن التغييرات، إذ اعتادت الجماعة إخفاء أطماعها السياسية ومناهجها القطبية المتشددة في فترات الضعف، مقابل حرصها على إبراز جانبها الإصلاحي والدعوي

ولم ينس التيار المدني الحصيلة القاتمة لتعاونه السابق مع جماعة الإخوان، خاصة أنها عمدت إلى تقويض الحلفاء خارج التيار الإسلامي عندما صعدت إلى السلطة، ما يدفع المعارضة الوطنية للإحجام عن تكرار التحالف معها.

وتأكد هذا الموقف من خلال فشل كل الدعوات السابقة للجماعة من أجل التظاهر، ما عكس عجزها عن استمالة أحزاب وقوى معارضة بالداخل لإضفاء مشروعية وزخم جماهيري على دعوات التظاهر التي أطلقتها من الخارج.

وأفقدت مشاركة قوى المعارضة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جماعة الإخوان رهانها على وجود ظهير مدني يؤيدها ويدعمها، ما يُفشل محاولات إحراج القاهرة أمام العالم ويعمّق عزلة جماعة الإخوان ويحول دون نجاح محاولاتها لاختراق الداخل.

وخرجت أدلة جديدة تبرهن على قيادة جماعة الإخوان لمسار العنف والإرهاب بعد ثورة يونيو 2013 في مصر والإقليم، ما يحرم صلاح عبدالحق من محاولات إنجاح الترويج لجماعته ككيان سلمي إصلاحي.

وكشف القيادي الداعشي السابق هيثم عبدالحميد (رشيد المصري) والملقب بأمير حدود داعش ضمن اعترافاته في تقرير أذاعته قناة الوثائقية المصرية مارس الماضي تفاصيل جديدة عن تورط جماعة الإخوان في دعم وتمويل وتوفير ملاذات آمنة لداعش والقاعدة الأعوام الماضية.

وأكد في شهادته أن جماعة الإخوان حرّكت وموّلت مسارات العنف والإرهاب داخل مصر ومثلت رافدًا مهمًا لكل التنظيمات الإرهابية التي نشطت في سوريا عقب اندلاع الثورات العربية عام 2011.

ولا تُجدي محاولات عبدالحق عبر إطلالته من خلال “حديث الثلاثاء” لاستمالة الأقباط مع ثبوت دور الإخوان في تنفيذ سلسلة الهجمات التي استهدفت الكنائس بعد ثورة يونيو وعزل الجماعة عن الحكم.

فقدان السلطة السياسية

rr

تصطدم محاولة إعادة إنتاج الجماعة حاليًا كما جرى بعد المواجهات الكبرى السابقة في أربعينات القرن الماضي وستيناته بعدم توفر السلطة السياسية التي تسمح بعودتها إلى المشهد.

ويُعد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات صاحب قرار إعادة الجماعة وفقًا لشروط أملاها على المرشد الراحل عمر التلمساني بشأن محددات نشاطها وخطابها بهدف مواجهة اليسار والقوى التقدمية، وهو ما لم تلتزم به الجماعة لاحقًا.

ولا يعود رفض السلطات في مصر عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي بأيّ صيغة إلى ما ارتكبته الجماعة فقط من تجاوزات وإرهاب وتعاون مع أجهزة خارجية طوال العقد الماضي، إنما أيضًا مبني على تعلم دروس مرحلة السبعينات التي قادت إلى ما هو أسوأ من نتائج ممارسات التيار القطبي منتصف الستينات.

وكان التيار المتشدد العنيف الذي دشنه سيد قطب للانقلاب بالقوة على حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأحياه القيادي محمد كمال بعد عزل الجماعة عن السلطة لأهداف مشابهة، من السهل كشفه وتفكيكه وإلحاق الهزيمة به في المرتين بسبب وضوحه ومباشرته وتبنيه منهجية الإخوان الانقلابية دون مراوغة أو مناورة.

لا ينجح احتواء الجماعة ودمجها إلا بنسف بنيتها الأيديولوجية وتفكيكها التي تغذي نزوعها السلطوي للهيمنة على كافة مفاصل الحياة العامة

بينما يُعد تيار حسن البنا الذي أحياه التلمساني في السبعينات ويخطط القائم الجديد بأعمال مرشد الإخوان الجديد لبعثه مجددًا، هو الأقدر على البقاء في المشهد لأطول فترة ممكنة عبر اعتماد ممارسات مراوغة تراوح بين المكر السياسي والانفتاح على القوى الفاعلة والعنف والتكفير بشكل سري وطرق غير مباشرة.

واستوعبت السلطات المصرية دروس مرحلة السبعينات وما بعدها، حيث أدى منح نظام الرئيس السادات الضوء الأخضر لخروج الجماعة من السجون والعمل في المجال العام لوصولها إلى مستويات نفوذ هددت استقرار الدولة بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، ما جعل كلفة التخلص من خطرها والحد من نفوذها باهظة.

ولا توجد دلائل على تخلي الجماعة في أي مرحلة عن الخط القطبي، على الرغم من الخطاب المراوغ المتعلق بجعل حسن البنا هو المرجعية الرئيسية، حيث ثبت أنه مجرد تكتيك مرحلي يتيح للجماعة إعادة بناء نفسها واكتساب قوة تمنحها قدرة على الصمود في مراحل المواجهات.

ونتج عن التأسيس الثاني المراوغ الذي دشنه عمر التلمساني، وهو ما يحاول المرشد الجديد استنساخه، انتشار التطرف بالمجتمع وتوالد ظاهرة الجماعات التكفيرية المسلحة والاغتيال السياسي، وقاد إلى بدء تفشي الإسلام السياسي على المستوى الكوني فيما سُمي بالتنظيم الدولي للإخوان، حيث وظفت بعض القوى الدولية الظاهرة الإسلامية لأغراضها ومصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية.

ويحول دون اندماج جماعة الإخوان في العمل السياسي كونها ليست مجرد حزب يسعى للسلطة مثل غيره من التنظيمات السياسية، فلم يثبت تخليها عن سعيها للقبض على روح المجتمعات وتفكيك الدول وتأسيس إمبراطوريات عالمية، فضلا عن تناقض بنيتها الفكرية مع الدساتير المدنية.

وتفشل محاولات المرشد الجديد في إعادة التعريف بجماعته عبر حشد كم هائل من المعلومات والاقتباسات من مؤسسها ما دام منهجها مبنيا على التعريف التقليدي لها كونها هيئة سياسية ودعوة دينية وفكرة اجتماعية وجماعة رياضية وشركة اقتصادية.

ولا ينجح احتواء الجماعة ودمجها إلا بنسف بنيتها الأيديولوجية وتفكيكها التي تغذي نزوعها السلطوي للهيمنة على كافة مفاصل الحياة العامة، ويجعلها تسعى للقبض على روح المجتمع الذي تتصور أفراده مجرد مجموعة من العصاة المحتاجين إلى الإرشاد والضبط والتلقين.

6