إحصائية فضائية وتساؤلات لا تنتهي

إحصائية لافته أعلنها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية تعلن أن عدد سكان العراق بلغ ثمانية وثلاثين مليون نسمة، حسب ما وصف بـ”الإسقاطات السكانية” للعام الحالي.
وقد كانت حصة الذكور منهم تسعة عشر مليونا بنسبة 51 بالمئة، وهذه الأرقام استوقفت الكثيرين مثلي، حيث يترتب عليها الكثير من الأمور في مقدمها توزيع الميزانيات على الأقاليم والمحافظات، وزيادة عدد مقاعد البرلمان، بمعدل برلماني لكل مئة ألف شخص، وسلسلة طويلة مِن توزيع الموارد، والموظفين وسواهم، لكن اللافت أكثر هو الإعلان عن عدد نفوس العاصمة بغداد، فقد تجاوز الثمانية ملايين نسمة! أي أكثر من ربع سكان العراق، الموزعين على ثماني عشرة محافظة.
ولا أدري كيف يسوّغ جهاز الإحصاء تضاعف سكان العاصمة مئة بالمئة خلال خمس عشرة سنة، دون بناء وحدات سكنية أو استحداث أحياء جديدة، سوى بؤر العشوائيات وانشطار البيوت التي تم الاستيلاء عليها، وهجرة أهلها، في بعض المناطق الراقية، وتحويلها إلى أربع أو ست بيوت، ولم أر عمارات أو تطورات جديدة تعالت على عمارات شارع حيفا بجانب الكرخ، إلا مولا أو مولين.
وأظن أن تلك الإحصائية التي تقر بأن سكان العراق يزدادون سنويا بمعدل 850 إلى المليون شخص، كانت متفائلة، أي أن نفوس البلاد ستصل إلى خمسين مليون نسمة خلال عام ألفين وثلاثين.
هذا يجعلنا نقف لنثير العديد من التساؤلات، التي تحتاج إلى تفسيرات منطقية علمية واقعية، أبرزها أن بلادا تصنف أسوأ مكان للعيش في العالم حسب منظمة الشفافية، وتشهد تدهورا مستمرا في الصحة العامة وتراجعا في مستوى الخدمات في عموم البلاد،عما كانت عليه في السابق، والأطعمة المسرطنة، والعيش غير الآمن، وحالات التسمم بسبب المياه، وشحتها والصراع السياسي الاثني الذي تسبب بهجرة ونزوح الملايين، ونفاد ثروات البلاد إلى الخارج، والتنمية المتوقفة، والبطالة والاقتصاد الريعي الذي يعتمد على منتج واحد هو النفط، وهجرة الصناعة للدول المجاورة حيث أن هناك تسعة آلاف مصنع وورشة عمل أقامها العراقيون خارج البلاد، وتلوثا بيئيا غير مسبوق بفعل عوادم المولدات والسيارات، وتناقص البيئة الخضراء وتصحّرها وسواها الكثير، تجعلنا نتشكك في دقة هذه الإحصائية، ومراميها، كيف أنتجت حالة عكسية بزيادة السكان الانفجارية هذه؟
أم أنها إحصائية فضائية أخرى شأنها شأن عشرات الفضائيات في الوظائف العامة التي ازدادت أعدادها إلى ثلاثة أضعاف منذ خمسة عشر عاما، أم أنها مسوغ لتكيف عمليات تزوّر الواقع العراقي بوضع أرقام استباقية، لتغيير البنية الديموغرافية العراقية، وتهيئة المجتمع ليقبل بالتغيرات المقبلة؟