إثيوبيا تستعد للملء الخامس لسد النهضة في ظل صمت مصري

القاهرة - تستعد إثيوبيا لبدء الملء الخامس لسد النهضة في يوليو المقبل، وسط صمت يخيم على دولتي المصب، مصر والسودان، مع انشغال القاهرة بالأزمة الاقتصادية وانتظار تشكيل حكومة جديدة، واستمرار الحرب في السودان، ما يمنح أديس أبابا هدوءا سياسيا قبل الشروع في الملء عمليا، بعد إفشالها محاولات البلدين للوصول إلى اتفاق مُلزم بشأن ملء السد وتشغيله الفترة الماضية.
وأظهرت صور التقطت عبر الأقمار الصناعية استعداد أديس أبابا للمرحلة الخامسة، وتحتجز فيها 23 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل، تضاف إلى ما قامت بتخزينه في المراحل الأربع السابقة، والذي بلغ نحو 41 مليار متر مكعب. وتتصدر مصر قائمة الدول الأكثر جفافا بأقل معدل لهطول الأمطار في العالم، وتعتمد على مياه النيل بنسبة 98 في المئة من مواردها المائية، وتبلغ حصتها التاريخية 55.5 مليار متر مكعب سنويا من مياه النيل، في حين تبلغ استخدامات القاهرة الفعلية الحالية من المياه نحو 80 مليار متر مكعب سنويا.
وتجد إثيوبيا نفسها في وضعية سياسية أفضل حاليا، ما يمكنها من إنجاز المرحلة الخامسة للملء في أجواء خالية من ضجيج العتاب والتراشقات مع مصر، ومن دون التزام بنسب محددة، فالمفاوضات التي انطلقت بمسميات مختلفة انتهت في ديسمبر الماضي ولم تتوصل إلى اتفاق وتجمدت. ومن الواضح أن القاهرة والخرطوم لا تعولان على مباحثات جديدة مع أديس أبابا، خاصة أن الاتجاه إلى المؤسسات لم يحقق المرجو منه لثني إثيوبيا عن خططها.
ويوحي الهدوء المصري نحو إقدام إثيوبيا على الملء الخامس بأن تحركاتها الدبلوماسية يحددها مدى تضررها من عملية الملء، وهناك قناعة بأن مراحل الملء السابقة لم تتضرر منها مصر بشكل كبير يشعر به المواطنون مباشرة، فهناك ظهير مائي يتمثل في السد العالي في جنوب مصر يوفر احتياجاتها الرئيسية من المياه الآن، ولا تملك رفاهية الدخول في مناوشات مادية أو معنوية مع إثيوبيا حاليا.
وينشغل السودان بحرب تهدد وجوده، ولا يملك الاتجاه الحقيقي لمناكفة إثيوبيا، ويدرك أن أوراق تحركه ترتبط بمصر، والتي تسعى لتقليل الأخطار الواقعة عليها جراء شح المياه دون تورط في صراع خارجي، مع اشتعال حدودها في الاتجاهات الإستراتيجية المختلفة، لاسيما في ظل شبه يقين لدى دوائر مصرية بأن ما يحدث على الحدود قد يؤدي إلى شغلها بأزمات تضاعف من حدة الأزمة الاقتصادية.
وقال مستشار وزير الري المصري سابقًا ضياء الدين القوصي إن إثيوبيا رفضت جميع المقترحات التي قدمتها القاهرة في المفاوضات الأخيرة للوصول إلى اتفاق يقضي بالتفاهم حول معدلات ملء السد بما لا يسبب أضرارا مباشرة لمصر، ورفضت إثيوبيا وجود مراقبين يسهمون في تحديد الكميات التي يمكن تخزينها بما لا يضر بدولتي المصب، وأصرت أديس أبابا على إعادة تقسيم مياه النيل الأزرق، على الرغم من أن المفاوضات لم تكن مخصصة بهذا الشأن.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن جميع الاحتمالات قائمة بشأن الموقف المصري حيال إثيوبيا، ولا توجد مسارات سياسية يمكن اللجوء إليها عقب رفض أديس أبابا الاستجابة للحلول الوسط، ومن غير المتوقع أن تغيّر موقفها، وخطورة الوضع الحالي تنبع من الأمطار المنتظر سقوطها على الهضبة الإثيوبية في موسم الفيضان إذ أنها لن تكون بالكثافة التي كانت عليها في السنوات الماضية، ما يعني تناقص كميات المياه لمصر.
وأوضح أن اللجوء إلى أساليب خشنة لا يزال حاضرا ضمن خيارات مصر المحدودة للتعامل مع سد النهضة، فمن الصعب أن تصمت وسكانها يمكن أن يتعرضوا للجوع والعطش مقابل رغبة إثيوبيا في توليد الكهرباء، وأن التطورات الدولية في بعض الملفات المشتعلة قد تحدد صيغة تعامل القاهرة مع أولوية تسوية النزاع سلميًا.
وثمة قناعة في الداخل المصري بأن التصريحات التي أخذت في التصعيد ضد إثيوبيا تارة والمهادنة تارة أخرى، برهنت على أن القاهرة لن تخرج عن الإطار الدبلوماسي، وكان يمكن استخدام أساليب خشنة قبل أن تشهد المنطقة مزيداً من التعقيدات.
◙ إذا أقدمت إثيوبيا على غلق بوابات السد فأقصى كمية يمكن أن تخزنها تصل إلى 23 مليار متر مكعب وهنا ستكون مصر مضطرة للجوء إلى مخزونها الإستراتيجي من المياه
وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسي ضمن كلمته في الجلسة الافتتاحية للمنتدى العربي – الصيني في نهاية مايو الماضي من “عدم الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم بين مصر وإثيوبيا والسودان، يؤمِّن لأجيال الحاضر والمستقبل في الدول الثلاث حقهم في الحياة والتنمية”، مطالباً بمراعاة أن بلاده لن تسمح بما من شأنه العبث بأمن واستقرار شعبها.
وقلل أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية التابعة لجامعة القاهرة عباس شراقي في حديثه لـ”العرب” من مخاطر الملء الخامس لسد النهضة، وأن إثيوبيا يمكن ألاّ تحتاج إلى حجز 23 مليار متر مكعب من مياه الفيضان إذا لم تنجح في تركيب توربينات توليد الكهرباء وتشغيلها، ومع أن إثيوبيا تؤكد شروعها في هذا الأمر، لكن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيقه، وهو ما تضعه القيادة السياسية بمصر في حسبانها.
ويتبقى لأديس أبابا تخزين ما يقرب من 33 مليار متر مكعب لتصل إلى الملء الكامل لخزان السد الذي تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعب، ويمكن أن تقوم بالملء على مدار سنوات وليس عاما واحدا أو عامين، وبإمكانها التحكم في الكميات المخزنة، لأن المياه وصلت إلى بوابات السد المرتفعة، وحال فتحت هذه البوابات يمكن أن تخفف من حدة الأزمة لدى دولتي المصب. وإذا اختارت الاستفادة من فيضان هذا العام فلن تقوم بفتحها على الأقل في أغسطس وسبتمبر، وقد تكون مضطرة لفتح البوابات في أشهر تالية ما لم تكن في حاجة إلى المياه.
وأشار شراقي إلى أنه إذا أقدمت إثيوبيا على غلق بوابات السد فأقصى كمية يمكن أن تخزنها تصل إلى 23 مليار متر مكعب، وفي تلك الحالة ستكون مصر مضطرة للجوء إلى مخزونها الإستراتيجي من المياه لدى بحيرة السد العالي، أما إذا قامت أديس أبابا بتخزين 10 مليارات متر مكعب أو 15 مليارا فالقاهرة لن تلجأ إلى بحير السد وسوف تعتمد على المياه الجوفية على أن تتوسع في مشاريع تحلية المياه، وهو ما يجعلها تتريث قبل اتخاذ أيّ مواقف تصعيدية.