النظام الأسدي، من أكبر رأس فيه إلى أصغره، يرى أن ما جرى ويجري في سوريا مجرد مؤامرة خارجية يقودها التكفيريون الوهابيون وأميركا وإسرائيل ضد " جمهوريته الفاضلة ".

النظام الإيراني لا يريد أن يتعلم مما مر بالعراق، ومما فعله العراقيون بمن غزاه قبله. وهو لا يفهم أن إصراره على زيادة جرعة الإهانات التي يطلقها، يوما بعد يوم على الشعب العراقي، وكلاؤه المحليون يضاعف أحقاد المزيد من العراقيين.

ما يجري على الأرض يبين بوضوح أن إيران لم ولن تكتفي بالعراق العربي الشيعي وحده، بل تريد معه السني أيضا، ليس فقط لأنها تريد ضمه كله إلى رقعة حلمها الإمبراطوري، بل لأن أمنها الاستراتيجي لا يحتمل إقامة مناطق عازلة تعيق طريق جيوشها.

قد تتسامح إيران، وقد تتساهل تركيا، مع تمرد القيادات السياسية الكردية على مركز الدولة العراقية الممزقة، ولكنهما لن تقبلا، بأي شكل من الأشكال، بأن تقوم دولة كردية حقيقية ويعترف العالم باستقلالها.

هل يعتقد الصدر بأن موضوع العراق منفصل عن مجمل المشروع الفارسي المتكامل الذي يصر على قضم ما تبقى من أرض عراقية.

الحزن العميق الذي تشعر به الملايين من العراقيين، بكل طوائفها وقومياتها وأديانها، ينبع من الخوف على المواطن الكردي قبل شقيقه العراقي الآخر.

ليس للعراق مثيل في المتاجرة بأرواح مواطنيه سوى دول متخلفة مثله، قليلة، تساق فيها الجموع إلى المحرقة بأوامر قائد، أو نداء زعيم، أو راية شيخ، أو فتوى إمام.

الأكثر إيلاما هو أن العراقيين سقطوا في الفخ، واكتفوا بإشغال أنفسهم كثيرا بهذه الموقعة، وانقسموا بين مصدّق ومكذّب، وبين مطالب برجم الجبوري وأركان رئاسته ونسوا وتناسوا ملفات الفساد.

لماذا نكتب ولمن نكتب، إذا كان القول الفصل، مع صاحب المفخخة وبائع الطائرة وصانع الصاروخ وولي أمر الميليشيا ومرشد المفخخين وممول الانتحاريين الذين يصولون ويجولون، لا في العراق وسوريا واليمن ولبنان وحدها، بل في أوروبا كلها والعالم.

ماذا ربح أهل الفلوجة، "الأبرياء" منهم، و"المستأجرون"، و"المستغفلون"، بعد هروب الدواعش منها، ودخول "مجاهدي" الحشد الشعبي هاتفين "لبيك يا حسين" لسحق أحفاد يزيد؟

المعركة بين الهلالين المسلمين ليست وليدة هذا الرمضان، بل عمرها من عمر العراك التاريخي بين الذين بايعوا عثمان بن عفان على الخلافة، وبين الذين تشيعوا للإمام علي بن أبي طالب، قبل ألف وأربعمئة عام.

قاسم سليماني أثبت أنه لا يأتمن (عربيا) كحيدر العبادي، حتى لو كان من شيعة السفارة الإيرانية المخلصين.

مشكلة النظام الإيراني اليوم تكمن في أنه لا يقرأ التاريخ ولا الجغرافيا، ولا يريد أن يقرأ. فقد تملك قادته العسكريين والمدنيين، معا، وهم القوة وغرورها، وأعمتهم عنصريتهم وطائفيتهم عن الطريق القويم.

إذا كانت أميركا جادة، قولا وعملا، في احترام مؤتمر باريس، وتوصياته وقراراته، فمعنى ذلك أنها اكتشفت، ولو متأخرا، سوء فعلتها بحق العراق والعراقيين، حين سلطت حفاة الأمس على مقدراتهم وكراماتهم وثرواتهم وأمنهم.

الديمقراطيون مدفوعون بخوف حقيقي من احتمال الفشل في الانتخابات المقبلة، يلجأون لعملية الفلوجة وإحاطتها بالضجيج الإعلامي الواسع ومنحها وزنا أكبر من وزنها الحقيقي بكثير.

ما جرى ويجري في بغداد هذه الأيام ليس سوى شجار داخلي بين أبناء الأسرة الحاكمة الفاسدة الواحدة، لا يدفع ثمنه الباهظ من أمنه وحريته وكرامته إلا الشعب العراقي الأسير.

لماذا يجهد الأكراد في سبيل بناء جسور التفاهم والانسجام والتلاحم مع تركيا وإيران وإسرائيل وأميركا، ولكنهم يفعلون كل غريب من أجل حرق الجسور التي استخدموها عشرات السنين للعيش مع أشقائهم العراقيين.

كان الله في عون وطن يقوده حيدر العبادي، ويعارضه نوري المالكي وعمار الحكيم وإبراهيم الجعفري وهادي العامري ومشعان الجبوري وسنة إيران وجميع قادة التحالف الكردستاني، وتناصره ولا تناصره المرجعية، وأغلب العراقيين.