أي نشاط للاعبي كرة القدم في زمن كورونا؟

طرق مبتكرة للتواصل والتدريب في محاولة لتنشيط الجانب البدني والذهني لدى نجوم كرة القدم بطلها العالم الافتراضي.
الأحد 2020/03/29
تدريبات منفردة للحفاظ على الجاهزية

فرض وقف النشاط الرياضي في أغلب دول العالم على الرياضيين بمختلف أصنافهم، ونجوم كرة القدم خصوصا، نمطا جديدا من الحياة من أجل التأقلم مع هذه الفترة الحرجة فيما يتزايد الهوس لدى الكثير منهم خوفا على فقدان لياقتهم البدنية والذهنية وهو ما حدا بأغلبهم إلى ابتكار وسائل وطرق متنوعة للتدرّب بطلها العالم الافتراضي الذي بدّد كل العراقيل أمام نجوم اللعبة الشعبية لممارسة لنشاطهم حتى وإن كان بشكل منفرد.

لندن – يمرّ العالم بمرحلة حرجة جدا فرضها تفشي فايروس كورونا الذي مسّ جل القطاعات دون استثناء وعطّل الأنشطة الرياضية.

ولاح القطاع الرياضي الأكثر تضررا من هذا الوباء العالمي بتأثيراته المختلفة على الفاعلين فيه وخصوصا اللاعبين وعلى جميع الأحداث الرياضية التي كانت تحظى بزخم جماهيري واسع من (بطولات كرة قدم، بطولات كرة المضرب، سباقات الفورمولا 1، ألعاب فردية وغيرها) لتجد نفسها فجأة أمام مصير غامض أين عُلّق أغلبها وفرض قرار التأجيل على أكبرها شهرة ومتابعة عالميا مؤخرا ألا وهي الألعاب الأولمبية بطوكيو 2020 التي كانت مقررة هذه الصائفة وتم تأجيلها إلى العام المقبل.

وإضافة إلى وقف النشاطات الرياضية وما سيخلفه ذلك من خسائر اقتصادية كبيرة على الأندية، تطرح أسئلة محيرة حول مصير الآلاف من الرياضيين الذين باتوا كغيرهم من المجموعات البشرية مجبرين على خوض تجربة الحجر الصحي. فكيف يقضي هؤلاء حياتهم اليومية، أي الطرق سيسلكون لمواصلة رحلة التدريب والإعداد البدني؟ وحتى وإن توفرت معدات خاصة للتدريب فإنها قد لا تكون كافية من أجل أن يكون اللاعب في مرحلة تامة من الجاهزية البدنية والذهنية، وما هو مصير بعض الرياضات التي تتطلب مساحات كبيرة وتكثيفا في التدريبات ومعدات لخوضها؟

جميع الأندية الـ20 في دوري الدرجة الممتازة بإنجلترا وضعت برامج تدريبية خاصة للاعبيها للحفاظ على لياقتهم

هذه الأسئلة وغيرها حتى وإن بدت معلومة في فصولها، قبل وأثناء دراسة قرار وقف مختلف الرياضات، فإنها دفعت الكثير من المسؤولين الرياضيين والأندية في العديد من البلدان الأوروبية والعربية أيضا إلى ابتكار طرق معينة وأساليب شتّى للاعبين من أجل التكيّف مع هذه الفترة الحساسة ومواصلة تدريباتهم.

وتتباين الطرق المتبعة من طرف الأندية في متابعة لاعبيها خلال هذه الفترة من الحجر الصحي لكنها تلتقي في توفير منصات تواصل إلكترونية لمراقبة حياتهم اليومية وكيفية تنظيم تمارين رياضية في محاولة لتنشيط الجانب البدني والذهني لديهم.

طرق ناجعة

في إنجلترا مثلا دفع الإعلان عن تمديد فترة وقف الدوري الإنجليزي لكرة القدم حتى الـ30 من أبريل المقبل، اللاعبين إلى ابتكار وسائل جديدة للتدريب والحفاظ على توازنهم إلى حين استئناف فعاليات المسابقة.  وما بين اللعب مع الأطفال إلى التقاط كرات التنس لجأ نجوم الدوري الإنجليزي إلى طرق عدة للحفاظ على لياقتهم في زمن الكورونا.

ووضعت جميع الأندية الـ20 المشاركة في دوري الدرجة الممتازة بإنجلترا برامج تدريبية خاصة وفردية للاعبيها في فترة التوقف الحالية للحفاظ على لياقتهم البدنية قدر الإمكان استعدادا لاستئناف المسابقة في أي وقت. ووجه تشيلسي لاعبيه إلى التدريب بأجهزة الدراجات المنزلية، إضافة إلى وضع نظام تغذية معين بخلاف الخطط الفردية لكل لاعب بشأن تدريباته في منزله.

وقال أنطونيو روديجر مدافع تشيلسي في تصريح إلى موقع النادي بالإنترنت “لدينا خطة موضوعة من النادي خاصة بتدريباتنا. ولهذا، هناك بعض الأمور التي يمكن أن نقوم بها في منزلنا، ونحن نتبع هذه الخطة فحسب”. وأضاف “في الوقت الحالي، يبدو الأمر على ما يرام بالنسبة إلي. في هذا النوع من الأحداث، نأمل فقط في أفضل شيء ممكن ونتمنى ألا يصاب أي أحد في العالم بهذا الفايروس”.

ومن جهته قال الإسباني خوان ماتا لاعب خط وسط فريق مانشستر يونايتد، إنه يؤدي تدريباته في المنزل وفي حديقة المنزل وأنه يحاول الحفاظ على هدوئه والابتعاد عن أي توتر. وأوضح “نحاول فقط الحفاظ على لياقتنا.. نتحلى بالصبر والهدوء. هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به الآن.. علينا الانتظار وعلينا أن نثق في خبرائنا كما ينبغي علينا الانتظار حتى نستأنف لعب كرة القدم”.

اهتمام كبير

يعكس هذا الجانب من التمارين اهتمام الأندية الإنجليزية بضرورة مواصلة اللاعبين لنشاطهم الرياضي حتى وإن كان بشكل غير مكثف ويقام في أماكن ضيقة مثل القاعات الصغيرة أو أماكن إقامتهم، لكنه يساهم بشكل أو بآخر في رفع الثقة أولا والمحافظة ولو جزئيا على لياقتهم البدنية.

وفي ألمانيا شرع لاعبو بايرن ميونخ في تجربة التدريب عن بعد منذ فترة، حيث يتواصل اللاعبون في ما بينهم عبر تقنيات افتراضية تم توفيرها خصيصا للقيام بمثل هذه التدريبات. وقال مهاجم بايرن توماس مولر في حوار مع المشجعين عبر تقنية الفيديو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي “لقد قمنا حتى الآن بالتدريبات الافتراضية ثلاث مرات  الأمر بمثابة حصة تدريب عادية لكن عبر الفيديو، مع مدرب يتواجد في سابينير شتراسه” مقر تدريب النادي.

وأضاف مولر المقيم حاليا في مزرعته البافارية حيث يربي الخيول “نقوم بتدريبات يوصي بها المدرب لكافة أفراد الفريق. نؤدي الحركات الرياضية داخل قاعة، ركوب الدراجات الهوائية الثابتة أو الركض على بساط متحرك داخل منازلنا”. وأضاف مبتسما “لم يسبق لنا أن قمنا بتدريبات قاسية لتقوية عضلات المعدة كما نفعل الآن”.

وكان بايرن بطل المواسم السبعة الماضية، يتصدر ترتيب البوندسليغا عندما قررت السلطات الرياضية الألمانية تعليق منافسات الدوري.

وأعلن النادي الألماني انتقاله إلى “التدريب الافتراضي” حرصا منه على تجنب تنقل لاعبيه بسبب الفايروس، قبل يومين من فرض سلطات مقاطعة بافاريا الحجر الإلزامي على السكان.

وقال مدرب الفريق هانز فليك في تصريحات سابقة “علينا أن نقوم بكل ما في وسعنا للرد بشكل إيجابي على الوضع (انتشار الفايروس)”، موضحا “لقد طور فريقنا التدريبي حصصا يمكن أن تستمر بين 75 و90 دقيقة”.

وتابع “ركزنا على تمارين التوازن. في نهاية التدريب، قمنا بجلسة مكثفة على الدراجات الهوائية (الثابتة). في الإجمال، سنقوم بتمارين التحمل بالتناوب مع تمارين الحركة المكثفة”.

وتهدف هذه التدريبات الافتراضية إلى المحافظة على اللياقة البدنية للاعبين حتى ولم تنجح في العمل على عضلات معينة.

وقال هولغر برويش، المسؤول عن الإعداد البدني في بايرن، “تم تجهيز اللاعبين بساعات رياضية ملائمة. وهذا يعني أننا نتلقى جميع بياناتهم المثيرة للاهتمام، مثل معدل ضربات القلب، على شاشاتنا”.

وأوضح “يتعين علينا التركيز على عمل للمحافظة على اللياقة البدنية. من السهل إدارة الأمور البدنية من بعد من خلال التدريبات العملية، تمارين القوة والتحمل” لاسيما في ظل تجهيز اللاعبين بالساعات الرياضية. وتركت تجربة العزل الصحي آثارا سلبية على حياة عدد من لاعبي كرة القدم وباتت تهدد بتداعيات على الصعيدين البدني والذهني، فيما يحاول آخرون تجاوز هذه المرحلة بالقيام بالعديد من الأنشطة التي تتراوح بين ما هو رياضي وآخر ترفيهي.

وأشارت تقارير صحافية مطلعة إلى أن الألماني سامي خضيرة لاعب يوفنتوس الإيطالي يمضي وقته في تعلم العزف على البيانو، بينما يستغل مواطنه روبن غوسنز لاعب أتالانتا هذه الفترة لمراجعة دروس امتحانات علم النفس، فيما خيّرت الأندية الإسبانية خوض دورة ألعاب إلكترونية.

بعدما فرض فيروس “كوفيد-19” شللا شبه كامل على الرياضة العالمية، وجد الآلاف من لاعبي كرة القدم أنفسهم في العزل الطوعي أو الإلزامي، ما يتطلب منهم بذل جهد إضافي للحفاظ على لياقتهم البدنية وتوقدهم الذهني استعدادا لاستئناف المنافسات متى بات ذلك متاحا.

حالة تأهب

يقول ايمانويل أورهان، المدير الطبي في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، “على الجميع أن يكونوا جاهزين لاستئناف التمارين ما إن تأذن السلطات الصحية” بذلك. لكن هذا الموعد يثير علامة استفهام أكبر، إذ جمّد هذا الوباء النشاطات الرياضية لآجال غير معروفة، ودفع إلى فرض قيود واسعة على حركة التنقل والسفر، منها إجراءات عزل منزلي تطال نحو مليار شخص حول العالم.

وبالنسبة إلى لاعبي كرة القدم، فإن عدم إقرار موعد العودة إلى المستطيل الأخضر يضعهم دائما في حالة تأهب: نظريا، قد تعود عجلة الدوريات إلى الدوران بعد أسابيع، وعلى الأندية أن تكون جاهزة، لاسيما وأن الموسم الكروي وصل قبل تعليقه، إلى مراحل قريبة من خط النهاية.

نجم كرة القدم السوري عمر السومة أعدّ قاعة رياضية متكاملة في منزله حتى يتمكن من أداء تدريباته اليومية 

ويقول غلين موراي لاعب نادي برايتون الإنجليزي “قد يحتاج اللاعبون لأخذ إجازاتهم الصيفية الآن. قد ننهي موسم 2019-2020 ونبدأ موسم 2020-2021 بشكل فوري دون إجازة على الإطلاق”. وردا على سؤال عما إذا كان اللاعبون سيقبلون سيناريو مماثلا، رأى موراي أنه “ما من خيار آخر أمامنا”. ويتطلب هذا الوضع من مدربي اللياقة تحضير برامج أسبوعية وتمارين فردية وشرحها للاعبين عبر الإنترنت والتواصل بتقنية الفيديو.

وفي هذا الاتجاه يوضح خوسيه مانويل ألفاريز المدير الطبي لنادي ريال بيتيس الإسباني “أعطينا كل لاعب من لاعبينا الإرشادات اللازمة”، حتى الغذائية والطبية. وانقسم لاعبو بيتيس إلى مجموعتين وفقا لخصائصهم البدنية، ويتولى مدرب الإشراف على كل منهما. زوّد كل لاعب بجهاز خاص لتسجيل بيانات عن الإرهاق، النوم، الألم وحتى الحالة الذهنية، بينما يقدم اللاعبون تقارير بشأن وزنهم وحراراتهم، وأهداف التمارين الذين تمكنوا من تحقيقها.

وقال ألفاريز “يدرك اللاعبون أنه إذا لم يقوموا بعملهم، سيجدون أنفسهم في وضع غير مؤاتٍ بالمقارنة مع زملائهم عندما يعاودون التمارين”. وليس أمام اللاعبين أي عذر للامتناع عن مزاولة التمارين، إذ أن منازل معظمهم تضم قاعة مخصصة لذلك. وفي حال لم تكن متوافرة، عمدت إدارات أندية إلى توفيرها لهم في هذه الفترة. ويوضح رئيس نادي مرسيليا الفرنسي جاك هنري إيرود، أن اللياقة البدنية للاعبين “دقيقة، معقدة، ومتطورة (..) تتطلب صيانة يومية تقريبا”.

تجارب عربية

راموس.. تدريبات للحفظ على اللياقة البدنية
راموس.. تدريبات للحفظ على اللياقة البدنية

لجأت العديد من الأندية العربية إلى خوض تجارب وسيناريوهات مماثلة لمساعدة لاعبيها على التدرّب بشكل منفرد وسعت إلى توفير تجهيزات إلكترونية للتواصل مع المدربين. وفي السعودية مثلا يحرص البرتغالي روي فيتوريا المدير الفني لفريق النصر السعودي على متابعة وتوجيه لاعبيه بشكل مستمر خلال فترة تعليق الأنشطة الرياضية حاليا في المملكة.

ويسعى فيتوريا إلى الحفاظ على لياقة لاعبيه وعدم منحهم فرصة للاسترخاء خشية تأثر مستواهم البدني بعد استئناف فعاليات الدوري السعودي وكافة الأنشطة الرياضية. وسلطت صحيفة “أو جوجو” البرتغالية الضوء على ما يفعله فيتوريا حاليا مؤكدة أنه يراقب لاعبيه عن طريق إرسال برنامج تدريب فردي لكل من لاعبي الفريق ليؤديه في المنزل خلال هذه الفترة. كما طلب منهم المدرب تسجيل جلسات التدريب بالفيديو، ثم إرسالها عبر تطبيق “واتساب” لمتابعتها.

ومن جانيه وضع الصربي فلادان ميلويفيتش مدرب أهلي جدة السعودي برنامجا خاصة للتدريبات للاعبيه عبر تطبيق “واتساب” وبوجود مدرب اللياقة المتخصص وفرض عليهم الالتزام بتدريبات اللياقة بشكل يومي من المنازل. وركز الجهاز الفني للأهلي في التدريبات على عمل اللاعبين تمارين التوازن والمرونة، للحفاظ قدر الاستطاعة على معدلات اللياقة للاعبين خلال فترة التوقف الإجبارية الحالية.

وفي تجربة تواكب ما يقوم به العديد من نجوم كرة القدم في مختلف الأندية الأوروبية أعدّ نجم كرة القدم السوري عمر السومة مهاجم أهلي جدة السعودي قاعة رياضية متكاملة في منزله شمال محافظة جدة حتى يتمكن من أداء تدريباته اليومية بصورة مثالية. وتضم القاعة أجهزة لرفع معدل اللياقة وتقوية العضلات، وتدريبات أخرى.

وكان عدد من نجوم كرة القدم الأوروبية قد نشروا صورا لامتلاكهم قاعات تدريبية يستغلونها طوال فترة العزل الطبي على غرار الألماني مارك أندريه تير شتيغن، حارس برشلونة، والإسباني سيرجيو راموس قائد ومدافع ريال مدريد.

وفي تونس يجاهد العديد من اللاعبين من أجل الالتزام بتطبيق الحجر الصحي أولا بينما يتفاوت مستوى التدريب بينهم للحفاظ على جاهزيتهم في مستوى ثان.

وقال سهيل الشملي طبيب منتخب تونس لكرة القدم “قبل كل شيء على اللاعبين الالتزام بالحجر الصحي وتجنب الاختلاط للوقاية من العدوى بفايروس كورونا والمحافظة على صحتهم”. وأضاف “يجب على اللاعبين أن يحافظوا على جاهزيتهم البدنية قدر الاستطاعة عبر التمرن في منازلهم والمحافظة على الحماية الصحية والذهاب مبكرا للنوم”.

وفسر زياد بوغطاس مدافع النجم الساحلي أهمية النشاط الرياضي المنزلي في حياة اللاعبين “نحاول تجاوزهذه الفترة  في أقرب وقت والعودة للملاعب”، مشيرا إلى أنه يحاول المحافظة على لياقته عبر القيام بالركض منفردا في الصباح الباكر ثم تطبيق برنامج تمارين اللياقة عن بعد التي وضعها الجهاز الفني لفريقه.

22