أيّ مصير لصراعات الشرق الأوسط

تقارير تشير إلى سعي أطراف داخل الإدارة الأميركية إلى استغلال أزمة كورونا للاستفادة من ضعف إيران المتزايد وإرغامها على العودة إلى مائدة المفاوضات.
السبت 2020/04/04
واشنطن توظف أزمة كورونا بما يخدم مصالحها

القاهرة – يضع تواصل تفشي فايروس كورونا في مختلف دول العالم الباحثين والخبراء في السياسة الدولية أمام التساؤل عن مصير العلاقات بين القوى المتصارعة في الشرق الأوسط.

ويؤكد مراقبون أن كل طرف من الدول الفاعلة في المنطقة وخاصة الولايات المتحدة وإيران، يدفع لتوظيف أزمة كورونا بما يخدم مصالحه وتموضعه الجيوسياسي في المستقبل.

لا يوجد شك في أن أي أزمة عالمية دائما ما تسفر عن تحولات في أي دولة ومجتمع في العالم، ومن بينها منطقة الشرق الأوسط. وتدور التساؤلات في الوقت الراهن حول طبيعة التحولات التي سوف تسفر عنها أزمة تفشي كوفيد- 19 في المنطقة.

وترى داليا داسا كاي، وهي من كبار خبراء السياسة ومديرة مركز السياسة العامة للشرق الأوسط التابع لمؤسسة البحث والتطوير الأميركي (مؤسسة راند)، أنه ليس من المحتمل أن تؤدي أزمة كورونا إلى ديناميكيات استراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وتتوقع أن تعزز هذه الأزمة الديناميكيات الحالية والتي تعتبر سلبية إلى حد كبير.

وكتبت كاي في تقرير لها نشره موقع “راند” على الإنترنت أن من أبرز الديناميكيات الاستراتيجية التي من المرجح أن تزداد سوءا، العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فقد تميل الدولتان إلى اعتبار الأزمة فرصة لمضاعفة ما تم اتخاذه من إجراءات سابقة أسهمت في استمرار الصراع بينهما، حيث تواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ممارسة سياسة “الضغط القصوى” رغم عدم تحقيقها نتائج استراتيجية حتى الآن، ورغم ما أسفرت عنه من تصدعات في العلاقات مع دول أوروبا وحلفاء آخرين.

وتشير التقارير إلى سعي البعض داخل الإدارة الأميركية إلى استغلال أزمة كورونا للاستفادة من ضعف إيران المتزايد وإرغام طهران على العودة إلى مائدة المفاوضات.

أما القادة الإيرانيون، فإنهم بحسب الخبراء، نفد صبرهم الاستراتيجي بعد عام من الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة منه، وبعد تأكدهم من أن هذه الاستراتيجية لم تحقق لهم سوى قدر ضئيل من التعافي الاقتصادي الذي كانوا يأملون أن تسهم فيه دول أوروبا أو آسيا.

من جهته، تساءل حسين عبدالحسين، الباحث السابق في معهد تشاتام هاوس في لندن “هل يمكن للشرق الأوسط العربي وأوروبا الاستمرار في تقديم المساعدة غير المشروطة، بينما هما يعانيان أيضا من الوباء؟”.

حسين عبدالحسين: طهران لن تقبل شيئا من واشنطن، خوفا من تهمة الاستسلام
حسين عبدالحسين: طهران لن تقبل شيئا من واشنطن، خوفا من تهمة الاستسلام

وقال حسين في مقال نشر بموقع “سنديكيشن بيورو” يجب الاعتراف بأن إيران لن تقبل أبدا أي شيء من الولايات المتحدة، لأنه قد يُفسر على أنه استسلام لما تسميه “الشيطان الأكبر”.

وأضاف أنه قد يكون الشرق الأوسط العربي وأوروبا أكثر استعدادا لمساعدة النظام الإيراني على البقاء إذا توقفت طهران عن دورها كأكبر دولة مثيرة للعنف والأعمال العسكرية في المنطقة.

وأعطى حسين مثالا لما اسماه “دبلوماسية الفيروسات”، بتأكيده على أن البعض من المسؤولين الأميركيين السابقين الذين يتمتعون ببعض المصداقية لدى طهران اقترحوا أن تفرج إيران على سجناء أميركيين مقابل موافقة واشنطن على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار أميركي كانت قد طلبته إيران من صندوق النقد الدولي.

وأوضح أن هذا الاقتراح يتضمن أن تسمح واشنطن لطهران أيضا بتلقي مساعدات دولية نقدا، وهو إجراء خاضع حاليا للعقوبات الأميركية، لأن هذا النقد سيتدفق عبر النظام الخاص بالولايات المتحدة لتسوية النزاعات بالدولار الأميركي، كجزء من الانفراجة الإنسانية.

أما في ما يتعلق بانغماس الصين وروسيا المتزايد في المنطقة، ترى الباحثة الأميركية كاي، أن المشاركة الروسية المتزايدة في المنطقة انتهازية إلى حد كبير، وليس من المحتمل أن تتغير نتيجة للأزمة الراهنة، كما توضح التطورات في سوريا.

وترى أن دور الصين في الشرق الأوسط هو الأكثر أهمية ومدعاة للمراقبة. فالصين تقوم بالفعل، وبدرجة كبيرة، بالاستثمار وبناء البنية التحتية في المنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق.

ورغم أن المصالح الاقتصادية تحرك هذه الاستراتيجية إلى حد كبير، ليس من الصعب تخيل تزايد النفوذ الصيني في المجالات السياسية والاستراتيجية مع مرور الوقت.

 ويرى محللون أن أزمة كورونا تعزز صعود نجم الصين التي تستغل ما تواجهه الولايات المتحدة من عثرات لتظهر نفسها كرائد عالمي في مجال مكافحة جائحة كورونا، حيث تقوم بإرسال فرق طبية و250 ألف كمامة إلى إيران، على سبيل المثال.

ورغم هذه التوقعات السلبية، تقول كاي إنه من المحتمل حدوث انفراجات دبلوماسية قليلة، مشيرة إلى التقارب بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، إذ أنه منذ الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط والتي بدأت الصيف الماضي، أجرت دول رئيسية من مجلس التعاون الخليجي مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، مباحثات أمنية بحرية مع الإيرانيين، حيث إن تكاليف المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران أضرت بالفعل بدول الخليج. وبذلك، ليس من قبيل المفاجأة أن رد الفعل الإماراتي بالنسبة لفايروس كورونا الذي أصاب إيران بشدة على نحو خاص، تمثل في تسهيل شحنات الإمدادات الطبية.

كما ترى كاي أن من بين انفراجات فايروس كورونا تزايد الضغط من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين في أنحاء منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في إيران، في ضوء خطر العدوى واسع النطاق في أماكن الاحتجاز المزدحمة بظروفها الصحية السيئة. وأفرجت إيران مؤقتا عن حوالى 85 ألف سجين، بينهم سجناء سياسيون، بسبب وباء كورونا. كما أفرجت البحرين عن حوالى 1500 سجين “لأسباب إنسانية”.

وفي ختام تقريرها، تقول كاي إن الأوبئة تعبر الحدود السياسية والجغرافية، وأشارت في ذلك الصدد إلى التعاون الإسرائيلي الفلسطيني، إذ يبدو أن هناك تعاونا على مستوى عال بين إسرائيل والمسؤولين الفلسطينيين، والذي يشمل غرفة عمليات مشتركة لاحتواء انتشار الفايروس. كما اتصل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليشكره على التعاون رفيع المستوى في مواجهة الوباء.

وتعتبر غزة، التي تعاني بالفعل من ظروف إنسانية وصحية سيئة للغاية نتيجة سنوات الحصار تحت حكم حماس، موضع قلق خاص في ما يتعلق بحدوث حالات إصابة جديدة بالفايروس.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي في غزة لن يستطيع التعامل مع أي تفش للفايروس في القطاع الذي يقطنه مليونا نسمة.

6