أين منظمات المجتمع المدني من الجريمة

السبت 2015/12/05

الانفجارات الإجرامية في أكثر من بلد حول العالم، من القضايا التي تهدد العالم وتجعله مكانا غير آمن للحياة. فالمدنية الحديثة أهملت الجوانب الإنسانية في وقت لم تنشط فيه الجمعيات المدنية والحقوقية من أجل تعويض الفقد السلوكي في أفراد المجتمعات، وهي في الواقع مسألة لا تتعلق باختراقات أمنية في هذه الدولة أو ذلك المجتمع، وإنما هي حالة إنسانية في المقام الأول تتطلب أدوارا أكثر نشاطا للحقوقيين ومنظماتهم، وسبق أن انتقدت تواضع أدوارهم.

فالنفس البشرية فيها ضعف يحتاج إلى تقوية من خلال جرعات معرفية والتزامات بالأنظمة والقوانين واحترامها، وذلك لا يبدو أنه يحدث في أكثر المجتمعات تقدما ناهيك عن مجتمعات العالم الثالث التي يعصف بها الفقر والعوز اللذان يدفعان الفقراء لكسب نواقصهم من خلال سلوكيات إجرامية منحرفة عن النظام الاجتماعي، أو حتى الثورة على الأنظمة الاقتصادية التي تفشل في تحسين مستوياتهم المعيشية.

مؤخرا قتل أربعة عشر شخصا وأصيب مثلهم على الأقل في إطلاق نار في سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وذلك لأن هناك شخصا مسلحا قرر ارتكاب هذه المجزرة. وهذا الحادث يأتي بعد أقل من أسبوع من مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة تسعة آخرين في حادث إطلاق نار قرب مركز لتنظيم الأسرة في ولاية كولورادو.

ورغم التقدم التقني والأمني للولايات المتحدة الأميركية إلا أن هناك متسربين من نظامها الاجتماعي يمارسون رذيلة القتل بدم بارد لاختلالات في نفسياتهم لم تتم معالجتها رغم التمتع بأحد أفضل نماذج الحياة على الكرة الأرضية. وبالتالي فمن اليسير تصوّر حجم المعاناة التي يمكن أن تكون في بيئات أخرى في العالم الثالث، وذلك يعيدنا مرارا وتكرارا إلى سوء إدارة المنظمات الإنسانية والحقوقية التي لا تبذل جهدا كافيا في حماية الأنفس من الانهيار وتعرضها لضغوط تجعلها تنفجر على هذا النحو القاتل.

منظمات المجتمع المدني صمام أمان اجتماعي لأفراد المجتمعات وحمايتهم وبقائهم قريبا من النظام واحترامهم وتغطية أي عجز في التزاماتهم القيمية والإنسانية. والحالة الأميركية في الواقع تدين كافة المنظمات الأميركية المدنية. فمثل هذه الحوادث تتكرر بصورة مأساوية ضارة بالمسيرة الإنسانية، ونحن مطالبون في مجتمعاتنا بأخذ الدروس والعبر من هذه الحوادث حتى ننشّط منظماتنا ونفعّل المزيد منها خاصة حين نضيف إليها عاملي التطرف والإرهاب، بما يضاعف مسؤولياتها ومهامها وواجباتها تجاه المجتمعات التي تنشط فيها، وذلك أمر ينبغي أن يخطط له بمساعدة القيادات السياسية والوطنية والنخب الفكرية والثقافية ووسائل الإعلام.

ودون العمل بتنسيق ومنظومة منهجية لمحاصرة التردّي الإنساني وانحراف بعض الشباب من خلال المخدرات وحاجتهم إلى المال ما يضطرهم إلى السرقة وتهديد الآمنين، فضلا عن تعرضهم لضغوط عقدية واهمة يرون من خلالها مخرجا لأزماتهم النفسية واليقينية ما يجعلهم ينضمون بسهولة إلى جماعات التطرف المتشددة وممارسة جرائم الإرهاب، وفي ظل عدم وجود جهد مدني اجتماعي وحقوقي، من الصعب على الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة القيام بالكثير، فهي حينها تصبح كالذي يصفق بيد واحدة.

لا بد من دور نشط وفاعل لمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية من أجل استيعاب الكثيرين الذين يتوهون في بحور وأنفاق مظلمة يحتاجون فيها إلى الدعم، والذي حين يفقدونه فإنهم يتجهون بإرادتهم أو رغما عنهم إلى الجريمة كخيار بديل من أجل الحصول على نواقصهم وتلبية احتياجاتهم المادية والروحية، ولعل غياب ذلك الدور وعدم تأثيره سبب في انتشار المخدرات ووجود بيئات لها إلى جانب التطرف، لذلك من الضروري قراءة أحداث أميركا بعناية وتوظيفها في برامج ومشروعات وطنية تحلل وتشرح وتضع أنظمة داعمة للعمل الاجتماعي الهادف حتى تسلم مجتمعاتنا.

كاتبة سعودية

8