أياد ناعمة تطهر أرض فيتنام من الألغام لزرع الفلفل الأسود

العديد من نساء الفيتنام يتخذن من جمع القنابل التي خلفتها الحرب مصدر رزق حيث يقمن بالتفتيش عنها في المقاطعات لبيع معدنها.
الجمعة 2020/01/10
من أجل زراعة آمنة

غوانغ تري (فيتنام)- تقود نغوك فريقا من النساء المتخصصات في إزالة الألغام إلى حقل بعيد للتخلص من القنابل غير المنفجرة التي تعود إلى حرب فيتنام التي أودت بحياة عشرات الآلاف من سكان البلاد بمن فيهم عمها.

وقالت لو ثي بيتش نغوك، فيما كانت تشرف على عملية تفجير منظمة لقنبلة عنقودية عثر عليها في موقع مغلق في مقاطعة غوانغ تري، “لقد مات عمي في انفجار. وقد بقيت ذكراه تطاردني”.

ولا يزال أكثر من 6.1 مليون هكتار من الأراضي في فيتنام مليئة بالقنابل غير المنفجرة التي ألقتها القاذفات الأميركية خصوصا، بعد عقود من انتهاء الحرب في العام 1975.

ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن نزع الألغام أمر حيوي، كون الألغام الأرضية والأسلحة غير المنفجرة تؤدي إلى تلويث مناطق الحرب، وتشويه وقتل المدنيين على فترة طويلة بعد انتهاء الصراع المسلح.

ضحايا الألغام مزارعون يدوسون عن خطأ فوقها أو أشخاص يجمعون الخردة المعدنية أو أطفال يعتقدون أنها ألعاب

وقد مات ما لا يقل عن 40 ألف فيتنامي في حوادث مرتبطة بالألغام. وغالبا ما يكون الضحايا مزارعين يدوسون عن طريق الخطأ فوقها أو أشخاصا يجمعون الخردة المعدنية أو أطفالا يعتقدون أن هذه القنابل الصغيرة ألعاب.

وعلى مدار العقدين الماضيين، عملت نغوك في إزالة الألغام لدى المجموعة الاستشارية للألغام (ماغ) الممولة من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان. واليوم، تجوب هذه المرأة البالغة من العمر 42 عاما مقاطعة غوانغ تري لاستخراج ما يصل إلى العشرات من الألغام غير المنفجرة يوميا، وهي ليست وحدها.

وقالت مزيلة الألغام تران ثي هانه إن زوجها أصيب جراء انفجار لغم أرضي أثناء ذهابه إلى العمل، وهي لا تريد أن يحدث الأمر نفسه لأشخاص آخرين، مضيفة “هذا ما يحفزني للقيام بهذه المهمة”.

وهناك من اتخذ من جمع القنابل التي خلفتها الحرب مصدر رزق، حيث تقوم نغوين تي تام بالتفتيش عن هذه القنابل لبيع معدنها، مقابل أجر يصل أحيانا إلى أربعة دولارات في اليوم. إنه مرتفع نوعا ما بالنسبة لفيتنام لكنه أكثر الأعمال خطورة. تي تام تملك حقل أرز صغيرا، وبسبب ندرة المياه لا يمكنها زراعته وتقول “عليّ القيام بهذا العمل رغم خطورته. كأس من الدم مقابل كأس من الأرز. قدري هو إما الموت أو الحياة”.

زوج تي تام قتل وهو ينبش أحدها قبل أعوام. ولتأمين عيش أولادها الأربعة استمرت بهذا العمل وقد أصبح بإمكانها التعرف على القنابل من خلال الأصوات التي تصدرها آلة الكشف.

وتضيف “اعتدت أن أجلبها إلى المنزل لبيعها بخمسين ألف دونغ فيتنامي للقطعة الواحدة، لكن لا أحد يريد شراء القنابل غير المعطلة، إذ يجب أن أعلم المجموعة المكلفة بتعطيل الألغام”.

وأحد العاملين في هذه المجموعة يرى أن جمع المعادن مصدر هام بالنسبة لعملهم، قائلا “كل يوم نتلقى منهم الاتصالات لإعلامنا عن قنابل غير منفجرة”. وبمجرد تطهير الموقع، يصبح من الممكن استخدام الأرض للزراعة.

لا خيار
لا خيار

وقالت هايدي كون مؤسسة منظمة “روتس فور بيس” غير الحكومية التي ساعدت 3 آلاف شخص على زراعة الفلفل في الحقول التي كانت مليئة بالألغام في السابق “إزالة الألغام وإعادة الزارعة وإعادة البناء… نحن نعمل من أجل السلام”. وتعتبر فيتنام أكبر منتج للفلفل الأسود في العالم. وقال الجندي السابق فان فان تاي المبتور الرجلين إن الزراعة أعطته فرصة جديدة للحياة.

وهو فقد ساقه فيما كان يقاتل لصالح النظام في الجنوب، لكن بعد الحرب، فقد ساقه الأخرى عندما داس بالخطأ على قنبلة غير منفجرة أثناء البحث عن خردة معدنية في مستودع أسلحة أميركي سابق. وقد أصبح ذلك الانفجار محفورا في ذاكرته.

وأوضح “تراودني كوابيس أرى فيها أجزاء من جسدي تنتشر جراء انفجار، وبعد ذلك أستيقظ لأجد نفسي مازلت قطعة واحدة لكن دون ساقين”. ولا يزال ما يصل إلى ثلاثة ملايين قطعة من الذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية مدفونة في الأراضي الفيتنامية.

وقال تاي إنه وجد الشهر الماضي قنبلة يدوية في فناء منزله الخلفي. ووفقا للمسؤولين، قد تستغرق عملية تطهير البلاد بكاملها من القنابل غير المنفجرة 100 عام وتكلف المليارات من الدولارات.

لكن هذا الأمر لم يمنع نغوك من الاستمرار في هذا العمل الخطير الذي يضطلع به الرجال عادة في غوانغ تري حيث عادة ما تكون النساء عاملات نسيج أو مزارعات. وهي قالت “هذه المهمة لا تتعلق بالمال، بل بتوفير مكان أفضل وضمان أرض أكثر أمانا”.

20